ماذا تعني أنشودة الملائكة في عيد الميلاد "السّلام على الأرض"؟
"نستمع كلّ عامٍ في يوم عيد الميلاد إلى عظاتٍ أو نقرأ منشوراتٍ لكثيرٍ من مُعلّمي الإنجيل في كنيستنا، من رجال دينٍ وعلمانيّين، تُرفض لأنّ الحروب لم تنتهِ بعد، والأسلحة لم تُستأصل، وسلام التّرتيلة الملائكيّة لم يعمّ الأرض بعد، فضلًا عن مناشدات إلى الله أن يسمح أخيرًا لهذا السّلام أن يسود على الأرض...
لم يُبشّر بهذا السّلام قط في الإنجيل. سلام الإنجيل داخليّ، إنّه حالة السّلام التي تسود في روح المؤمن، ذلك المؤمن الذي تربطه علاقة صداقة وتواصل مع الله.
إنّه سلام بين الإنسان والله، وليس بين البشر. إنّه هدم "الجدار الفاصل" الذي كان يفصل بين الأرض والسّماء، بين الإنسان والله. إنّها نهاية التّمرّد، نهاية تمرّد المخلوق على خالقه. لقد جلب ابن الله هذا السّلام إلى العالم. ومنذ ذلك الحين، كلّ من يؤمن بيسوع المسيح المتجسّد والمصلوب والقائم من بين الأموات، أصبح الله صديقه، وهو في شركة أبويّة معه. لم يعد متمرّدًا، ولا مرتدًّا، ولا عدوًّا لله. لقد تصالح معه وكرّس نفسه له من خلال الوسيط الأزليّ، الرّبّ يسوع المسيح.
وفيما يتعلّق بالسّلام، فإنّ وعود الإنجيل تشير إلى هذا السّلام وليس إلى السّلام الخارجيّ. قال الرّبّ للرّسل: «سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم». وللتّأكيد على أنّ هذا السّلام نوعٌ مختلف، أضاف: «ليس كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا» (يوحنا ١٤: ٢٧). وبعد حديثه عن السّلام الخارجيّ، قال إنّه لا يُحقق هذا السّلام، بل على العكس، تنبّأ بأنّ الإيمان به سيكون سببًا للخلافات والحروب بين النّاس. سيضطهد غير المؤمنين بيسوع. وبالتّالي لن تقلّ الحروب فحسب بل ستزداد، إذ سينضمّ معارضو الإيمان الجديد إلى معارضي الإيمان القائم. قال: «لا تظنّوا أنّي جئت لألقي سلامًا بل سيفًا. فإنّي جئت لأفرّق بين الرّجل وأبيه، وبين البنت وأمّها، وبين الكنّة وحماتها» (متى ١: ٣٤-٣٥). وقبل أن يُساق طواعيّةً إلى الجلجثة ليشرب كأس الموت الرّهيبة، منح الله الرّسل سلامًا داخليًّا، حتّى لا يتأثّروا بفيض الأحزان والاضطهادات الخارجيّة.
فرغم أنّ كلّ هذا سيحدث يومًا ما، سيبقى السّلام قائمًا لأنّه داخليّ: «قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام. في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا، أنا قد غلبت العالم» (يوحنا 16: 33). مُنح السّلام للرّسل، مع أنّهم كانوا يعلمون أنّ موتًا مؤلمًا ينتظرهم، ومع أنّه قال صراحةً إنّهم أُرسلوا كـ«غنم بين ذئاب» (متى 10: 16). فهل كان من الممكن إذًا منح سلام خارجيّ؟ قطعًا لا! والقدّيس بولس هو مبشّر هذا السّلام الدّاخليّ تجاه الله ورسوله. كتب إلى أهل رومية: «إذ تبرّرنا بالإيمان، لنا سلام مع الله بربّنا يسوع المسيح» (رومية 5: 1). في رسالته إلى أهل أفسس، يقول إنّ الرّبّ يسوع المسيح هو "سلامنا"، فهو الذي "افتدى النّاس لله" بالصّليب، وبه جاءت "بشارة السّلام..."، حتّى نتمكن من خلاله من الاقتراب إلى الآب (أفسس ٢: ١٤-١٨).
الخلاصة: إنّ "السّلام" المذكور في ترنيمة الملائكة هو سلام الإنسان مع الله، وليس سلامًا ظاهريًّا. هذا السّلام يسود بالفعل "على الأرض"، إذ إنّنا الآن متصالحون مع السّماء من خلال التّواضع حتّى الصّليب على يد ربّنا يسوع المسيح.
المسيح ولد... حقًّا ولد، لأجل خلاصنا".
