دينيّة
21 تشرين الثاني 2024, 10:00

ما هو اليوبيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب روجيه سركيس كاهن في أبرشيّة بيروت المارونيّة وخادم كنيسة مار شربل الفنار

 

ما هو اليوبيل؟

نقلًا عن موقع أبرشية بيروت المارونية

في سفر اللاويّين توصية من الربّ باستراحة الأرض في السنة السابعة:

"إذا دخلتم الأرض التي أعطيتُها لكم، فليكنْ لها سبتُ عطلة للربّ. ستُّ سنين تزرعون حقولكم وستّ سنين تقضِبون كرومكم وتجمعون غلالها، وفي السنة السابعة يكون للأرض سبتُ عُطلةٍ مُكرّسة للربّ" (لا ٢٥: ٢-٤)

اليوبيل هو مناسبة يوصى بها في السنة التي تتبع كلّ سبع حلقات من السبوت، أي في السنة الخمسين:

واَحسُبْ لَكَ سَبعَةَ أَسابيعَ مِنَ السّنين، أي سَبعَ مَرَّاتٍ سَبْعَ سِنين، فتَكونُ لَكَ أَيَّامُ أَسابيعِ السنين السَّبعةِ تِسعًا وأَربَعينَ سَنَة. وآنفُخْ في بُوقِ الهُتافِ في اليَومِ العاشِرِ مِنَ الشهرِ السابع، في يَومِ التكْفيرِ تَنفُخونَ في البوقِ في أَرضِكم كُلّها. وقَدّسوا سَنةَ الخَمْسين ونادوا بإعْتاقٍ في الأَرضِ لِجَميعِ أَهْلِها، فتَكونَ لَكم يوبيلًا، فتَرجِعوا كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه وتَعودوا كُلُّ واحِدٍ إِلى عَشيرَتِه. سَنَةُ الخَمْسين تَكونُ لَكم يُوبيلًا، فلا تَزرَعوا فيها ولا تَحصِدوا خِلفَةَ زَرعِكم ولا تَقطِفوا ثَمَرَ كَرمِكم غَيرِ المَقْضوب. إِنَّها يوبيل، فتَكونُ لَكم مُقَدَّسة، ومِن غِلالِ الحُقولِ تأكُلون. وفي سَنةِ اليوبيلِ هذه تَرجِعونَ كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه. إِذا بِعْتُم لأَقرِبائِكم أَوِ آشتَرَيتُم مِنهم، فلا يَظلِمِ الواحِدُ مِنكُم أَخاه. بِحَسَبِ عَدَدِ السنين مِن بَعدِ سَنةِ اليوبيلِ تَشتَري مِن قَريبِكَ، وبِحَسَبِ سِني الغَلَّةِ يَبيعُكَ. بِحَسَبِ كَثرَةِ السنينَ تُكَثِّرٌ له الثَّمَن وبِحَسَبِ قِلَّتِها تُقَلِّلُه، لأَنَّه إِنَّما يَبيعُك عَدَدًا مِنَ الغِلال. فلا يَظْلِمْ أَحَدُكم قَريبَه، بلِ آتَّقِ إِلهَكَ: إِنِّي أَنا الرَّبُّ إِلهُكم" (لاويين ٢٥: ٨-١٧).

كلمة يوبيل في النصّ العبريّ تأخذ بُعدًا احتفاليًّا وليتورجيًّا لكونه نصًّا كهنوتيًّا، وهو مُرتبط بعيد كيبور أو الغفران حين يُنفخ بالبوق (ومن هنا تأتي تسمية يوبيل). أمّا في نصّ الترجمة السبعينيّة فيستعمل كلمة “ἀφέσεως”  التي تأخذ بُعدًا أخلاقيًّا وأدبيًّا ويُمكن ترجمتها "غفران" أو "تحرير".

ليس هنالك أيّ أثر تاريخيّ لهذا اليوبيل، لا بل نجد عند الأنبياء ملامةً على مُخالفة هذه الأحكام (أش ٥:٨؛ إر ٣٤: ١٣-١٤).  فاليوبيل يبقى فكرةً نظريّة لم تُطبّق. وبالتالي يُمكننا القول بأنّ الكلام لا يأتي في إطار تحديد أحكام معيّنة، بل يُمكن ويجب وضعه في إطار التفكير اللاهوتيّ. فما هي جوانب هذا اليوبيل التي يُمكن استخلاصها؟

١. إستراحة الأرض، أو سبت الأرض

• الهدف هو التأمّل بالأرض كعطيّة، والعطيّة لا تُستهلك. هي دعوةٌ إلى إدراك أنّ الثمار لا تتعلّق بتعب الإنسان، بل هي بركة من الله.

• وهذا اعترافٌ بضرورة مشاركة العطيّة: لأنْ لا يتمّ حصاد الغلال ليتمّكن أيّ شخص من أن يأكل من الأرض.

• احترام الطبيعة  

٢. مَحْو الدَيْن واستعادة الأرض

الأرض لا تُعدّ ملكيّة خاصّة: "وأَمَّا الأَرض، فلا تُبَاع بَتاتًا لأَنَّها ليَ الأَرض، وإِنَّما أَنتُم نُزَلاءُ وضُيوفٌ عِندي" (لا ٢٥: ٢٣). فالملك لله ولا تقع تحت سلطة أيّ بشر. وفي كلّ مرّة يخسر أيّ سبط جزءًا من أرضه يُعدّ ذلك انتقاصًا من إرادة الله. ولهذا مع مرور ٥٠ سنة، يعود الشعب إلى نقطة الانطلاق التي فيها مشاركة الخيرات وفي الوقت عينه تصوّر دينيّ للمجتمع "لَكِن لا يَكونُ عِندَكَ فَقير، لأَنَّ الرَّبَّ يُبارِكُكَ في الأَرضِ الَّتي يُعْطيكَ الرَّبَّ إِلهُكَ إِيَّاها ميراثًا لِتَرِثَها" (تث ١٥: ٤).

 

٣. تحرير العبيد

هو إعادة عيش اختبار الخروج حين أعتق اللهُ الشعبَ من العبوديّة (لا ٢٥: ٣٩-٤٣)

هناك أبعاد عديدة لهذه الأحكام

١. هي نوع من عفْوٍ عام على الصعيد الاجتماعيّ؛ نوع من إعادة التوازن الاجتماعيّ؛ أي خلق مجتمع يقوم على المساواة والتضامن والحريّة والعدالة؛

٢. أمّا على الصعيد الروحيّ، فهو عَيْش وتحقيق للأخوّة، في سنة لا تخضع لقوانين وضعيّة، سنة مطبوعة بالرحمة والغفران والنعمة، وعودة إلى الحالة التي أعطاها الله لخليقته، أي سنة لا تحمل تراكمات تاريخيّة.

٣. في اليوبيل دعوة أيضًا إلى التأمّل في علاقة الله بالتاريخ. فهو حدثٌ يُغيّر مجرى التاريخ، من هذا المنطلق هو زمنٌ مُقدّس....(تتمّة)