دينيّة
17 تشرين الثاني 2015, 22:00

كلمة الأب بول كرم خلال ندوة "رعويّة الرحمة" : راعويّة الرحمة في المؤسّسات الكنسيّة

(المركز الكاثوليكي للإعلام) مع إعلان قداسة البابا فرنسيس تكريس سنة يوبيليّة إستثنائيّة بعنوان "سنة الرحمة اﻹلهيّة، رُحَماء كالآب"، تستعدّ الكنيسة جمعاء لهذا الحدث الجَلَل الذي سيبدأ في 8 كانون اﻷول 2015 ويُختتم في 20 تشرين الثاني 2016. إنّ قداسته يذكّرنا برسالة ودورنا هي إعلان رحمة الله القلب النابض للإنجيل، بغية بلوغ قلب وعقل كلّ إنسان.لذا نحن أمام دعوات ٍتصبّ في صميم عملنا الإجتماعي والإنساني خاصّةً في رابطة كاريتاس لبنان. فبدايةً أضيء لكم عمّا تقوم به عمليّاً كاريتاس لأُنهي مُداخلتي بمفهوم تلك الدعوات التي تجد ركائزها في مثل السامري الصالح (لوقا 10/25-37) ويوم الدينونة (متّى 25/31-46)، إذ يُساوي يسوع نفسه بالإنسان المتروك ويأخذ صورة كلّ من هو مُهمّش.

رسالة وخدمة رابطة كاريتاس لبنان
تهتمّ وتولي كاريتاس لبنان العناية بمختلف جوانب الإنسان المقهور، فتقدّم الخدمات الصحيّة والإجتماعيّة والنفسيّة والإقتصاديّة والإنمائيّة، وتُساند شبيبتنا المُتطوِّعة في مختلف مراكزها وأقاليمها الـ36 المنتشرة على الأراضي اللبنانيّة كافّة. فتقدم كاريتاس أكثر من 650 ألف خدمة في القطاع الصحّي، من خلال 10 مراكز صحيّة إجتماعيّة في مختلف المناطق اللبنانيّة، وتشمل الطب العلاجي والطبّ الوقائي؛ وهي تجول بـ9 عيادات نقّالة على حوالي 566 بلدة لبنانية. وتطال خدماتنا الإجتماعيّة الأقاليم والمراكز المختلفة ضمن ثلاث فئات من المجتمع: الأطفال (أكثر من 4 آلاف مُستفيد من البرامج المختلفةالمُسنّون (حوالى 3 آلافالشبيبة (حوالى 260 طالباً). هذا وتجهد في تفعيل روح التطوع للخدمة في المجتمع، بخاصة بين صفوف الشبيبة (أكثر من 1500 شابّة وشاب).
على صعيد التنمية الإقتصاديّة، تنفذ كاريتاس لبنان مشاريع زراعيّة تهدف إلى تنمية الريف وتحسين الظروف المعيشيّة فيه في عدد من المناطق. يستفيد من هذه المشاريع أكثر من 6 آلاف شخص. وتتابع كاريتاس عبر مركز المُهاجرين الأجانب فيها شؤون اللاجئين لتصون حقوق العمّال الأجانب الوافدين إلى لبنان بغية تقديم المساعدة والمُرافقة الإجتماعيّة والإنسانيّة والقانونيّة والطبيّة. وكونها على استعداد دائم لحالات الطوارئ، تقف كاريتاس إلى جانب النازحين من سوريا والعراق لتُساندهم إنسانيّاً وإجتماعيّاً وصحيّاً، وذلك بدعم وتمويل من الكاريتاسات الشقيقة وبعض الوكالات الأُمميّة أو الحكوميّة الخاصّة، من دون أن تغفل عن مساعدة اللبنانييّن في أماكن تواجد النازحين بحسب نسبة مئويّة تتخطّى 30% محليّاً.
إنّ رسالة رابطة كاريتاس لبنان تنسجم اليوم كليّاً مع سنة الرحمة، لأنّ رسالتنا قد وصفها قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس بـ"لمسة الكنيسة المُحبّة والحنونة تجاه أبنائها". لذا ومن خلال الجهاز الكنسي الرعوي الإجتماعي الرسمي الوحيد للكنيسة الكاثوليكيّة في لبنان: كاريتاس، نحن مدعوون لتقديم عناية خاصّة لإخوتنا الضعفاء، أي إخوة يسوع الصغار. إنّ مُساعدتنا للأشخاص والجماعات وبدعمنا النشاطات الإجتماعيّة والخيريّة والإنمائيّة، نسلك مع الخيّرين طريق الرحمة ونُشكّل سنداً أساسياً للذين يشكّلون شريحة كبيرة من المُجتمع وهم محتاجون وفقراء ومُهمّشون ومتروكون، في ظلّ تقصير كبير من قبل الدولة. لطالما مدّت كاريتاس يد المُساعدة لإنماء الفرد والجماعة في قلب المجتمع، وحافظت على كرامة الإنسان، على ضوء تعليم الكنيسة الإجتماعي.

راعويّة الرحمة في خدمة كاريتاس
تبدأ راعويّة الرحمة بتلبية الدعوات الخمس التالية:
1- دعوة للتأمل بسرّ الرحمة الذي هو مصدر فرح وسكينة وسلام. فالرحمة: هي كلمة تظهر سرّ الثالوث الأقدس؛ وهي العمل النهائي والأسمى الذي من خلاله يأتي الله إلى لقائنا؛ وهي الشريعة الأساسية التي تقيم في قلب كلّ شخص عندما ينظر بعينين صادقتين إلى الأخ الذي يلتقيه في مسيرة الحياة؛ وهي الدرب الذي يوحد الله بالإنسان، لأنها تفتح القلب على الرجاء باننا محبوبون إلى الأبد بالرغم من محدوديّة خطيئتنا.
2- دعوة لتثبيت النظر على الرحمة فنصبح علامة فعّالة لعمل الآب، وتتعزّز شهادة المؤمنين وتتفعّل. فرسالة الكنيسة الكاثوليكيةعبر مؤسّساتها الإجتماعيّة هي بأن تكون أُمّاً مُحبّة للجميع، لطيفة وصبورة يحرّكها الصلاح والرحمة تجاه الأبناء. إنّ مثل السامري الصالح يُظهر رحمة الله التي ليست فكرة مجرّدة، بل حقيقة ملموسة تَظهر من خلالها محبّة الكنيسة كأب وأمّ يتأثّران حتى الأحشاء من أجل أولادهم.
3-دعوة للنظر إلى وجه يسوع الرحيم كي نفهم محبة الثالوث الأقدس لتُترجم راية الرحمة والرأفة خصوصاً تجاه الخطأة والفقراء والمُهمّشين، المرضى والمتألّمين. وحدها الرحمة حرّكت يسوع في جميع الظروف، فالمحبة لم تعد كلمة مجرّدة بل حياة ملموسة، تظهربنوايا ومواقف وتصرفات يوميّة ترتكز كلّها على الرأفة لندل ّإلى درب الرحمة ونعيشها.
4- دعوة لإختبار إنفتاح القلب على من يعيشون في أقاصي الضواحي في لبنان والتي يخلقها غالباً عالمنا المُعاصر بطريقة مأساويّة. كم هي كثيرة أوضاع الألم وانعدام الثبات! كم من الجراح المطبوعة في أجساد أشخاص كثيرين لا صوت لهم، لأن صراخهم اضمحل وانطفأ بسبب اللامبالاة. في هذا اليوبيل نجتهد للإعتناء بهذه الجراح ومداواتها بزيت العزاء وتضميدها بالرحمة ومعالجتها بالتعاضد والعناية الواجبة. لنفتح أعيننا كي نرى بؤس شعبنا اللبناني، وجراح العديد من الأخوة والأخوات المحرومين من الكرامة، ولنشعر لصرخة النجدة التي يطلقونها. لنشدّ أيدينا بأيديهم، ولنجذبهم إلينا كي يشعروا بحرارة حضورنا وصداقتنا وأخوّتنا. لتصبح صرختهم صرختنا، ولنهدم معاً حاجز اللامبالاة وصمّ آذان المعنيّين بترقّي الشعوب الذين غالباً ما يسودوا وراء الخبث والأنانيّة.
5- دعوة ليفكر شعبنا المسيحي في أعمال الرحمة الجسديّة والروحيّة. ولإيقاظ الضمائر التي تنزلق إلى السبات إزاء مأساة الفقر المُتزايد. فالفقراء هم المُفضّلون لدى الرحمة الإلهية. دعونا نعيد اكتشاف أعمال الرحمة المُرتبطة بالجسد: إطعام الجائع، سقي العطشان، كسوة العاريان، إستقبال الغريب، الإعتناء بالمريض، زيارة المسجون ودفن الميت. وأيضاً لن ننسى أعمال الرحمة الروحيّة: ننصح من يشكّ، نعلّم الجاهل، نحذّر الخاطئ، نعزّي المحزون، نغفر الإساءة، نتحمّل الشخص المزعج بصبر، ونصلي إلى الله من أجل الأحياء والأموات.

في الختام، لا يسعنا التهرب من كلمات الرب وسيُحكم علينا إستناداً إليها: إذا ما قدّمنا الطعام للجائع والمياه للعطشان؛ إذا ما أصغينا إلى الغريب وألبسنا العريان؛ إذا ما وجدنا الوقت لمؤازرة المريض والسجين. كما سنُسأل إذا ما ساعدنا الآخرين على الخروج من شكّهم الذي يوقع المرء في الخوف ويشكّل مصدر الوحدة؛ وإذا ما تمكنّا من التغلّب على الجهل الذي يعيش فيه ملايين الأشخاص، لاسيّما الأطفال الذين يفتقرون إلى المساعدة اللازمة للخروج من حالة فقرهم؛ وإذا ما كنّا قريبين من الوحيد والمحزون...فالمسيح نفسه حاضرٌ في كلّ واحد من "أصغر الصغار". جسده يصبح كجسد المُعذّب والمجروح والمُصاب والجائع والنازح والمُهجّر والمُتهك بكرامته البشريّة... إنّ كاريتاس تدعوكم للتعرّف إلى هؤلاء جميعاً في مراكزها وأقاليمها، فنلمسهم بعطفنا ونعتني بهه بتضامننا. يذكّرنا القديس يوحنا الصليب ويدعونا ألاّ ننسى بأنّنا "في مغيب الحياة سنُحاسب على أساس المحبّة".

في هذه السنة اليوبيليّة المُباركة، تنطلق كاريتاس مع الكنيسة بقوّة وإقناع ككلمة الحق لتواصل عملها فتوأزر، وتساعد وتُحبّ. ولنكن كلّنا كاريتاس في سبيل تجسيد الرحمة بين الناس وفي مُجتمعنا ووطننا. وشكراً.

 

المصدر : المركز الكاثوليكي للإعلام