مجنونا كورة الجرجسيّين
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين
اليوم هو الأحد الخامس بعد العنصرة وفيه رتّبت الكنيسة المقدّسة هذا المقطع من الإنجيل الذي يخبرنا عن أعجوبة الربّ يسوع بإخراج الشياطين من مجنونَي كورة الجرجسيّين
هذا المقطع يسلّط الضوء على نقاط مهمّة عدّة:
أوّلًا: فيما يظّن البعض أنّ الشيطان هو وهْم أو اختراع تَقَويّ لتبرير الأهواء البشريّة، يأتي التعليم الكتابيّ بشكل واضح ليثبت أنّ الشيطان شخص موجود وفي النصّ بين أيدينا نراه يتكلّم مع المسيح مباشرةً ويخاطبه .
الشيطان الذي كان ملاكًا وسقط من النور إلى الظلمة نتيجة الكبرياء، سمح له الله أن يعمل قبل الدينونة العامّة لما في ذلك من منفعةٍ للكمال الروحيّ للإنسان.
هو يعلم أنّ نهايته محسومة لذا قال للمسيح لماذا جئت قبل الوقت لتعذّبنا؟
الشيطان كأسد يجول ليجد فريسة يبتلعها.
قد يسأل البعض لماذا لم نعد نرى اليوم في أوساط الكنيسة أناسًا كمثل مجنونَي كورة الجرجسيّين؟
هل كانت تلك الأحداث أساطير أو جهلًا بشريًّا آنذاك بالأمراض النفسيّة والجسديّة المتنوّعة ؟؟؟؟
تكمن الحقيقة في تأثير سرّ التجسّد الإلهيّ وقوّته والبشارة والكنيسة حيث المؤمنون الذين يعيشون الأسرار أصبحوا محصّنين بالنعمة الإلهيّة، فهجمات الشرير صارت تأتي عليهم كسهام من بعيد.
ثانيًا: لماذا أذِنَ المسيح للشياطين بدخول قطيع الخنازير خصوصًا وأنّ النتيجة أتت مأساويّةً، فقد مات القطيع كلّه والله يعلم مسبقًا ما الذي سيحدث؟
يكمن الجواب في أنّ المسيح، بهذا السماح، حقّق أمورًا عدّة وإن لم يستطع أهل كورة الجرجسيّين أن يروها:
أ ) ليعلم الناس مدى شرّ الشياطين وخبثهم فهم بلا رحمة تجاه الكائنات غير الناطقة وليس فقط تجاه الإنسان الذي يكرهونه أكثر.
هم، بطبعهم، يسعون إلى أن يسوقوا الناس إلى الرعب ويبتهجون بهلاكه.
ب ) الشياطين لا تتجرّأ حتّى على الخنازير، إن لم يسمح لها المسيح بذلك، إن لم يسحب نعمته التي تحفظ الكلّ.
ج) الشياطين كانت ستفعل أكثر من ذلك بالمجنونيْن لولا وجود عناية الله التي تكبح فرط عنفهم وتوقفه.
لا يوجد إنسان لا ينعم بمنفعة العناية الإلهيّة وليس بشكلٍ عامّ وحسب، بل وبشكلٍ خاصّ أيضًا (شعور رؤوسكم كلّها محصاة يقول الربّ يسوع)