العراق
25 آب 2021, 08:45

ماذا يقول البطريرك ساكو عن بابل العظيمة وتسمية البطريركيّة؟

تيلي لوميار/ نورسات
لا تزال ردود الفعل تتوالى حول قضيّة تسميّة البطريركيّة الكلدانيّة، وفي هذا السّياق كتب البطريرك لويس روفائيل ساكو مقالاً جديدًا تناول فيه عظمة بابل والتّسمية، وجاء فيه بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ:

"كنت قد كتبت قبل أشهر مقالاً عن التّسمية وكذلك شرحت التّطوّر التّاريخيّ للتّسمية في كتابي خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانيّة وسير البطاركة، لكن بقي المتعصّبون لا يقبلون أن يفهموا الحقيقة فوضعوا الكنيسة في مواجهة مع أناس لا يحترمون العلم ولا القيم والآداب العامّة.

تسمية الكرسيّ البطريركيّ الكلدانيّ ببطريركيّة بابل على الكلدان خاطئة ولا أساس تاريخيّ لها. إنّها مسألة علميّة لا جدال عليها. فإنّ بابل لم يرِد ذكرها ككرسيّ بطريركيّ على مرّ التّاريخ، فقام آباء السّينودس بتصحيحها.

بابل العظيمة

لبابل القديمة قيمة حضاريّة فريدة: ثقافيّة وفلسفيّة وقانونيّة (مسلّة حمورابي) وعمرانيّة (الجنائن المعلّقة) وعلم الفلك على تعاقب تاريخها. بابل كانت في أوج عظمتها، لذلك يستعملها الكتاب المقدّس رمزًا لعظمة روما.

لا يمكن فهم نصوص الكتاب المقدّس بشكل حرفيّ بسيط كما فعل أحدهم في عاصفة "تسمية البطريركيّة الكلدانيّة" منتقدًا قرار السّينودس ومستندًا على ما جاء في رسالة بطرس الأولى: "تُسَلِّمُ علَيكم جَماعَةُ المُختارينَ الَّتي في بابِل، ومَرقُسُ ابْني. لِيُسَلِّمْ بَعضُكم على بَعضٍ بِقُبلَةِ المَحبَّة" (5/ 13). كذلك ما جاء في سفر الرّؤيا  من كلام قاسٍ وصادم عن بابل: "وكانَتِ المَرأَةُ لابِسَةً أُرجُوانًا وقِرمِزًا، مُتَحَلِّيَةً بِالذَّهَبِ والحَجَرِ الكَريمِ واللُّؤُلؤ، بِيَدِها كَأسٌ مِن ذَهَبٍ مُمتَلِئَةٌ بِالقَبائِحِ ونَجاساتِ بِغائِها، وعلى جَبينِها اسمٌ مَكْتوبٌ فيه سِرّ: والاِسمُ بابِلُ العَظيمة، أُمُّ بَغايا الأَرضِ وقَبائِحِها" (17/5-6). هذا الكلام القاسي ليس لبابلنا في العراق وإنّما ترمز إلى روما الّتي اضطهدت المسيحيّين وقتلت الرّسولين بطرس وبولس. وهكذا زيارة المجوس (متّى 2/ 1-12).

هذه نصوص مقدّسة ينبغي أن تُفسَّر بشكل معمَّق، ضمن السّياق الكتابيّ العلميّ واللّاهوتيّ والرّمزيّ الخاصّ بها، وفهم العلاقة مع النّصوص الّتي قبلها وبعدها، وما الرّسالة المقصودة الّتي يريد الكاتب الملهم إيصالها إلى معاصريه في ظروفهم المعينة.

لا يجوز إخراج النّصوص من سياقها بهدف إعطائها معنى لم تقصده. بل ينبغي التّمييز بين الحرف والرّوح. غالبًا ما يَستعمل الكتاب المقدّس مصطلحات ذات معانٍ مختلفة بدلالات خاصّة تختلف عمّا يقرأه الإنسان العادي الجاهل بعلوم الكتاب المقدّس.

سقطت المملكة الكلدانيّة وقبلها المملكة الآشوريّة ودُمِّرتا، وظلّت عظمتهما وحضارتهما باقية في الوقائع التّاريخيّة وبعض المعالم الأثريّة، وفي الذّاكرة كرمز للعقل والحكمة والقوّة. وهذا أمر جميل.

الكلدان كشعب موجود قبل الأديان وقبل المسيحيّة. يرتبطون أيضًا بأور أرض ابراهيم الخليل، لذا يتعيّن على مثقّفيهم واتّحاد كتّابهم التّباحث بين القديم والجديد في الحضارة الكلدانيّة على تعاقب تاريخها اللّامع ويتابعوا شأنهم القوميّ، وترك الكنيسة تقوم برسالتها الجامعة وعملها اللّاهوتيّ والرّوحيّ والطّقسيّ والإنسانيّ.

المُعضِلة الأساسيّة عند الكلدان هي الاتّكال على الكنيسة في كلّ شؤونهم، ويريدونها على مقاسهم، ولا يفهمون أنّ الكنيسة مؤسّسة لها رسالتها ونظّمها وقوانينها ورؤساءها وإدارتها.

أحد هولاء الفقهاء الكلدان في فانكوفر ذهب إلى الأبعد في مطالبه، إذ طالب السّينودس بأن يُخضع اختيار الأساقفة لاستفتاء بين علمانيّي الأبرشيّة! وقاضي القضاة الكلدانيّ القابع في أستراليا حكم على الرّابطة الكلدانيّة والحزب الدّيمقراطيّ باللّاكلدانيّ وهو نفسه في وقت ما "توسَّل" ترشيحه لمجلس النّوّاب وتزكيته من قبل الكنيسة والأحزاب العراقيّة. وآخرون لا أريد ذكرهم. من المحزن جدًّا ألا يرى هؤلاء كلّ ما تفعله البطريركيّة من أجل الكلدان فراحوا يتسابقون في انتقاد كلّ ما تفعله.

هذه العقليّة تحمل تعارض صارخ مع الحقيقة واللّياقة الأدبيّة. ماذا يريدون؟

كما قلت في مقال سابق عن الوحدة الكنسيّة: "لتكن بابل عمقًا تاريخيًّا يجمع الكلدان، مع الأخذ بنظر الاعتبار حضارات أخرى متتالية: مرّت بها المنطقة". فالكرة في ملعب الحراك القوميّ الكلدانيّ العلمانيّ المستقلّ وتبقى الكنيسة أيضًا مستقلّة ورفعة رأسهم!".