دينيّة
13 تشرين الثاني 2024, 10:00

محبّة الأعداء عند القدّيس سلوان الاثوسيّ (1)

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب باسيليوس محفوض خادم عائلة كنيسة الصليب المحيي للروم الارثوذكس في النبعة

 

الوصيّة الأساسيّة الأصليّة في الإنجيل المقدّس هي: المحبّة! إنّها كلمة صغيرة، لكنّها تعبّر عن شيء شامل وكامل. من السهل أن نقول: يجب أن تحبّ، ولكن ليس من السهل أن نبلغ المحبّة إلى الدرجة الكاملة. كما أنْ، ليس من الواضح تمامًا كيف نبلغها؛ ولهذا السبب أحاط المخلّص هذه الوصيّة بقواعد توضيحيّة: أحبّ "كما تحبّ نفسك" و"كما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم أيضًا بهم كذلك". هنا يُظهر يسوع المسيح مدى المحبّة التي يمكن أن نسمّيها محبّة بلا حدود؛ فهل هناك أي حدٍّ لحبّ الإنسان لنفسه؟ وهل هناك أي خير لا يريده الإنسان لنفسه من قِبَل الآخرين؟ ومع ذلك، فإنّ هذه التعليمات ليست مستحيلة التنفيذ.

يتوقّف الأمر على أن يكون لديك شفقة كاملة تجاه الآخرين، وأن تنقل مشاعرهم إليك بالكامل، وأن تشعر بما يشعرون به. وعندما يحدث هذا، فلن تكون هناك حاجة إلى الإشارة إلى ما يجب عليك فعله للآخرين في موقف معيّن: سيُظهر لك قلبك ذلك. يجب أن تهتمّ فقط بالحفاظ على الرحمة، وإلّا فإنّ الأنانيّة ستقترب منك على الفور وتعيدك إلى ذاتها وتحصرك في ذاتها. لأجل ذلك، وضع القدّيس سلوان الآثوسيّ خريطة الطريق كي نمتلك المحبّة الكاملة إلى درجة محبّة الأعداء. يتطلّب الحصول على نعمة محبّة الأعداء شروطًا. محبّة الأعداء مرتبطة ارتباطًا كاملًا بمحبّة الله. الأساسُ الرئيس لمحبّة الأعداء هو المحبّة التي يظهرها الله لمخلوقاته جميعها ومشيئته في أن يخلص الناس أجمعون.  

محبّة الله تقود الإنسان إلى تحقيق مشيئته وتقليده قدر الإمكان، وبالتالي إلى محبّة أعدائه أيضًا. وهكذا لاحظ القدّيس سلوان أنّ من لا يحبّ أعداءه يظهر أنّه لم يتعلّم من الروح القدس أن يحبّ الله. محبّة الأعداء مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتواضع. ولكن حتّى وإن كانت الكبرياء تستبعد محبّة الأعداء، فإنّ الحبّ يستبعد الكبرياء. إنْ أحببنا أعداءنا فلن يكون للكبرياء مكان في نفوسنا. وعلاوة على ذلك، فإنّ الرابط بين التواضع ومحبّة الأعداء هو الذي يُثبِت وجود النعمة وأصالة المحبّة. إن كنت تشفق على المخلوقات كلّها وتحبّ أعداءك، وإذا كنت في الوقت عينه تحكم على نفسك بأنّك أسوأ الناس، فهذا يدلّ على أنّ نعمة الربّ العظيمة فيك. التواضع هو الشرط الضروريّ لقبول النعمة التي تعلّمنا أن نحبّ أعداءنا وتمنحنا القوّة للقيام بذلك، وحفظها. الكبرياء تجعلنا نفقد النعمة، ثمّ تتعذّب النفس بأفكار سيّئة ولا تفهم أنْ يجب على الإنسان أن يبذل نفسه ويحبّ أعداءه، لأنّه من دون ذلك لا يستطيع أن يرضي الله.  

وقد شدّد القدّيس سلوان أحيانًا أيضًا على الدور الذي تلعبه التوبة في ارتباطها بالتواضع. تتمّة...