بيئة
31 كانون الثاني 2023, 11:40

كيف يؤثر التغير المناخي في حل الصراعات؟

تيلي لوميار/ نورسات
يلعب التعاون الدولي لمواجهة المشكلات البيئية دورًا مهمًا في حل نزاعات محلية -وكذا عالمية- نشأت على خلفية الاحتباس الحراري.

باتت تأثيرات التغير المناخي محسوسة أكثر فأكثر عامًا بعد عام، خاصة في أوساط المجتمعات الصغيرة التي تعتمد بشكل كلي على الزراعة والرعي؛ بينما يتصاعد التوتر بين المجتمعات والدول المتنافسة على ما تبقى من مصادر المياه.

إحتدم الصراع بين بعض القرى في السنغال إلى حد ارتكاب الجرائم والإضرار بالأملاك، حتى تدخلت منظمة زراعية غير ربحية تدعى "AVSF" لحل النزاع في عام 2017. لإقامة صلح فيما بينهم، اختارت المنظمة من كل قرية شخصًا يمثلها، وشكل هؤلاء مجلسًا قرويًا يتكون من 25 ممثلًا. من خلال هذا المجلس استطاع شيوخ القرى المتخاصمة أن يتفقوا على قواعد أساسية كوضع حد أقصى لأعداد قطعان الماشية، وتحديد مناطق الرعي، والاتفاق على تعويضات أصحاب المزارع المتضررة من الرعي. حتى مع اشتداد الظروف المناخية سوءًا، فإن الرعاة يقولون أن الخلافات عند أدنى مستوياتها منذ سنين. يقول "ديمبوي سو"، أحد كبار قرية "يونوفيري": "ما تزال الحياة صعبة، لكننا أخيرًا توصلنا إلى أرض سواء تضمن حفظ أملاك الرعاة والحفاظ على الأرض، لولا هذه الوساطة لكنا الآن ننحر بعضنا البعض". تقريب الزعماء المحليين لرأب الصدوع وإصلاح الخلافات هو أحد الطرق الناجحة لـ"صنع السلام البيئي"، وتتبنى هذا السبيل الآن المزيد من المنظمات غير الربحية والحكومات وهيئات التحكيم والصلح، لتجاوز العقبات البيئية وتخفيف التوتر الناجم عن الاحتباس الحراري بين المجتمعات المحلية.

 

صنع السلام البيئي 101

يشير مصطلح "صنع السلام البيئي" إلى استغلال الظروف البيئية المتردية من أجل إصلاح أو تخفيف النزاعات المتفاقمة. هذا قد يظهر بصور متعددة، كأن يتم توفير الأعمال في الأراضي الزراعية لمقاتلين سابقين بحيث نجنبهم اللجوء إلى العنف مجددًا، أو استعادة حكم القانون بعد حل النزاعات بأن يتم تدريب القضاة على التحكيم في القضايا البيئية. ويُصر رواد السلام البيئي على أن التغيرات المناخية تستطيع تقريب الناس عوضًا عن تفريقهم، إن استطاع الأشخاص المتنازعون تقريب وجهات النظر وتشارك الاهتمام ببيئتهم ومواردهم، فسيقود ذلك إلى بناء الثقة والتعاون مستقبلًا. مفهوم صنع السلام البيئي ليس جديدًا بمجمله، فقد تم تسخيره في خلال فترة "الحرب الباردة" عندما قام مسؤولون من الأطراف المتنازعة بالتواصل لمناقشة قضايا بيئية، فقد كانت بمثابة المرهم المهدئ حين انعدم التفاهم في مجالات أخرى. كما تم تسخير صنع السلام البيئي في أجزاء من إفريقيا وأميركا الجنوبية منذ تسعينيات القرن الماضي لإنهاء صراعات دامية وتحويل المناطق المتنازع عليها إلى محميات بيئية عابرة للحدود.

 

علامة نضج

بدأ مفهوم صنع السلام البيئي يتطور في السنوات الأخيرة ليصبح أكثر شمولًا وطموحًا، فغدت الجيوش والقوات المسلحة تسخره إثر تصاعد مخاطر الأمن البيئي لتقريب وظهات النظر وصب الاهتمام على المصلحة الأهم في المناطق التي شهدت صراعًا. كما صب الباحثون والأكاديميون المزيد من تركيزهم على صنع السلام البيئي، فازدادت الأوراق البحثية المنشورة في المجال ثلاثة أضعاف في عام 2021 عما كانت عليه في عام 2016. يستقطب هذا المزيد من الوعي والتمويل للمنظمات المؤهلة لتطبيق السلام البيئي في مناطق الصراع. ومع انتشار الوعي مؤخرًا حول صنع السلام البيئي، ما يزال العديد من الناقدين يشككون في قدرته على النجاح. فلكل قصة نجاح، مثل قصة السنغال، هناك العديد من القصص التي لم تحقق نجاحًا باهرًا. وبالنظر إلى خطط مكافحة التغير المناخي، فإن صنع السلام البيئي قد يعني وقف المزيد من الضرر، وهو ما يصعب إثباته على الورق؛ وقد يستغرق عقودًا طويلة ليصبح ظاهرًا للعيان. يريد المتبرعون غالبًا نتائج واضحة في مواعيد محددة، وهنا تكمن معاناة ممارسي صنع السلام البيئي. لكنهم مؤمنون بقضيتهم في وقت لا تظهر فيه بشائر تحسن مناخي خلال الوقت القريب.

 

المصدر: National Geographic