هويّتنا الحقيقيّة لا تظهر إلّا أمام الرّبّ
المرء كائن تغمره التّناقضات والأسرار فهو صريح وغامض معًا، محبّ ومُسيء معًا، خيّر وشرّير معًا، ويصعب جدًّا كشف كلّ خفايا نفسه مهما كانت العلاقات التي تجمعه بالآخرين قويّة وطويلة، لا بدّ إذًا من أن يبقى جزء مخفيًّا لدى الآخرين وجليًّا لدى الله. فهويّة الإنسان لا تتكشّف إلّا بالله ومع المسيح، الـ "أنا" الحقيقيّة لا تظهر إلّا أمام الرّبّ العارف كلّ شيء والمدبّر لكلّ شيء.
هذه الهويّة يرسمها الله بأنامله الخلّاقة، ينحت نفوسنا ويخطّ عقولنا ويكشف كلّ المستور لأنّه مدرك أوجاعنا وأخطاءنا وهواجسنا.
إنّنا خُلقنا على صورة الله ومثاله، جُبلنا بالتّراب نفسها ونُفخنا بالرّوح نفسها، فلا نجد أنفسنا سوى في المسيح، في قلبه وتعاليمه ووجهه وحبّه ورحمته. إنّنا أبناء الله وإخوة المسيح وهويّتنا المطبوعة بصبغة المسيح ليست معه سوى إناء ينضح بما فيه. وما في داخل هذا الإناء ليس سوى الصّفات الخيّرة والمُرّة التي قد نحاول إخفاءها عن الآخرين ولكن نعجز عن ذلك مع الله.
عندما تشتدّ الصّعاب وتتحكّم الخطيئة بنا، كثيرًا ما نضيّع أنفسنا ونرمي هويّتنا في وحل الضّلال، فنصبح تائهي الفكر والمشاعر، ضعفاء ويائسين، عاجزين عن إيجاد أنفسنا. عندها، لا بدّ من اللّجوء إلى الملاذ الوحيد، إلى المسيح الحيّ، إلى الرّبّ الرّحوم، الذي وحده يتقبّلنا كما نحن، ووحده قادر على إعادة الخير إلى قلوبنا وعلى إيجاد هويّتنا وقَيادتنا إلى برّ الخلاص والأمان...