الفاتيكان
19 حزيران 2018, 05:00

ما العلاقة بين الدّيكتاتوريّة والافتراءات والتّشهير؟

حذّر البابا فرنسيس في قدّاسه أمس من الدّيكتاتوريّة الّتي تبدأ بنقل الأخبار الافترائيّ والتّشهيريّ، منطلقًا في عظته من القراءة من سفر الملوك الأوّل والّتي تخبرنا عن نابوت اليزراعيلي الّذي "كان يملك كَرمًا في يَزرَعيل، إِلى جانِبِ قَصرِ آحابَ مَلِكِ السّامِرَة. فَخاطَبَ آحابُ نابوت، قائِلًا: "أَعطِني كَرمَكَ، فَيَكونَ لي بُستانَ بُقول، لِأَنَّهُ قَريبٌ مِن بَيتي، وَأَنا أُعطيكَ بَدَلًا مِنهُ كَرمًا خَيرًا مِنهُ. وَإِن حَسُنَ في عَينَيكَ، أَعطَيتُكَ ثَمَنَهُ فِضَّة"، لكنَّ نابوت رفض عرضه قائلاً: "مَعاذَ الرَّبّ، أَن أُعطِيَكَ ميراثَ آبائي". وإذ كان آحاب شخصًا نزويًّا يكتئب كالأطفال إن لم يحصل على مبتغاه، قامت زوجته القاسية إيزابل وجاءت برجلين يشهدان عَلى نابوتَ بِحَضرَةِ الشَّعبِ قائِلَين: "قَد جَدَّفَ نابوتُ عَلى اللهِ وَعَلى المَلِك". فَأَخرَجوهُ خارِجَ المَدينَة، وَرَجَموهُ بِالحِجارَةِ وَمات. وبالتّالي مات نابوت شهيد الأمانة للميراث الّذي ناله من آبائه، ميراث يذهب أبعد من الكرم بحدّ ذاته، لأنّه ميراث القلب".

 

وشرح البابا فر هذا السّياق ونقلاً عن "إذاعة الفاتيكان" أنّ قصّة نابوت "ليست إلّا نموذجًا لقصّة يسوع وإسطفانوس وجميع الشّهداء الّذين حُكم عليهم بواسطة أسلوب افترائيٍّ وتشهيريّ، ولكنّها أيضًا نموذجًا لطريقة تصرّف العديد من النّاس والعديد من رؤساء الدّول والحكومات، يبدأون بكذبة وبعد أن يكونوا قد دمّروا الشّخص أو الوضع بافتراءاتهم يحكمون عليه. واليوم أيضًا يتمُّ استعمال هذا الأسلوب في العديد من البلدان إذ يتمُّ تدمير الإعلام الحرّ، لنفكّر على سبيل المثال هناك قانون لوسائل الإعلام، يلغى ذلك القانون ويتمُّ إعطاء جميع الأدوات والتّجهيزات لشركة أو مؤسّسة معيّنة تعيش على الافتراء والتّشهير وبالتّالي لا تقول الحقّ وتضعف الحياة الدّيمقراطيّة. من ثمَّ يأتي القضاة ليحاكموا هذه المؤسّسات الّتي أُضعِفت أو هؤلاء الأشخاص الّذين دُمِّروا وهكذا يسير قدمًا النّظام الدّيكتاتوريّ. هكذا تبدأ جميع الدّيكتاتوريّات بزغل الأخبار أو بوضع الإعلام بين أيدي أشخاص أو حكومات بدون هواجس.

هكذا هو الأمر أيضًا في الحياة اليوميّة إن أردنا أن ندمِّر شخصًا ما، نبدأ بالتّحدّث عنه بالسّوء وبالافتراءات والتّشهير ونشر الفضائح، ونشر الفضائح هو أمر مغرٍ لدرجة كبيرة، إذ هناك إغراء كبير من خلال الفضائح فيما الأخبار السّارّة لا تغري، نعلِّق عليها قائلين "نعم لقد قام بعمل رائع" وينتهي الأمر، لكن عندما يتعلّق الأمر بفضيحة ما يكون تعليقنا: "هل رأيت ذلك؟ هل تعلم ما حصل؟ هل رأيت كيف تصرّف ذلك الأخير؟" وهكذا ودواليك... فتزداد الأخبار حول ذلك الوضع أو ذلك الشّخص أو ذلك البلد ويتدمّر لأنّه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه.

إنَّ إغراء الفضيحة في نقل الأخبار يحمل الشّخص إلى الزّاوية، أيّ يدمِّره تمامًا كما حصل مع نابوت الّذي أراد فقط أن يكون أمينًا لميراث أسلافه ولم يرد أن يبيعه. نموذجيّة أيضًا في هذا السّياق قصّة القدّيس إسطفانوس الّذي ألقى خطابًا طويلاً ليدافع عن نفسه ولكن الّذين كانوا يتّهمونه فضّلوا أن يرجموه بدلاً من الإصغاء للحقيقة. هذه هي مأساة الجشع البشريّ، إذ يتمُّ في الواقع تدمير العديد من الأشخاص بسبب أخبار شرّيرة.

كثيرون هم الأشخاص والبلدان الّذين يدمَّرون بسبب ديكتاتوريّات شرّيرة وافترائيّة. لنفكِّر على سبيل المثال بالدّيكتاتوريّات الّتي كانت في القرن الماضي، لنفكّر على سبيل المثال بالاضطهاد الّذي تعرّض له اليهود، كانت كافية بعض الافتراءات لينتهيَ بهم الأمر في أوشفيتز لأنّ هناك من كان يعتقد أنّهم لا يستحقّون الحياة؛ إنّه أمر فظيع ولكنَّ ما يحصل اليوم في بعض المجتمعات الصّغيرة والبلدان هو أمر فظيع أيضًا. أوّلاً تتمُّ السّيطرة على الإعلام والأخبار ومن ثمَّ الدّمار والحكم والموت".

وختم البابا فرنسيس عظته داعيًا إلى إعادة التّفكير، على ضوء قصّة نابوت، بالعديد من الأشخاص الّذين دُمّروا والبلدان الّتي دُمِّرت والعديد من الدّيكتاتوريّات الّتي دمّرت بلدانًا بأسرها.