مصر
02 شباط 2019, 14:22

ما هو عيد تقدمة يسوع للهيكل؟

لمناسبة عيد تقدمة يسوع للهيكل، وجّه الأب د. شنودة شفيق كلمةً للتّوضيح بماهيّة هذا العيد والتّأمّل في المعنى الرّوحيّ له، فقال بحسب "المتحدّث الرّسميّ للكنسية الكاثوليكيّة بمصر".

"تحتفل الكنيسة بعد مرور أربعين يومًا من ميلاد السّيّد المسيح، وبالتّحديد في 2 فبراير، بعيد تقدمته للهيكل، وهو أحد الأعياد السّيّديّة الصّغرى. ويروي القدّيس لوقا هذا الحدث في إنجيله (لو2/22-40). الاقتداء بأمانة يوسف ومريم للشّريعة:
فرضت شريعة موسى وصيّتين، الوصيّة الأولى خاصّة بتطهير الأم ونجدها في سفر اللّاويّين (8:2-12)، والوصيّة الثّانية، خاصّةً بتقديم كلّ بكر ونجدها في (خروج13). إقتضت الشّريعة الخاصّة بتطهير الأم، على المرأة أن تتطهّر بعد أربعين يومًا إذا ولدت ذكرًا، وثمانين إذا ولدت أنثى. ويتمّ التّطهير بمجيئها إلى الهيكل، وتقديم خروفًا إذا كانت غنيّة، أو زوجي يمام أو فرخي حمام إذا كانت فقيرة.

وكانت شريعة التّطهير في العهد القديم رمزًا لذبيحة السّيّد المسيح الذي قدّم نفسه على الصّليب، كما يتّضح من الرّسالة إلى العبرانيّين "هو بهاء مجد اللّه وصورة جوهره، يحفظ الكون بقوة كلمته، ولمّا طهّرنا من خطايانا جلس عن يمين إله المجد" (عب1:3).

والوصيّة الثّانية تقديم كلّ بكر، فتقديم يسوع إلى الهيكل بكونه بكرًا من أمّه بالجسد، تعود إلى أنّ اللّه طلب من موسى النّبيّ أن يقَدم له كلّ بكر من أبناء الإسرائيليّين، وأيضًا من الحيوانات، كما يتّضح في سفر الخروج "وقال الرّبّ لموسى: كرّس لي كلّ بكر فاتح رحم من النّاس والهائم في بني اسرائيل (خر1:3)" 

وهنا يمكنا أن نتساءل هل كان الرّبّ يسوع ذاته بحاجة إلى التّطهير؟ بالطّبع لا، ومع ذلك جاءوا إلى الهيكل طاعةً وخضوعًا للنّاموس والشّريعة؛ فيسوع نفسه هو الذي قال: "لا تظّنوا أنّي جئت لأبطل الشّريعة وتعاليم الأنبياء، ما جئت لأبطل، بل لأكمل" (متّى 17:5).

لقد تمّم الرّبّ يسوع كلّ ما تفرضه الشّريعة: الختان، والدّخول للهيكل، الاحتفال بالأعياد... ألخ، هذا يعلّمنا أن نكون أبناء في المحافظة على التّعاليم والوصايا التي يعلّمنا ايّاها السّيّد المسيح. وعلينا أن نربّي أولادنا على حفظ الشّرائع والتّعاليم التي تأمر بها الكنيسة. عندها ننال نعم عظيمة من الرّبّ لنكون مرضيّين لديه. هكذا ربّت العذراء مريم ويوسف البتول ابنهما الرّبّ يسوع، الذي يقول فيه الإنجيل: "وكان يسوع ينمو في القامة والحكمة والنّعمة عن الله والنّاس" (لو52:2).

الاشتياق إلى اللّقاء باللّه:
يتّضح لنا هذا من النّص الإنجيليّ الذي يسرد لنا حدث هذا العيد المبارك، إذ يقَّدم لنا شخصيّتان تقدّما في السّن هما سمعان الشّيخ، حنّة النّبيّة. لم يدخل سمعان الهيكل اعتباطًا أو بمحضّ الصّدفة، إنّما ذهب منقادًا بروح اللّه "فجاء إلى الهيكل بوحي من الرّوح. فلمّا دخل الوالدان ومعهما الطّفل يسوع ليؤدّيا عنه ما تفرضه الشّريعة، حمله سمعان على ذراعيه وبارك الله، وقال: ياربّ تمّمت الآن وعدك لي، فأطلق عبدك بسلام..." (لو25:2-32).
يقول العلاّمة أوريجانوس: "تأمّلوا الأحداث التي هيّأت سمعان لأن يستحقّ أن يحمل ابن اللّه، كان أوّلًا قد أكّد له الرّوح القدس أنّه لا يرى الموت حتى يعاين مسيح الرّبّ، ثمّ جاء إلى الهيكل، ليس على سبيل الصّدفة أو العادة، بل مدفوعًا بروح اللّه".
يعّد نشيد سمعان نشيد تسبحة وشكر للّه، ومنه يعلن سمعان الشّيخ عموميّة الخلاص "عيناي رأتا الخلاص الذي هيّأته للشّعوب كلّها، نورًا لهداية الأمم، ومجداً لشعبك اسرائيل" (3:2-32).

يمثّل سمعان الإنسان المنتظر بأمانة حلول الخلاص ويري حقيقة الخلاص في شخص الرّبّ يسوع المسيح. فاللّه لا يستغني عن الإنسان في عمله، فهو منذ البدء اختار شعبًا ليدخل معه في حوار يكشف من خلاله عن جوهره، وكذلك في العهد الجديد في الإطار الذي نحن بصدده للإنسان دور فعّال في اعلان تحقيق الخلاص.

على غرار لقاء سمعان الشيخ بالسّيّد المسيح، على كلّ شخص في قرارة نفسه، مهما كان بعيدًا عن اللّه بسبب الخطيئة، أن يحّن إلى العودة واللّقاء مع الله بالصّلاة وممارسة الأسرار، خاصّةً التّوبة والاعتراف والتّناول، ليخرج الرّبّ من يأسه، ويداوي جراحه، ويردّه إليه، ويغمره بحبه.

اللّقاء باللّه مشروط بلقاء الغريب:
في علاقة اللّه بالإنسان لم يستخدم أسلوب فرض الشّخصيّة واستخدام القوّة ليربح الإنسان، لكنّه التقى بالإنسان وتعامل معه بأسلوب ينمّ عن احترام اللّه للإنسان احترامًا بالغًا، ليعلّمنا كيفيّة اللّقاء والتّعامل بعضنا البعض. فالإنسان هو صورة اللّه ومثاله، لذلك يقول الرّبّ يسوع: "كلّ مرّة عملتم هذا لواحد من أخوتي هؤلاء الصّغار، فلي عملتوه" (متي 40:25).

وعلى لسان القدّيس يوحنّا يقول: "إذا قال أحد: أنا أحبّ اللّه وهو يكره أخاه كان كاذبًا، لأنّ الذي لا يحبّ أخاه وهو يراه، لا يقدر أن يحبّ اللّه وهو لا يراه" (1يو20:4). لذلك لقاءنا باللّه مشروط بلقاءنا بالغريب والسّعي إليه. واللّقاء بأخي الإنسان لا يتمّ عبر مصالحة سطحيّة، أو ابتسامة مصطنعة أو مصلحة وقتيّة، إنّما لا بدّ أن يتمّ اللّقاء في العمق رغم الاختلافات الموجودة بيننا على كافّة المستويات. لذلك يتطلّب اللّقاء تخطّي كافة الحواجز والاختلافات، فمن يبحث عن اللّه ويرغب في اللّقاء به، يذهب نحو أخيه الإنسان يجد اللّه. هذه الخطوات ليست سهلة إن لم يكن الإنسان على استعداد للخروج من الذّات، وهذا ما يؤكّده قداسة البابا فرنسيس في رسالته "فرح الإنجيل"، "...الخروج من الذّات للاتّحاد مع الأخرين يولّد خيرًا. الانغلاق على الذّات يعي تذوّق سمّ الكمّون الباطنيّ المرّ، وكلّ اختيار أنانيّ نتّخذه، سوف تتغلّب عليه الطّبيعة" (فقرة87).

هذا العيد هو دعوةً لكلّ واحد فينا لكي نعيش في محبّة وتقوى، على مثال سمعان وحنّة ومريم ويوسف الذي قرّب نفسه. تقدمة يسوع هي تقدمة كلّ واحد فينا، لأنّنا مدعوّون دائمًا أن نقدّم للّه كلّ شيء في حياتنا، لأنّنا بمعزل عن اللّه لا نستطيع أن نفعل شيئًا.

فالتقدمة للّه هي بمثابة الوجود دائمًا في حضرة اللّه الذي يستقبلنا ويُسرع لملاقاتنا. فلنعش هذا الرّجاء الحقيقيّ على مثال سمعان الشّيخ، ونلتقي باللّه في هيكل نفوسنا. بركة هذا العيد تغمر قلوبنا بالفرح والإيمان والرّجاء."