الفاتيكان
16 أيار 2024, 08:15

"لا تتركني في زمن شيخوختي" - صرخة المسنّين في رسالة البابا

تيلي لوميار/ نورسات
هذا عنوان رسالة البابا فرنسيس بمناسبة اليوم العالميّ الرابع للأجداد والمسنّين. نُشرت هذه الرسالة وسوف يُحتفل بهذا اليوم في الثامن والعشرين من تمّوز (يوليو) 2024، كما أوردت "أخبار الفاتيكان".

 

إستهلّت الرسالة بهذا القول: إنّ الله لا يترك أبناءه أبدًا، حتّى عندما يتقدّمون في السنّ وتتراجع قواهم، وعندما يبيضّ شعر رؤوسهم ويقلّ دورهم الاجتماعيّ وتُمسي حياتهم أقلّ إنتاجيّة. إنّ الله لا ينظر إلى المظاهر (١ص ١٦/ ٧)، ولا يهمل أي حجر، لا بل إنّ "أقدم" الحجارة تصير القاعدة الآمنة التي تستطيع أن تستند إليها الحجارة "الجديدة" لتبني كلّها معًا البيت الروحيّ (١ بط ٢/٥).

أشار البابا فرنسيس في رسالته إلى أنّ الكتاب المقدّس بأكمله يروي لنا محبّة الله الأمينة التي يُبان فيها يقين معزٍّ: فالله يُظهر لنا دائمًا رحمته، في كلّ مرحلة من حياتنا. وأضاف أنّ المزامير مليئة باندهاش قلب الإنسان أمام الله الذي يعتني بنا، على الرغم من صِغَرنا (مز١٤٤/٣  الله نسج كلّ واحد منّا وهو في بطن أمّه (مز١٣٩/١٣)، وهو لا يترك حياتنا حتّى في مثوى الأموات (مز١٦/١٠). لذلك، نستطيع أن نكون متأكّدين أنّه سيكون قريبًا منّا حتّى في شيخوختنا، كما أنّ التقدّم في السنّ هو علامة بركة في الكتاب المقدّس.

كما نجد في سفرالمزامير هذا الابتهال الملحّ إلى الله "لا تَنبِذْني في زَمَنِ شَيخوخَتي" (مز٧١/٩). وهو تعبير قويّ جدًّا. يجعلنا نفكّر في ألم يسوع الشديد الذي صرخ على الصليب "إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتَني؟" (مت ٢٧/٤٦). هذا تأكيد على قرب الله منّا في كلّ مرحلة من مراحل الحياة، وفي الوقت نفسه، نجد الخوف من أن نُترك، خصوصًا في الشيخوخة ووقت الألم. وإنْ نظرْنا حولنا نرى أنّ هذه التعابير تعكس واقعًا واضحًا جدًّا. ففي كثير من الأحيان، قال البابا فرنسيس، تكون الوحدة رفيقة الحياة المُرّة للمسنّين والأجداد.  

أشار الأب الأقدس إلى أنّه حين كان أسقفَ بوينس آيرس، زار مرّات كثيرة دوُر رعاية المسنّين ولاحظ أنّ البعض لم يروا أحبّاءهم منذ أشهر عديدة. وسلّط الضوء من ثمّ في رسالته على أسباب عديدة لهذه الوحدة، مشيرًا على سبيل المثال إلى واقع أنْ في بلدان كثيرة، لا سيّما الأشدّ فقرًا، يكون المسنّون لوحدهم لأنّ أبناءهم يضطرّون إلى الهجرة لتأمين المعيشة؛ وواقع أنْ في المدن والقرى التي دمّرتها الحرب، يبقى العديد من المسنّين لوحدهم.

وأضاف البابا فرنسيس في رسالته أنّ المزمور المذكور سابقًا - الذي يُبتهل فيه ألّا نُترك في الشيخوخة – يشير إلى "مؤامرة" تحيط بحياة المسنّين. قد يبدو أنّها كلمات مبالغ فيها، لكن يمكن فهمُها إن اعتبرنا أنّ الوحدة وإقصاء المسنّين ليسا أمرين عرضيّين، إنّما نتيجة خيارات – سياسيّة، اقتصاديّة، اجتماعيّة شخصيّة – لا تعترف بالكرامة اللامتناهية لكلّ إنسان "في كلّ ظرف وحالة أو وضع يوجد فيه". وأضاف الأب الأقدس أنّ ذلك يحدث عندما تضيع قيمة الإنسان. وأشار أيضا إلى أنْ، في كثير من الأحيان، يَعتبر المسنّون أنفسهم عبئًا، ويريدون أن يتنحّوا جانبًا.

هناك اليوم العديد من النساء والرجال الذين يسعون إلى تحقيق ذاتهم في حياة مستقلّة ومنفصلة عن الآخرين قدر الإمكان.

سلّط البابا الضوء على الانتقال من الـ "نحن" إلى الـ "أنا"، وعلى ثقافة الفرديّة. وأشار إلى أنّنا، عندما نتقدّم في السنّ، وتتراجع قوانا شيئا فشيئا، ينكشف وَهْمُ أنّنا لا نحتاج إلى أحد وأنّنا قادرون على أن نعيش من دون روابط؛ ثمّ نجد أنفسنا أنّنا نحتاج إلى كلّ شيء ولكنّنا وحدنا، من دون مساعدة، ومن دون أيّ أحد نستطيع الاعتماد عليه. هو اكتشاف مُحزن يدركه كثيرون بعد فوات الأوان.  

راعوت، من جهتها، تركت لنا مثالًا يُحتذى به، ذكّرنا البابا، فهي لم تترك نُعمي المتقدّمة في السنّ لوحدها.  

"اتبعوا مثل راعوت واعتنوا بالمسنّ أو بكلّ بساطة أظهروا قربكم منه ولا سيّما من صار وحيدًا" قال لنا البابا فرنسيس، ودعانا، في ختام رسالته إلى إظهار حناننا إزاء الأجداد والمسنّين في عائلاتنا، وإلى زيارة الذين فقدوا الأمل في إمكانيّة مستقبل مختلف. وإزاء الموقف الأنانيّ الذي يؤدّي إلى الإقصاء والوحدة، فلنظُهر القلب المنفتح والوجه الفرح لِمن يتحلّى بشجاعة القول "لن أتركك!"