وصيّة البابا فرنسيس في الأوقات الصّعبة: حافظوا على الإيمان!
وفي تفاصيل العظة، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "في السّاعات الأخيرة من حياته كان يسوع يصلّي، وفي اللّحظة المؤلمة الّتي ترك فيها تلاميذه وهذا العالم، صلّى يسوع من أجل أصدقائه، وبينما كان يحمل في قلبه وفي جسده جميع خطايا العالم، استمرّ يسوع في محبّتنا والصّلاة من أجلنا. من صلاة يسوع نتعلّم نحن أيضًا أن نعبر اللّحظات المأساويّة والأليمة في الحياة. لنتوقّف بشكل خاصّ عند فعلٍ يصلّي به يسوع للآب: اِحفَظْهم. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بينما يُطبع بلدكم الحبيب ميانمار بالعنف والنّزاع والقمع، لنسأل أنفسنا: ما هو الشّيء الّذي دُعينا لكي نحفظه؟
حفظ الإيمان. علينا أن نحافظ على الإيمان لكي لا نستسلم للألم ولا نسقط في استسلام الّذي لم يعد يرى مخرجًا. قبل الكلمات، في الواقع، يجعلنا الإنجيل نتأمّل في موقف يسوع: يقول الإنجيليّ إنّه صلّى رافعًا عينيه إلى السّماء". إنّها السّاعات الأخيرة من حياته، وهو يشعر بثقل الحزن لآلامه الّتي تقترب، ويشعر بظلام اللّيل الّذي يوشك أن يهبط عليه، ويشعر بالخيانة والتّخلّي؛ ولكن في تلك اللّحظة بالتّحديد، حتّى في تلك اللّحظة، رفع يسوع عينيه إلى السّماء. لقد رفع نظره إلى الله. لم يخفض رأسه إزاء الشّرّ، ولم يسمح للألم بأن يسحقه، ولم ينغلق في مرارة من انهزم وخاب أمله، بل ينظر إلى العُلى. كما أوصى تلاميذه: "انتَصِبوا قائمين وَارفَعوا رُؤُوسَكُم لأنَّ اِفتِداءَكم يَقتَرِب". إنّ الحفاظ على الإيمان يعني أن نحدِّق عاليًا نحو السّماء بينما يدور القتال وتُسفَك دماء الأبرياء على الأرض. إنّه عدم الاستسلام لمنطق الكراهيّة والانتقام، والحفاظ على نظرنا موجّهًا نحو إله المحبّة الّذي يدعونا لكي نكون إخوة فيما بيننا.
إنَّ الصّلاة تفتحنا على الثّقة بالله حتّى في الأوقات الصّعبة، وتساعدنا لكي نرجوَ ضدّ جميع الأدلّة، وتدعمنا في المعركة اليوميّة. إنّها ليست مهربًا، أو وسيلة للهروب من المشاكل. بل هي السّلاح الوحيد الّذي نملكه لكي نحافظ على المحبّة والرّجاء وسط العديد من الأسلحة الّتي تزرع الموت. ليس من السّهل علينا أن نرفع النّظر إلى العلى عندما نكون في الألم، لكن الإيمان يساعدنا على التّغلّب على تجربة الانغلاق على أنفسنا! ربّما نودّ أن نحتجّ وأن نصرخ ألمنا لله أيضًا: لا يجب أن نخاف، وهذه أيضًا صلاة. في لحظات معيّنة، إنها صلاة يقبلها الله أكثر من غيرها لأنّها تولد من قلب جريح، والرّبّ يُصغي دائمًا إلى صرخة شعبه ويمسح دموعهم. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لا تتوقّفوا أبدًا عن النّظر إلى العُلى. حافظوا على الإيمان!
جانب ثان لهذا الحفظ هو حُفظ الوحدة. لقد صلّى يسوع إلى الآب لكي يحفظ تلاميذه في الوحدة "لْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِدًا"، عائلة واحدة تسود فيها المحبّة والأخوَّة. لقد كان يعرف قلوب تلاميذه؛ في بعض الأحيان كان يراهم يتجادلون حول من يجب أن يكون الأكبر ومن يجب أن يأمر. هذا مرض قاتل: الانقسام. نحن نختبره في قلوبنا، لأنّنا غالبًا ما نكون منقسمين نحن أيضًا؛ نختبره في العائلات والجماعات وبين الشّعوب وحتّى في الكنيسة. هناك العديد من الخطايا ضدّ الوحدة: الحسد، الغيرة، البحث عن المصالح الشّخصيّة بدلاً من خير الجميع، الأحكام ضدّ الآخرين. وهذه الصّراعات الصّغيرة الموجودة بيننا تنعكس فيما بعد في الصّراعات الكبرى، مثل تلك الّتي يعيشها بلدكم في هذه الأيّام. فعندما تسيطر المصالح الشّخصيّة وعطش الرّبح والسّلطة، تندلع الاشتباكات والانقسامات على الدّوام. إنَّ الوصيّة الأخيرة الّتي قدمها يسوع قبل عيد الفصح هي الوحدة. لأنّ الانقسام يأتي من الشّيطان الّذي هو المُقسِّم.
نحن مدعوّون لكي نحافظ على الوحدة، ونأخذ بجدّيّة صلاة يسوع الصّادقة إلى الآب: بأن نكون واحدًا، وأن نشكِّل عائلة، وأن نتحلّى بالشّجاعة لعيش روابط الصّداقة والمحبّة والأخوّة. وما أحوجنا اليوم للأخوَّة! أعرف أنّ بعض المواقف السّياسيّة والاجتماعيّة هي أكبر منكم، لكن الالتزام من أجل السّلام والأخوّة يأتي دائمًا من الأسفل: كلّ فرد، يمكنه أن يقوم بدوره. يمكن لكلّ فرد أن يلتزم في أن يكون باني أخوَّة، وأن يكون زارعًا للأخوَّة، وأن يعمل على إعادة بناء ما قد تحطّم بدلاً من تغذية العنف. نحن مدعوّون لنقوم بذلك أيضًا ككنيسة: أن نشجّع الحوار واحترام الآخر ورعاية الأخ، والشّركة!
أخيرًا، حفظ الحقيقة. طلب يسوع من الآب أن يُكرِّس تلاميذه بالحقّ، الّذين أرسلهم إلى جميع أنحاء العالم لكي يتابعوا رسالته. إنّ الحفاظ على الحقّ لا يعني الدّفاع عن الأفكار، والتّحوّل إلى حُرّاسٍ لنظام من المبادئ والعقائد، وإنّما أن نبقى مرتبطين بالمسيح ونتكرّس لإنجيله. إنَّ الحقّ بلغة الرّسول يوحنّا هو المسيح نفسه، وإظهار محبّة الآب. إنَّ يسوع يصلّي لكي وإذ يعيش الرّسل في هذا العالم، لا يتبعون معايير هذا العالم، ولا يسمحون للأصنام بأن تفتُنهم بل يحافظون على صداقتهم معه؛ لا يساومون على الإنجيل إزاء المنطق البشريّ والدّنيويّ، بل يحافظون على رسالته كاملة. الحفاظ على الحق يعني أن نكون أنبياء في جميع مواقف الحياة، أي أن نكون مُكرّسين للإنجيل ونُصبح شهودًا له حتّى عندما يكون الثّمن أيضًا السّير في عكس التّيّار. أحيانًا، نسعى نحن المسيحيّين إلى المساومة، لكن الإنجيل يطلب منّا أن نكون في الحقيقة ومن أجل الحقيقة، وأن نبذل حياتنا في سبيل الآخرين. وحيثما هناك حرب وعنف وكراهيّة، أن نكون أُمناء للإنجيل وصُنّاع سلام يعني أن نلتزم، أيضًا من خلال خيارات اجتماعيّة وسياسيّة، ونخاطر بحياتنا. بهذه الطّريقة فقط يمكننا أن نغيِّر الأشياء. إنَّ الرّبّ لا يحتاج إلى أشخاص فاترين: هو يريدنا مكرّسين في حقيقة الإنجيل وجماله، لكي نشهد لفرح ملكوت الله حتّى في ليلة الألم الحالكة وعندما يبدو الشّرّ أقوى.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أريد اليوم أن أحمل على مذبح الرّبّ آلام شعبكم وأصلّي معكم، لكي يحوِّل الله قلوب الجميع إلى السّلام. لتُساعدنا صلاة يسوع لكي نحافظ على الإيمان حتّى في الأوقات الصّعبة، ونكون بناة وحدة، ونخاطر بحياتنا من أجل حقيقة الإنجيل. ولا نفقدنَّ الرّجاء أبدًا؛ إنَّ يسوع لا يزال اليوم يصلّي إلى الآب ويشفع من أجلنا جميعًا، لكي يحفظنا من الشّرّير ويحرّرنا من قوّة الشّرّ."