دينيّة
01 تشرين الثاني 2018, 14:00

هل تعلن روما قداسة الشّابّ اللّبنانيّ فتحي بلدي؟

ريتا كرم
هو شهيد رصاص الحرب اللّبنانيّة، هو شهادة من لبنان أرض القدّيسين. شهادة تعكس رحمة السّماء ومحبّتها لشعب هذه الأرض الطّيّبة، المنتصر على كلّ الصّعوبات بصليب القيامة والقداسة.

 

هو العلمانيّ الشّابّ فتحي عبّود بلدي (1961- 1980) الّذي نفض عنه غبار الحرب الضّارية، ونهض من دمائه الّتي غرق فيها يوم استشهد ليرتفع اسمه من لبنان إلى روما، وليعطي أملاً لأبناء لبنان "وطن الرّسالة"، بأنّ راية القداسة لا تزال ترفرف عاليًا في ربوعه.

ولكن من هو هذا الشّابّ الّذي تحوّل فجأة إلى حديث السّاعة، بخاصّة بعد أن أعلن راعي أبرشيّة بيروت وجبيل وتوابعهما للرّوم الملكيّين الكاثوليك المتروبوليت كيرلّس سليم بسترس يوم الثّلاثاء، موافقة مجمع قضايا القدّيسين في الفاتيكان على فتح دعوى تطويبه وتقديسه؟

فتحي بلدي: من مواليد بيروت في 22 أيلول/ سبتمبر 1961، والداه عبّود فتح الله بلدي ونيلّي جبرائيل مدوّر. إنّه الولد الوسط بين شقيقتيه نيكول وجينا. تلقّى دروسه في مدرسة الحكمة- الأشرفيّة، إلّا أنّ ظروف الحرب جعلته يتابع دروسه لفترة قصيرة في معهد سيّدة الرّسل- جونيه، قبل أن يُكمل دروسه الثّانويّة بنجاح في الولايات المتّحدة الأميركيّة (1978- 1979)، ليعود في أواخر حزيران/ يونيو 1979 إلى لبنان وينجح في امتحانات الباكالوريا- الجزء الثّاني، وينتسب إلى الأكاديميّة اللّبنانيّة للفنون الجميلة "ألبا"، وينطلق في مسيرته الجامعيّة في مجال الهندسة المعماريّة.

لكنّ حلم الشّابّ في الدّراسة والتّخرّج لم يكتمل، لأنّ حادثة اعترضته في 31 ك1/ ديسمبر 1980 وقطعت عليه فرصة العيش؛ ففي صباح ذاك اليوم، استأذن فتحي والدته ليتوجّه بسيّارته إلى بيت أحد زملائه في عاريّا للمذاكرة، وما أن أشارت عقارب السّاعة إلى الحادية عشرة والثّلاثين دقيقة حتّى تلقّت أخته جينا اتّصالاً هاتفيًّا ينقل إليها الخبر الأليم: تعرّض فتحي لحادث سير على طريق عاريّا.

على أثر النّبأ، هبّت الأم وابنتها إلى المحلّة وإذا بهما تجدان فتحي ملقى على مقعد سيّارته أمام المقود. لم يكن حادث سير عاديًّا، فطلقات ناريّة كانت بادية على رأسه وصدره، حتّى أنّ "رصاصة الرّحمة" قد خرجت عبر رقبته من أذنه اليسرى باتّجاه اليمنى.

بعد هذه الفاجعة الّتي هزّت العائلة، والّتي شابهتها حوادث كثيرة اهتزّ لبنان بسببها، دُفن الشّهيد فتحي بلدي في مقبرة كنيسة الرّوم الكاثوليك في رأس النّبع- بيروت، قبل أن يُنقل جثمانه إلى مدفن دير المخلّص في صربا في 14 تموز/ يوليو 1983 حيث لا يزال لغاية يومنا.

قصّة استشهاد فتحي لم تنتهِ هنا، بل وبعد وفاته ظهرت على قبره أنوار ورشح منه زيت، ونال مؤمنون شفاءات ونعمًا عديدة بشفاعته، الأمر الّذي فتح الباب أمام دراسة ملفّه بقرار من سينودس الرّوم الملكيّين الكاثوليك عام 1983 و1994 سعيًا لتطويبه، فجمع وقتها المثلّث الرّحمة المطران بطرس الرّاعي ووالدة فتحي شهادات كثيرة عنه في كتابين بعنوان "فتحي بلدي ظاهرة قداسة"، صدرا سنة 1983 و1987، غير أنّ ظروف الحرب منعتهما من متابعة القضيّة.

لكنّ البشرى السّارّة زفّها مجمع قضايا القدّيسين في روما لكنيسة الرّوم الملكيّين، بتاريخ 10 أيلول/ سبتمبر 2018، بشرى تعلن أنّ لا مانع من قبل الكرسيّ الرّسوليّ من المباشرة بقضيّة تطويب خادم الله فتحي بلدي وتقديسه، ونتيجتها كُلّف الأب بول قزّي من الرّهبنة اللّبنانيّة بمتابعة ملفّ الدّعوى.

هذه البشرى، زفّتها الكنيسة بالأمس، وها هي تحلّ لتعيد الرّوح إلى قلوب العائلات الّتي خسرت أبناءها في الحرب اللّبنانيّة وهم لا يزالون شبابًا، وليكون علامة لكلّ شابّ وشابّة في هذا الوطن، علامة تثبّتهم في أرضهم وترسّخهم في إيمانهم.

اليوم في عيد جميع القدّيسين، نصلّي معًا كي يرسل الله روحه القدّوس فيرشد الكنيسة في مسيرة البحث عن بطولة فضائل خادم الله فتحي بلدي، فيسطع نور قداسته بين جميع القدّيسين، بخاصّة قدّيسي وطن الأرز، ويكون شفيعًا جديدًا للبنان وشعبه.