مصر
20 أيار 2025, 06:30

قدّاس مشترك لبطاركة الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة في القاهرة ووثيقة تاريخيّة تؤرّخ هذا الاحتفال

تيلي لوميار/ نورسات
في إطار اجتماعهم في مصر، احتفل رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة في الشّرق الأوسط، البطاركة: تواضروس الثّاني، إغناطيوس أفرام الثّاني وآرام الأوّل، بالقدّاس الإلهيّ المشترك، صباح الأحد، في الكاتدرائيّة المرقسيّة- العبّاسيّة في القاهرة، بحضور عدد كبير من المطارنة والكهنة والشّمامسة من الكنائس الثّلاثة وحشد غفير من المؤمنين.

خلال القدّاس، تُلي الإنجيل باللّغات العربيّة والسّريانيّة والأرمنيّة، وكانت عظات للبطاركة الثّلاثة.

العظة الأولى ألقاها بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني، قال فيها بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة": "هذا يوم مفرح ومجيد في تاريخ كنائسنا الأرثوذكسيّة وسط أفراح القيامة. نرحّب بكلّ قلوبنا بالآباء أصحاب القداسة والآباء المطارنة والأساقفة، وباسم المطارنة والأساقفة والكهنة والشّعب والرّهبان والرّاهبات أرحّب بكم في الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وفي الكاتدرائيّة المرقسيّة بالعبّاسيّة.

في هذا اليوم التّاريخيّ الّذي نصلّيه لأوّل مرّة في الكاتدرائيّة المرقسيّة يجب أن يُسجَّل في تاريخ الكنيسة، حيث نجتمع معًا، البطاركة والأساقفة، على غرار مجمع نيقية، فهذا اليوم هو امتداد لما حدث من ١٧٠٠ سنة. وكأنّنا في الكنيسة نختصر الزّمن.

إجتمع وقتها البطاركة والأساقفة من كلّ كنائس العالم ليناقشوا بدعة ظهرت في الإسكندريّة وكادت أن تشقّ الكنيسة، لكن الآباء بقلب واحد وفكر واحد اجتمعوا في نيقية، وظهر بينهم القدّيس أثناسيوس الرّسوليّ الّذي كان شمّاسًا ورسمه البابا ألكسندروس كاهنًا وكان مدافعًا قويًّا عن الإيمان.

ما حدث منذ ١٧٠٠ عام ها هو حيّ في كنيستنا، واليوم نجتمع بالمحبّة الكاملة هنا، ونصلّي معًا، ونرفع قلوبنا أمام الله في وحدة إيمانيّة قويّة، نصلّي أن تدوم إلى المنتهى."

وأضاف: "بمناسبة مجمع نيقية المسكونيّ الّذي عقد عام ٣٢٥ ميلاديّة عقدنا بالأمس جلسة رمزيّة، الآباء البطاركة والمطارنة والأساقفة من الثّلاث كنائس، تَلَوْنا فيها قانون الإيمان ثمّ استمعنا لقوانين مجمع نيقية العشرين، وطرحت بعض المقترحات الّتي تزيد محبّتنا بشكل أكبر."

وتناول البابا ثلاثة دروس نتعلّمها من مجمع نيقية، هي:

١- المجمعيّة: أيّ أن نجلس معًا ونتناقش فيما يشغلنا، وما أروع أن يكون النّقاش على أرضيّة المحبّة. فكما صنع الآباء في نيقية وكما عاشوا طوال حياتهم يجب أن نفعل نحن أيضًا هذا. وهذا التّقليد استمرّ في كنائسنا بأن تجتمع المجامع المقدّسة وتتناقش وتتحاور وتقدّم فكرًا وعملًا في أمور الخدمة والرّعاية والتّدبير.

الله لا يطلب منّا سوى المحبّة، فالله يرى أفكارنا وأعمالنا ومشاعرنا، ولكن أمام الله العليّ كلّ أمورنا مكشوفة، والله لن يبحث في حياتنا سوى عن المحبّة، فما حَصَّلتَه من محبّة على الأرض سوف يفتح لك باب السّماء، وإن لم تُحَصِّل فموقفك أمام الله سيكون صعبًا.

٢- التّلمذة: البابا ألكسندروس حاول أن يضمّ الجميع في فكر واحد وإيمان واحد وتعبير واحد ولكن آريوس ومن شايعه انحرفوا عن إجماع الكنيسة، وعقد المجمع، وأخذ البابا ألكسندروس معه شمّاسًا وهو أثناسيوس الّذي كان إنسانًا تقيًّا وفصيحًا ودارسًا وعارفًا بما في الكتب. وصار أثناسيوس نجمًا وسط آباء المجمع الّذين شاركوا في وضع قانون الإيمان، وهنا نتوقّف أمام هذه الصّورة فالبابا ألكسندروس رأى في الطّفل أثناسيوس نضوجًا جعله يأخذه ويتلمذه وحينما ذهب إلى المجمع استطاع أن يواجه الفكر المنحرف.

٣- وضع الإيمان في صورة قانون:

ميزة القانون أنّه يحدّد ويوضح دون لَبْس، وقانون الإيمان في الكنيسة يقدّم صيغًا محدّدة للإيمان، وإيماننا بالصّليب والقيامة الّذي عاشته الكنيسة من أيّام السّيّد المسيح تمّت صياغته في صورة قانون له ألفاظ محدّدة، والكنيسة الّتي تردّده تصبح كنيسة مسيحيّة.

كلّ مسيحيّي العالم لديهم الكتاب المقدّس، ويَتلُوْن قانون الإيمان، ولهم رجاء في الملكوت، ويوجهون أنظارهم نحو شخص المسيح."

ثمّ ألقى بطريرك السّريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثّاني كلمة قال فيها: "إنّ السّماء اليوم تفرح أكثر من فرحنا على الأرض، وإنّ الآباء الرّسل المؤسّسين لكنائسنا الثّلاثة، القدّيسين مرقس (كنيسة الإسكندريّة) وتداوس (كنيسة أرمينيا) وبطرس (كنيسة أنطاكية)، جميعهم يفرحون بوحدتنا، وحدة الإيمان الّذي من أجله بذلوا حياتهم، وكذلك الآباء البطاركة السّابقون الّذين خدموا كنائسنا الثّلاث يفرحون بخلفائهم الّذين يشتركون اليوم في رفع الذّبيحة الإلهيّة وممارسة الوحدة الكاملة بين كنائسنا الّتي تتنوّع في التّقاليد والألحان ولكن تتّحد بالكامل في الإيمان."

وأضاف: "إنّ آباء مجمع نيقية يفرحون بنا اليوم لأنّنا نحتفل بذكرى المجمع معًا من خلال القدّاس الإلهيّ واحتفال التّرانيم والتّسابيح واللّقاء المشترك الّذي جمعنا والّذي عقدنا فيه مجمعًا مشتركًا وهي أوّل مرّة (من بعد المجامع المسكونيّة الثّلاث) الّتي تجتمع فيها كنائس مختلفة في التّقاليد، مع اتّحاد الإيمان، على مستوى مجامع الكنائس. إنّ احتفالنا هذا سيُسَجَّل في صفحات التّاريخ، فستأتي أجيال بعدنا وتقول إنّه في الذّكرى ١٧٠٠ لانعقاد مجمع نيقية اجتمع الآباء رؤساء كنائسنا واحتفلوا بمجمع مشترك وقدّاس مشترك."

وإختتم بصلاة إلى الله "ليقوّينا من أجل الشّهادة أكثر وأكثر وللحفاظ على الإيمان الأقدس الّذي تسلّمناه بلا شائبة، ودعوة أبناء كنائسنا في كلّ مكان إلى الشّدّ من أزر بعضهم البعض والحفاظ على الإيمان الواحد والعيش به، والشّهادة بكلمة البشارة الّتي يحتاجها العالم الآن بشدّة."

وقّدم الشّكر للبابا تواضروس الثّاني والآباء المطارنة والأساقفة وأبناء الكنيسة القبطيّة وكلّ من له تعب في ترتيب الاحتفال وهذا اللّقاء وكلّ لقاء.

وفي ختام الكلمات، ألقى الكاثوليكوس آرام الأوّل كلمة قال فيها: "هذه لحظة هامّة لكنائسنا، في هذه الكنيسة نشهد شهادة حقيقة للوحدة المسيحيّة الوحدانيّة ليست شيء إنسانيّ وإنّما هي عطيّة الله، وبالرّغم من الشّدائد الّتي مرّت بها كنائسنا عبر العصور، إلّا أنّها ظلّت حافظة للإيمان والوحدة.

الكنيسة ليست فقط مبنى أو جماعة، إنّما هي رسالة لنا من الله، وأنتم (الشّعب) كنيسة حيّة بمشاركتكم في القدّاسات وفي الشّهادة الحيّة للمسيح.

بالأمس واليوم تأكّدت حقيقة أنّ كنائسنا ستظلّ أمينة للمسيح، رغم كلّ التّحدّيات الّتي تواجهها في هذه الأيّام، ستظلّ الكنيسة هي الحامية للإيمان.

في هذه اللّحظات المقدّسة أودّ أن أعبّر عن امتناني لقداسة البابا لمحبّته وكرم ضيافته وأيضًا قداسة البطريرك مار أفرام الّذي يعبّر عن المحبّة الأخويّة".

وإختتم: "نؤكّد أنّ محبّتنا لن تستمرّ فقط بل ستتعمّق أكثر فأكثر".

وبعد انتهاء العظات، وقَّع الآباء البطاركة على وثيقة تؤرخ لهذا الاحتفال الفريد، حُرِّرَت في ثلاث نسخ، بحيث تحتفظ كلّ كنيسة بنسخة منها، وكذلك وقَّع كلّ الآباء المطارنة والأساقفة المشاركين على الوثيقة التّاريخيّة.

وعقب القدّاس توجه الآباء البطاركة وبرفقتهم مطارنة وأساقفة الكنائس الثّلاثة إلى مزاري القدّيس مرقس الرّسول والقدّيس البابا أثناسيوس الرّسوليّ بالكاتدرائيّة، حيث صلّوا وتباركوا وسط ترتيل ألحان التّماجيد.