من هو قدّيس الخليج العربيّ؟
كان الأخير شيخًا وقورًا وزعيمًا للمسيحيّين في تلك البلاد ما استنار إلّا من كلمة الله؛ وقف في وجه سخط اليهود بثقة عزّزها إيمان كبير بالمسيح، وشجاعة فائقة يغذّيها استعداد دائم للموت من أجل الرّبّ ولا أحد سواه.
كان- في زمن يهدَّد المسيحيّين بالسّيف وقطع الرّؤوس- مثالاً للحوار والتّفاعل بين الشّعوب والحضارات، إلّا أنّ الإهانات الّتي أمطرها عليه اليهود حينذاك لم توقفه أو تجعله يتراجع عن إيمانه، لا بل على العكس أمدّ رفاقه بكلمات العزاء والرّجاء، وشجّعهم على الثّبات في إيمانهم أمام التّهديد والوعيد، فكانوا يهتفون جميعًا بصوت واحد: "لا يفصلنا عن محبّة المسيح إلهنا لا عذاب ولا سيف ولا وموت"، هذا ما سرّع قرار الملك اليهوديّ الّذي دخل المدينة تحت شروط المصالحة، غير أنّه نكث بوعده وأمر بقتل كلّ مسيحيّ: فأحرق كنائس وقتل أكثر من أربعة آلاف مسيحيّ، ومن بينهم حارث بن كعب الّذي تقدّم من الموت بشجاعة باسطًا يديه على شكل صليب، فسبق رفاقه الـ340 إلى الشّهادة بلحظات، في 24 ت1/ أكتوبر سنة 523 ميلاديًّا.
أضحى القدّيس حارث بن كعب مذّاك شفيعًا للمسيحيّين في بلاد الجزيرة العربيّة، قدّيس كسر جدار الخوف من الموت وقَبِل أن تروي دماؤه أرض بلاده ويكون قدوة لكثيرين في زمانه ومثالاً في وفائه للمسيح للملايين اليوم بخاصّة في الشّرق، تاركًا صدى بولس الرّسول يتردّد: "فإنّي واثق بأنّه لا موت ولا حياة، ولا ملائكة ولا أصحاب رئاسة، ولا حاضر ولا مستقبل، ولا قوّات ولا علوّ ولا عمق، ولا خليقة أخرى، بوسعها أن تفصلنا عن محبة الله الّتي في المسيح يسوع ربّنا." (رومية 8/ 38-39)