مصر
02 حزيران 2017, 07:21

كلمة المطران أنطوان شربل طربيه خلال لقاء الأساقفة الأستراليّين مع الرّئيس السّيسي

أثناء لقاء مجلس أساقفة أستراليتا نيوزيلندا مع رئيس الجمهوريّة العربيّة عبد الفتّاح السّيسي، ألقى راعي أبرشيّة الموارنة في أستراليا المطران أنطوان شربل طربيه كلمة قال فيها:

 

"فخامة الرّئيس عبد الفتّاح السّيسي،

أصحاب السّيادة الأساقفة،

1.  إنه لشرف كبير أن نكون اليوم في رحاب رئيس تاريخيّ لبلد ساهم بصناعة التّاريخ العالميّ وكان المهد لحضارات عظيمة أغنت الإنسان والإنسانيّة. إنّها لفرحة كبيرة أن نكون في مصر، بلد الكِنانة والمجد، والّذي يعني الكثير للعالم أجمع خصوصاً للكنيسة وللمسيحيّين، وهذا ما عبّرت عنه الزّيارة التّاريخيّة للبابا فرنسيس في نهاية شهر نيسان الفائت والّتي قال فيها إنّ أرض مصر المباركة تعني الكثير لتاريخ الإنسانيّة لأنّها أرض الفراعنة والأقباط والمسلمين.

2.  جئنا من أستراليا، هذا البلد البعيد بالمسافة عن شرقنا ولكنّه القريب والقريب جدّاً منه في إنسانه وأوجاعه وآلامه وتطلّعاته وحاجاته الأساسيّة. ورغم أنّ أستراليا هي بلد جديد نسبيّاً إلّا أنّنا نفاخر بحضارته ورقيّ إنسانه، لأنّه أصبح اليوم عنواناً للتّناغم بين مكوّنات المجتمع ونموذجاً للتّعدّديّة الاجتماعيّة الّتي يشكّلها أكثر من مئتي جالية يتكلّمون أكثر من 150 لغة مختلفة.

3.  لا نخفي عليكم فخامة الرّئيس أنّ الأوضاع الأمنيّة غير مستقرّة في مصر، ومسلسل التّفجيرات الإرهابيّة الأخير ضدّ المسيحيّين الأقباط وغيرهم، لا يشجّع الكثيرين على زيارة مصر، ولكن بما أنّكم أنتم على رأس الدّولة وانطلاقاً من مواقفكم الشّجاعة والّتي عبّرتم عنها خلال زيارة قداسة البابا فرنسيس حين قلتم: "إنّ مصر تقف في الصّفوف الأماميّة لمواجهة الإرهاب والإرهابيّين"، لم نتردّد في المجيء والتّضامن معكم، وتقديم التّعزية لكم ولقداسة البابا تواضروس ومواساة عوائل الشّهداء، أبناء الكنيسة القبطيّة الجريحة. وقد شعرنا ومنذ اللّحظة الأولى وكأنّنا قي بلدنا، لأنّ مصر كانت ولا تزال وسوف تبقى أمّ الدنيا.

4.  إنّ وحدة الشّعب المصريّ اليوم تتطلّب جهوداً داخليّة ودوليّة حثيثة، وهذا ما نريد أن نؤكّد عليه ونسعى معكم فخامة الرّئيس ومع كلّ أصحاب الإرادة الصّالحة لإنجازه، لأنّ "كلّ مملكة أو دولة تنقسم على نفسها تخرب" (متى 12: 25). فالكثيرون يرون في شخصكم القائد التّاريخيّ والرّئيس الحقيقيّ لكلّ المصريّين بدون تفرقة، لأنّكم تشاركون شعبكم أحزانهم وتضمّدون جراحهم، وتسعون لمشاريع إنمائيّة وحياتيّة أساسيّة لنهضة مصر وتقدّمها. وأمام العنف والتّدمير، نراكم تعدون بإعادة بناء كلّ الكنائس الّتي تهدّمت او أحرقت، معتبرين أنّ أوجاع كلّ مصريّ هي أوجاعكم وما أصابهم يصيبكم في الصّميم.

 

فخامة الرّئيس،

5.  إنّ الخطر الأكبر الّذي يواجه الوطن العربيّ بأجمعه، كما قال صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال ما بشاره بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى في مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين في فبراير/ مارس 2017، هو التّراجع في مبدأ العروبة والمواطنة حيث نشهد اليوم في بعض دول وطننا العربيّ مظاهر إقصاء أو محو أو طمس لحقّ أحد مكوّناتها بالوجود والمشاركة الفاعلة... فنرى مجموعات كبيرة تتنكر لعروبة غيرها، وترفض مواطنيّتهم.

6.  وفي نفس الإطار، نحن نرى أنّ الحرب في منطقة الشّرق الأوسط، والّتي ترتدي أحياناً وجوهاً مختلفة إنّما هي في الأساس حرب على التّعدّديّة الاجتماعيّة والتّنوّع الديّنيّ والتّبادل الثّقافيّ والحضاريّ، يسعى من يخطّط لها إلى قيام دول عنصريّة، شموليّة وآحاديّة. إنّ التّعدّديّة كانت ولا تزال مصدر غنى وإنماء للمجتمعات المتقدّمة وليست سبباً للاختلاف والتّقاتل. والسّؤال الّذي يطرح نفسه، هل يمكن أن يستمرّ وأحيانًا بدون حسيبٍ أو رقيب، كلّ الّذين ينادون بالمساواة والتّسامح تجاه الآخرين ولكنّهم بالحقيقة يمارسون أو يحرّضون على الإرهاب والقتل ورفض الآخر المختلف في دينه وإيمانه وطريقة عيشه. إنّه من المستحيل انسجام الإيمان الحقيقيّ بالله مع أعمال الإجرام وإراقة الدّماء. إنّ ثقافة السّلام وتثبيت السّلم الأهليّ الّذي تتوق اليه اليوم شعوب ودول منطقة الشّرق الأوسط لا يمكن أن يجد طريقه من دون تأمين الحرّيّة الدّينيّة كشرطٍ أساسيّ للسّلام وترقّي الشّعوب، لأنّ البركة تحلّ ليس على محبّي السّلام إنّما على صانعي السّلام وأنتم منهم يا فخامة الرّئيس.

7.  إنّ أزمة التّطرّف والإرهاب الّتي يعاني منها عالم اليوم تنتظر بزوغ فجرٍ جديد يطلق أنوار ثورة جديدة، ثورة الإسلام الحقيقيّ على الإسلام الزّائف الأصوليّ الإرهابيّ. والأنظار تتّجه إليكم فخامة الرّئيس وإلى شعب مصر الأبيّ لأخذ مبادرات تاريخيّة من هذا النّوع، فتبرهِنون مرّة جديدة للعالم عن وحدة مصر وحضارتها، وعن رفض أبنائها لكلّ أنواع الإرهاب خصوصاً الإرهاب الدّينيّ.

وفي الختام،أجدّد شكري العميق لكم فخامة الرّئيس لأنّكم أفسحتم لنا الفرصة للقاء بكم، وإلى جانب إخوتي الأساقفة، أصحاب السّيادة، المطران روبير ربّاط راعي أبرشيّة الرّوم الملكيّين الكاثوليك في أستراليا ونيوزيلاندا، وهو أيضاً رئيس مجلس أساقفة وكنائس الشّرق الأوسط في أستراليا، ومع المطران الأنبا دانيال راعي أبرشيّة الأقباط الأرثوذكس في ولاية نيو ساوث ويلز، ومع المطران جوليين بورتيس، رئيس أساقفة تزمانيا في الكنيسة الكاثوليكيّة اللّاتينيّة، ومع المطران هيغازون نجاريان راعي أبرشيّة الأرمن الأرثوذكس في أستراليا والمونسنيور باسيل صوصنيا النّائب البطريركيّ للأرمن الكاثوليك في أستراليا والأب إيلي نخّول المسؤول الإعلاميّ لوفدنا، أريد باسمهم  أن أعبّر لكم عن محبّتنا لمصر وشعبها العريق، وعن دعمنا لمسيرتكم وعن تقديرنا لمواقفكم الحكيمة والنّبيلة، طالبين من الله عزّ وجلّ أن يحفظكم ويعضدكم كي تتابعوا قيادة سفينة الدّولة إلى برّ الأمان والاستقرار والازدهار. وشكراً!"