دينيّة
09 آب 2018, 10:48

قدّيس اليوم (10 آب): لورنستيوس الشهيد

ولد في إسبانيا سنة212 من أبوين إمتازا بالتقوى والعبادة، ودرس العلوم العصرية والبيعية حيث تعرّف إلى شاب إسمه سيكستوس وقد توثّقت عرى الصداقة بينهما. ثم جاء لورنسيوس إلى روما لمتابعةدروسه، وكان صديقه سيكستوس قد أصبح حبراً أعظم بإسم سيكستوس الثاني فجعله رئيساً لشمامسته واتّخذه الساعد الأيمن له في إدارة الشؤون الزمنية وتوزيع الأسرار. فقام بوظيفته هذه أحسنقيام، وهو يهتم بالفقراء والأيتام والمرضى والعذارى اللواتي يكرسن نفوسهن لخدمة الله.

ولمّا أثار الملك فليريانوس الإضطهاد على المسيحيين، أمر بالقبض على البابا سيكستوس وإجباره على تقديم البخور للأوثان أو سوقه إلى العذاب، فساقوه إلى السجن. فلحقه لورنسيوس وهو يقول: "إلى أين تذهب يا أبي دون ولدك؟ فإنّي لم أكن لأفارقك في الحياة، فلستُ أرضى أن أفارقك في التضحية والممات". فأجابه الحبر القديس قائلاً: "إن جهاداً أشد وأصعب من هذا وغلبة أعظم من هذه ينتظرانك أنت الذي توجد الآن في عنفوان الشباب والقوّة، وستلحقني بعد ثلاثة أيام". ثم أوصاه أن يهتم بتقسيم أموال الكنيسة على ذوي الفاقات، وحثّه على الإسراع في ذلك خوفاً من أن يسلبها الوثنييون.
وكان لمّا سمع الجنود بخبر الكنوز قبضوا على لورنسيوس واستاقوه إلى الحاكم، وأخبروه بما سمعوا. ففرح الحاكم وسأل لورنسيوس قائلاً: "قد بلغني أن عندكم آنية من ذهب ومن فضّة، فنحن نحتاج إليها لتجهيز العسكر بثمنها"، فأجابه لورنسيوس بهدوء وقال: "كنيستنا غنيّة بالحقيقة بحيث أن الملك نفسه ليس في كنوزه مثل هذه الأشياء الفاخرة التي عندنا. فإن أمهلتني ريثما أرتّبها أريتك جانباً منها". فأمهله إلى ثلاثة أيام وهو لم يدرك المعنى الذي قصده لورنسيوس. فأخذ لورنسيوس يطوف المدينة كلّها ويجمع الفقراء وذوي الفاقات الذين كانت الكنيسة الرومانية تعولهم وتقوم بهم.
فلمّا جاء اليوم الثالث جمع عدداً غفيراً من عميان ويتامى وارامل وذهب بهم إلى قصر الحاكم وقال له: "هو ذا قد أتينتك بكنوز الكنيسة وهي كنوز كثيرة وافرة توجد في كل مكان. ومن أحبّ أن يقتنيها يتمكّن بسهولة الحصول عليها" فغضب الحاكم من سخرية لورنسيوس به وأمر أن يخلعوا عنه ثيابه ويمزّقوا لحمانه بأمشاط حديديّة. ثم أحضر جميع آلات العذاب التي كانوا يعذّبون بها الشهداء ووضعها أما عيني لورنسيوس وتهدّده بأن يذيقه عذاباتها جميعاً إن لم يسجد للآلهة ويسلّمه كنوز الكنيسة. فأجابه: "إعلم يا هذا إنّ العذابات هي فرح لي ومنذ زمن مديد أتوق إليها". ولدى هذا الجواب، أمر الحاكم بجلده. وبينما هو يُجلَد قال للحاكم: "وتحقق بأن كنوز يسوع المسيح هي إيماني". فلمّا سمع الحاكم هذا المقال أمر فعلّقوه في الهواء وكوّوا جنبيه بقيود حديدية محميّة في النار.
ولكن القديس لم يلتفت إلى هذا العذاب بل بقي صامتاً وساكنًا. فجلدوه ثانية بأسواط معقّدة بالرصاص بقساوة بربرية، ظنّ القديس أنّه سيسلّم روحه في هذا العذاب، ولكن الحاكم أمر به بأن يمددوه على مركبة حديدية ويخلعوا أعضاءه ويهمّشوا جسمه بأظافير حديدية، ولكن الشهيد الباسل والثابت لم يُغلب، بل كان يصلّي إلى الرب الذي كان يعزّيه بواسطة ملاكه. ثم أمر الحاكم فهيّأوا مشواة من حديد ووضعوها على النار وعَرّوا لورنسيوس من ثيابه وشدّوه على المشواة بحيث لا تلمس النار لحمه إلاّ قليلاً قليلاً.
وقد قال مار أوغسطينس: "إنّ لورنسيوس لشدّة حبّه ليسوع المسيح لم يعبأ بالأذيّات التي قاساها بل هان عليه العذاب وتحوّل إلى هناء". وبعد فترة قال للوالي بكل هدوء: " قد انشوى جسمي كفاية من هذه الناحية فاقلبه إلى الناحية الأخرى: فقلبوه. ثم بعد برهة قال: "قد انشوى لحمي كلّه فتعالوا كلوا منه". ثم رفع طرفه إلى السماء وصلّى بحرارة وسأل الرب في إرتداد مدينة روميّة عن عبادة الأوثان. وطلب ذلك بشفاعة القديسين بطرس وبولس اللذين قدّساها بدمهما، ثم أسلم روحه سنة 259. وكثيرون من الحاضرين آمنوا بالمسيح لدى مشاهدتهم جهاد لورنيسوس العجيب.
وفي الغد حمله المسيحيون إلى المقبرة ودفنوه بإحتفال، ولم يبارحوه مدّة ثلاثة أيام قضوها بالصوم والصلاة والدعاء حول قبره. ثم إنّ الملك قسطنطين الكبير شيّد له كنيسة فاخرة في مكان قبره توجد إلى يومنا هذا وهي من أشهر كنائس روما. واعلم إنّ الآباء بأسرهم قد أسهبوا في وصف جهاد لورنسيوس وذكروا عدداً لا يحصى من الآيات التي جرت على يده في كل زمان ومكان.