العراق
20 أيار 2019, 11:57

نداء من كنيسة المشرق الآشوريّة محوره وضع المسيحيّين في الشّرق

صدر عن المجمع السنهادوسيّ المقدّس لكنيسة المشرق الآشوريّة، والّذي انعقد في أربيل من 13 حتّى 18 أيّار/ مايو، برئاسة بطريرك مار كيوركيس الثّالث صليوا، بيان تمحور حول وضع المسيحيّين في الشّرق، فجاء فيه بحسب موقع أخبار الكنيسة الرّسميّ:

 

"تمرّ منطقة الشّرق الأوسط منذ أكثر من عقد بأوضاع تتّسم بالعنف والإرهاب المنظّم الّذي يستهدف بشكل خاصّ الأقلّيّات والمكوّنات الدّينيّة والقوميّة. فقد تعرّض المسيحيّون والإيزيديّون وبقيّة الأقلّيّات الدّينيّة إلى جرائم إبادة جماعيّة في العراق وسوريا حتّى بات وجودهم مهدّدًا في وطنهم الأمّ الّذي كان لهم دورهم الكبير في بنائه على مدى آلاف السّنين من وجودهم القوميّ والدّينيّ فيه.

وحيث أنّ هذا التّهديد الوجوديّ بات ملموسًا على الأرض وينعكس يوميًّا في نزيف الهجرة الّتي تدرك الكنيسة حقائقه وبلغة الأرقام، فقد توقّف السّينودس المقدّس لكنيسة المشرق الآشوريّة المنعقد في أربيل– كردستان العراق، للفترة من 13 إلى  18 أيّار 2019 برئاسة أبينا صاحب القداسة البطريرك مار كيوركيس الثّالث صليوا ومشاركة أصحاب الغبطة والنّيافة مطارنة وأساقفة الكنيسة الأجلّاء، عند هذه القضيّة ونتائجها ليس فقط على أبناء كنيسة المشرق وعموم مسيحيّي المشرق بل وعلى أبناء الأوطان والشّعوب الّتي تقاسمنا ونتقاسم معهم التّاريخ والجغرافيا، الماضي والحاضر والمستقبل، الآلام والآمال، الصّعاب والتحّدّيات.

إنّ ما تعرّض له أبناء الكنائس المشرقيّة المتألّمة وشركاؤهم في المعاناة أبناء الأقلّيّات الدّينيّة من اليزيديّة، من حملات منظّمة من الإرهاب وجرائم الإبادة، لم يكن ليحدث لولا وجود البيئة الثّقافيّة والمجتمعيّة الّتي تستسهل هذه الأعمال أو تبرّرها. ما يمرّ به مسيحيّو المشرق وكنائسه المتألّمة في العقد الأخير ليس الأوّل ولكنّه يختلف من حيث أنّه بات تهديدًا وجوديًّا للتّنوّع الدّينيّ والقوميّ والثّقافيّ.

 من هنا فإنّه لا يجوز الاكتفاء بالوقوف عند نتائج المشكلة، بل التّعامل مع جذورها من خلال مراجعة وتصحيح التّشريعات والقوانين الّتي تشرعن التّمييز والمفاضلة بسبب الهويّة الدّينيّة والقوميّة والثّقافيّة، ومراجعة مناهج التّربية والتّعليم، كون المعتمد منها ينشئ تراكميًّا أجيال تربّت وتعلّمت على رفض الآخر، وكذلك توظيف وسائل الإعلام والتّواصل الاجتماعيّ بما يخدم وينشر قيم الاحترام المتبادل والتّسامح. 

لذلك يتوجّه السّينودس المقدّس لكنيسة المشرق إلى المرجعيّات التّشريعيّة والتّنفيذيّة والقضائيّة، بالنّداء لتحمّل مسؤوليّاتها والعمل على برامج وخطط عمل تمنح الثّقة والطّمأنينة لأبنائنا بمستقبل كريم في الوطن الّذي بدونهم لن يكون وطنًا. فالشّرق الغنيّ بتنوّعه والتّكامل بين مكوّنات هذا التّنوّع الدّينيّ والقوميّ لن يكون شرقًا عند إفراغه من أيّ من هذه المكوّنات أو تهميشهم. والهويّة الوطنيّة ليست محصورة بوثيقتها بل بممارستها على الأرض، والمواطنة الحقيقيّة لا تتحقّق ما دام أبناء الوطن مصنّفون إلى درجات في الممارسة الواقعيّة.

وفي هذا السّياق فإن المرجعيّات والمؤسّسات والمنابر الإعلاميّة الإسلاميّة لها دور محوريّ في تبنّي خطاب التّسامح الدّينيّ والشّراكة الوطنيّة بين جميع أبناء الوطن. الكنائس المشرقيّة كانت دومًا وعلى مدى الفي سنة قيمة إضافيّة لهذا الشّرق الّذي هو منبتها وهويّتها، مثلما هو حاضرها ومستقبلها. واليوم فإنّ دورها هو أكثر إلحاحًا ومطلوبيّة كونها المؤهّلة لبناء الجسور محلّ الأسوار، مانحة الأمل والرّجاء محلّ اليأس والهروب، زارعة المحبّة والسّلام محلّ الكراهيّة والاقتتال.

وإذ يعرب السّينودس المقدّس لكنيسة المشرق الآشوريّة عن قلقه، فإنّه يبتهل إلى الله أن ينير قلوب صنّاع القرار والمجتمع الدّوليّ برحمته، ويرشد عقولهم بحكمته ليسعوا إلى إنهاء المعاناة والحروب والاقتتال، وأن يسيروا في طريق صنع السّلام على أسس العدالة والمساواة بين أبناء الوطن بدون تمييز أو تمايز بسبب الهويّة الدّينيّة والقوميّة والثّقافيّة، فالسّلام الّذي لا يحقّق الكرامة الإنسانيّة والعدالة لن يكون سلامًا مستديمًا. فالإنسان صورة الله هو الغاية الأسمى وهو القيمة الأقدس الّتي يجب اعتمادها في أعمالنا وقراراتنا دولاً ومؤسّسات وكنائس وأفراد.

وإذ يدرك السّينودس المصاعب والتّحدّيات الّتي يواجهها أبناء الكنيسة المتألّمة فإنّه يدعوهم للتّشبّث بأرضهم وهويّتهم القوميّة والدّينيّة الّتي لا يمكن الحفاظ عليها وتنميتها إذا ما ابتعدت عن جذور جغرافيّتها وتاريخها. مثلما يتوجّه إلى الكنيسة المهجريّة، مؤسّسات وإكليروسًا ومؤمنين، بالدّعوة إلى تمتين التّرابط مع الوطن عبر برامج إنسانيّة وتنمويّة وثقافيّة تتوجّه إلى جميع المجتمعات المتألّمة في الوطن وفق قيم المحبّة والأخوّة الرّبّانيّة والإنسانيّة.

لتكن نعمة الرّبّ القدّوس مع الجميع، الآن وفي كلّ أوان".