بيئة
22 تموز 2024, 11:00

كيف يهدّد التلوّث بالميكروبلاستيك القارّة القطبيّة الجنوبيّة

تيلي لوميار/ نورسات
يجب أن تتعامل واحدة من أكثر البيئات البكر والنائية في العالم مع تأثيرات اللدائن الدقيقة المستعمِرة للميكروبات التي تهدّد استقرارها البيئيّ، كما نقلت "فاتيكان نيوز".

 

يستمرّ التلوّث البلاستيكيّ في التأثير على حياتنا اليوميّة، ما يهدّد صحّتنا وبيئتنا. غالبًا ما تبتلع حيواناتٌ الأكياس البلاستيكيّة، وتتراكم الزجاجات البلاستيكيّة في المحيطات والأنهار، وتقتل مصائد معدّات الصيد المهمَلَة الحياة البحريّة بشكل عشوائيّ.

مرارًا وتكرارًا، دعا البابا فرنسيس الرجال والنساء ذوي النوايا الحسنة إلى رعاية خليقة الله والحفاظ على تنوّعها البيولوجيّ وسلّط الضوء على الحاجة إلى حماية المحيطات. في مقابلة تلفزيونيّة في عام 2022، قال "رمي البلاستيك في البحر أمر إجراميّ. هذا يقتل التنوّع البيولوجيّ والأرض وكلّ شيء. إذا لم تتغيّر الأمور، فسيتعيّن على أحفادنا (...) العيش في عالم غير صالح للسكن في غضون 30 عامّا".

ومع ذلك، فإنّ عنصرًا ملوّثًا صامتًا آخر مشتقًّا من البلاستيك أثار قلق العلماء والسياسيّين مؤخّرًا: اللدائن الدقيقة.

اللدائن الدقيقة هي جزيئات بلاستيكيّة أصغر من 5 مم في الحجم. توجد اللدائن الدقيقة الآن في كلّ بيئة تقريبًا على وجه الأرض، مثل المسطّحات المائيّة والتربة والهواء، وقد وصلت حتّى إلى أكثر المناطق نقاءً في العالم، بما في ذلك القارّة القطبيّة الجنوبيّة وبحارها.

تتمثّل إحدى المشكلات المهمّة في اللدائن الدقيقة في صغر حجمها، ما يتيح نقلها بسهولة بواسطة عوامل الغلاف الجويّ من جزء من العالم إلى جزء آخر.

"نظرًا إلى وزنها الخفيف، يمكن أن تحملها الرياح أو التيّارات المحيطيّة لمسافات طويلة"، وتعرف هذه العمليّة بـالنقل بعيد المدى"...والنوع الأكثر شيوعًا من البلاستيك الموجود في مناطق القطب الجنوبيّ هو البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET)، الذي يستخدم لإنتاج زجاجات المشروبات الغازيّة والملابس.

بمجرّد الوصول إلى هناك، يمكن للحيوانات تناول اللدائن الدقيقة عن طريق الخطأ، هذه تدخل السلسلة الغذائيّة وتصل إلى أعلى مستوياتها.

التأثير هو أنْ، في قاعدة السلسلة الغذائيّة، تُبتلع اللدائن الدقيقة على أنّها مواد غذائيّة. ثمّ يتمّ أكل هذه الفريسة ويصير الحيوان المفترس فريسةً بدوره، فتنتقل اللدائن في السلسلة الغذائيّة حتّى تصل إلى القمّة.

يستخدم شار القطب الشماليّ (نوع من الأسماك) مثلًا بشكل شائع للاستهلاك البشريّ، ما يؤكّد كيف أنّ انتشار اللدائن الدقيقة في المناطق القطبيّة يمكن أن يكون مشكلة كبيرة بالنسبة إلينا أيضًا.  

"هذا لأنّ اللدائن الدقيقة يمكن أن تُراكم الملوّثات الأخرى مثل المعادن الثقيلة والمركّبات العضويّة السامّة، ومن خلال الانتشار في السلسلة الغذائيّة، يمكن لهذه الملوّثات أن تصل في النهاية إلى معدتنا"، كما شرحت إحدى الباحثات.

يحدث إجراء مماثل مع الميكروبات المسبّبة للأمراض، والتي غالبًا ما تلتصق باللدائن الدقيقة وبالتالي يمكن أن تنتشر بسهولة أكبر.

في البيئات المائيّة، توفّر اللدائن الدقيقة بيئة مستقرّة وطويلة العمر ومتحرّكة يمكن أن تنمو عليها الميكروبات، وبالتالي تلتصق بها على الفور. هذا يخلق نظامًا بيئيًّا دقيقًا جديدًا قائمًا على البلاستيك، يعرف باسم البلاستيسفير.

وفقا لبحث حديث، تختلف المجتمعات الميكروبيّة التي تعيش في البلاستسفير بشكل كبير عن المجتمعات المستقلّة التي تعيش بحرّيّة في محيطها.

"تميل البلاستيسفرات إلى استضافة مجتمعات ميكروبيّة أكثر تماسكًا وتنظيمًا"، قال المؤلف الأوّل للدراسة.  

"بينما تتعرّض المجتمعات الميكروبيّة التي تعيش بحرّيّة لمتغيّرات تؤثّر على تكوينها...فإنّ المجتمعات المستعمِرة للبلاستيسفير محميّة بركيزة صلبة ومستقرّة".  

يمكن أن يعمل المكوّن البلاستيكيّ لهذه الجسيمات الدقيقة في الواقع كحاجز ماديّ، يحمي الميكروبات من التعرّض المباشر للعوامل الخارجيّة....حتّى أنّ الميكروبات يمكن أن تنمو في بيئاتٍ معادية.

هذه مشكلة من وجهة نظرٍ بيئيّة. إن وجود البلاستيسفرات يغيّر المجتمعات الميكروبيّة، وبالتالي توازن بيئتها، ويكون له تأثير متسلسل على النظام البيئيّ بأكمله...وهذا "يعدّل في نهاية المطاف بنيَةَ المجتمعات البيولوجيّ كلّها في النظام البيئيّ، وليس فقط المجتمعات الميكروبيّة".

 

"وبالتالي، من الضروريّ أن نتّخذ إجراءات عاجلة للتخفيف من التلوّث باللدائن الدقيقة، "نحن في حاجة إلى مراقبة وجود المواد البلاستيكيّة وتوزيعها في المناطق القطبيّة، ونحن بحاجة إلى تقييم أفضل لآثارها على التنوّع البيولوجيّ"، قالت إحدى العالمات، " والهدف النهائيّ هو وضع استراتيجيّات للتخفيف من تأثير البلاستيسفير في البيئات البحريّة". من الواضح أنّ هذا سيستغرق بعض الوقت، لكنّنا متفائلون".