دينيّة
30 آذار 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 30 آذار 2017

تذكار القديس يوحنا كليماكوس واضع سلّم الفضائل (بحسب الكنيسة المارونية)ولد يوحنا كليماكوس في فلسطين عام 525. تخّرج في العلوم، ونبغ فيها، ولا سيما بالفصاحة، حتى لقب "بالمعلم" وهو أحد آباء الكنيسة. ويلقب "بالسلَّمي" أو كليماكوس نسبة الى كتابه الذي أسماه باليونانية "كليماك"، أي السلّم. وهو يعلم الارتقاء بالفضائل حتى الكمال.

 

وما بلغ السادسة عشرة حتى صغرت الدنيا في عينيه. فعاف العالم واباطيله، وذهب الى دير جبل سينا الشهير حيث تتلمذ لراهب شيخ جليل يدعى مرتيريوس، سلم اليه قيادة أمره. ولم تمض عليه اربع سنوات في الدير حتى ارتقى الى أسمى الفضائل، ولا سيما الطاعة لمرشده.

ولما بلغ العشرين من عمره. لبس الثوب الرهباني، وأبرز نذوره وأصبح مثال الجميع بالسير في طريق الكمال، حتى قال عنه ستراتيفوس رئيس الدير:" ان يوحنا سوف يكون أحد الانوار العظيمة في المسكونة".

ثم انفرد في البرية عند سفح جبل سينا، واقام في كوخ قريب من الكنيسة التي بناها الملك يوستينيانوس للنساك في ذلك القفر. ولم ينفك عن مطالعة الكتاب المقدس واكتناه معانيه السامية. وقد وضع ذلك الكتاب البدجيع "سلّم الفضائل" ليكون دستور عمل ليس للرهبان فحسب، بل لجميع النفوس الراغبة في الفضيلة. وهو نتيجة تأملاته وتعمقه في فلسفة الانجيل وعلم النفس.

وقسم كتابه الى ثلاثين درجة، اولها الزهد في الدنيا، وآخرها الفضائل الالهية الثلاث الايمان والرجاء والمحبة.

وصار رئيساً على دير سيناء وكان مثالاً أعلى في القيام بجميع الواجبات الرهبانية ومناراً بفضيلتي التواضع والمحبة. وله رسالة مسهبة في واجبات الرؤساء والمسلطين، فيها من الحكم والنصائح الرشيدة، ما يضمن الخير والنجاح للرؤساء وللمرؤوسين.

وكانت نفسه تصبو دائماً الى العزلة والانفراد. فتنازل عن الرئاسة وعاد الى خلوته في منسكه، منعكفاً على مناجاة الله بالصلاة وانواع التقشف، الى ان رقد بالرب سنة 605 وله من العمر ثمانون سنة. وقد أجرى الله على يده آيات عديدة. صلاته معنا. آمين.

 

تذكار الأنبا يوحنّا قليماقوس (بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

ولد يوحنّا في فلسطين عام 525 وامتاز منذ نعومة أظفاره بالعقل  الثاقب والذكاء القوي، وأقبل  منذ صغره على العلم فنال منه حظاً وافراً. ولمّا بلغ السادسة عشرة من عمره ترك الدنيا وذهب الى جبل سيناء وتتلمذ هناك لراهب قدّيس يدعى مرتيريوس .  ولم تمضِ عليه أربع سنوات في الدير حتى ارتقى  الى أسمى الفضائل ولاسيّما فضيلة الطاعة لمرشده. ولمّا بلغ العشرين من عمره لبس الثوب الرهباني وأبرز نذوره وأصبح مثالاً للجميع في السير في طريق الكمال حتى قال عنه ستراتيفوس رئيس ديره: "إنّ يوحنّا سوف يكون أحد الأنوار العظيمة في المسكونة".

بعد موت مرشده مرتيروس، ترك الدير وانفرد في البريّة عند سفح جبل سيناء وأقام في كوخ قريب من الكنيسة التي بناها الملك يوشينيانوس للنسّاك في ذلك القفر، ولم ينفك عن مطالعة الكتاب المقدّس ويملأ قلبه وعقله من آياته الإلهية ومعانيه السامية. وقد وضع كتاب "سلّم الفضائل" في اللغة اليونانية ليكون دستور عمل ليس للرهبان فحسب بل لجميع النفوس الراغبة في الفضيلة وهو نتيجة تأملاته وتعمّقه في فلسفة الإنجيل وعلم النفس. وقسّم كتابه الى ثلاثين درجة، أوّلها الزهد في الدنيا وآخرها الفضائل الإلهية الثلاث "الإيمان والرجاء والمحبّة".

لمّا مات الرئيس العام لدير سيناء إختاره الرهبان رئيساً  لهم  وكان ذلك نحو سنة 600، فواصل حياته المثالية  إذ عمل مدّة رئاسته على السير في طريق الكمال... وإضافة الى كتابه " سلّم الفضائل" وضع يوحنّا رسالة مسهبة في فضائل وواجبات الراعي والمرشد، فيها من الحِكَم والنصائح الرشيدة ما يضمن الخير والنجاح للرؤساء والمرؤوسين.

وإذ كانت نفسه تصبو الى العزلة  والصمت، تنازل عن رئاسة الدير وعاد الى خلوته وانعكف على مناجاة الله بالصلاة وحياة التقشّف الى أن رقد بالربّ في أوائل القرن السابع، أي حوالي سنة 605.

 

القديس البار يوحنا السينائي الملقب بـ "السلمي"‎ ‎‏(بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

كتب عن يوحنا راهبان سينائيان دانيال وأثناسيوس، إلا أن ما وافيانا به لا يتضمن إلا اليسير من المعلومات التاريخية الثابتة عنه. حتى تاريخ ميلاده ووفاته وموضع مسقط رأسه غير وارد في هاتين السيرتين اللتين يطغى عليهما الطابع الرهباني التقوي. وما نعرفه عنه، في معظمهن مستمد مما كتب.
ولد يوحنا، كما يبدو، في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي. سعى، منذ مطلع زهده، لأن يسلك في غربة عن نفسه وعن عالمه، على طريقة الرهبان والنساك الذين هّمهم الانفصال عن كل شيء ابتغاء لقربى ليس ما يشوشها إلى ربهم. جل ما نستنتجه من فترة شبابه أنه منذ أن بلغ السادسة عشرة، وبعدما تلقى من العلم قدراً وتفتح ذهنه، مج مفاتن حياة البطلان، حباً بالله، وطلب جبل سيناء. وإذ استقر عند أسفل الجبل المقدس حيث سبق للرب الإله أن أظهر مجده لموسى كليمه قرب نفسه، بقلب متقد، قرباناً طيب الرائحة مقبولاً لدى الله.
ومنذ أن دخل حلبة الصراع الرهباني تخلى عن كل ثقة بالنفس وسلك في اتضاع القلب مسلماً ذاته، في الجسد والروح، إلى شيخ اسمه مرتيريوس، وشرع، بلا همّ، يرتقي سلم الفضائل. كان يعتبر راعي نفسه ايقونة حية للمسيح وإنه هو الذي سوف يجيب عنه لدى الله. هم يوحنا الأوحد أضحى أن يتخلى عن مشيئته الخاصة. كلامه عن الطاعة، فيما بعد، في كتاب "السلم"، يعكس ما اختبر. مما قاله: الطاعة جحود تام للنفس، موت طوعي، قبر للمشيئة وقيامة للاتضاع. الطاعة هي التخلي عن التمييز في وفرة من التمييز (3:4)
أبقى مرتيريوس على تلميذه أربع سنوات مبتدئاً ليمرسه في الاتضاع. يوم رهبنه تنبأ أحد الرهبان الحاضرين، ويدعى ستراتيجيوس، أن هذا الراهب الحدث مدعو لآن يصير أحد كواكب المسكونة. كذلك لما قام مرتيريوس وتلميذه بزيارة أحد أبرز الوجوه الرهبانية في ذلك الزمان، يوحنا السابائي، تجاوز هذا الأخير مرتيريوس واهتم بغسل قدمي يوحنا. ثم بعد مغادرتهما له أعلن أنه لا يعرف هذا الراهب الشاب، لكنه، بإلهام الروح القدس، غسل قدمي رئيس دير سيناء. النبوءة ذاتها توثقت عبر القديس أنستاسيوس السينائي المعيد له 4 آيار الذي قاما بزيارته هو أيضاً.
رغم حداثة سن يوحنا فإنه أبدى نضجاً على قامة الشيوخ وكان على تمييز كبير. مثل ذلك أنه أُرسل يوماً في مهمة وإذ جلس إلى المائدة وبعض العاميين، آثر أن يستسلم لبعض المجد الباطل وأكل قليلاً مفضلاً ذلك على الشراهة لأنه ميز ما هو أقل خطراً عليه كراهب حدث.
أمضى يوحنا، بعد ذلك، تسعة عشر عاماً بلا هم، سالكاً في الطاعة، محفوظاً بصلاة أبيه الروحي، مبحراً، في هدأة النائم، إلى ميناء اللاهوى. فلما رقد معلمه في الرب قرر مواصلة ارتقائه في الوحدة، بعدما ترسخ في الاتضاع، عبر العزلة الكاملة حتى لا يوجد محروماً ولا للحظة من عذوبة الله. حتى في هذا الأمر لم يعتمد على رأيه الذاتي بل على نصيحة شيخ آخر قديس، يدعى جاورجيوس، أطلعه على نمط الحياة الخاص بالهدوئيين. وقد اختار يوحنا، لذلك، موضعا معزولاً يعرف ب "تولا" على بعد خمسة أميال من الدير الكبير. هناك استقر عدد من النساك غير بعيد الواحد منهم عن الآخر.
لازم يوحنا المكان أربعين سنة مشتعلاً بحب الله المتنامي في قلبه أبداً لم يشغله خلالها شئ غير الصلاة المتواترة ويقظة القلب كمثل ملاك في الجسد.
طعامه كان طعام الرهبان ولكن بكميات قليلة جداً. على هذا النحو أخضع طغيان الجسد دون أن يعطي المجد الباطل أية ذريعة. وبالوحدة والعزلة لم يتح للرغبة في الجمع فيه أية فرصة تُوقع الرهبان المتهاونينن في العادة، في الشراهة تحت جنح الضيافة وعمل المحبة. هذا باب كل الأهواء عنده. ولا فسحت له طريقة حياته في المجال لمحبة المال أن تترعرع في قلبه. هذه لديه ابنة النقص في الإيمان وعبادة الأوثان. أما الضجر، الذي هو في قاموسه موت النفس، والذي يحارب الهدوئيين بخاصة، وكذلك التهاون، فقد عرف يوحنا، بنعمة الله، أن يقوى عليهما معاً بذكر الموت. أما الحزن فعرف أن يتصدى له ويبدده بالتأمل في الخيرات العتيدة. لذلك لم يعرف من الحزن لوناً إلا ذاك الحزن البهي الذي كان بالنسبة له مصدر فرح وجعله يعدو، بشوق، على درب التوبة مطهراً النفس من أدرانها.
ما الذي كان ينقصه بعد ليبلغ اللاهوى؟ الغضب كان قد قوي عليه من زمان بسيف الطاعة. المجد الباطل، تلك الحسكة المثلثة الرؤوس التي تعترض المجاهدين في سبيل التقوى والتي تتداخل وكل فضيلة بمثابة علقة، خنقها قديسنا بالإعتزال وخصوصاً بالصمت. وجزاء أتعابه، التي تبلها أبداً بلوم النفس، اسبغ عليه الرب الإله ملكة الفضائل التي هي التواضع الثمين المقدس. عن التواضع كما خبره وألفه قال: "التواضع نعمة للنفس ليس لها اسم يعبر عنها إلا عند الذين تعلموها بالخبرة. أنها غنى لا يوصف ودلالة إلى الله لأنه قال: تعلموا، لا من ملاك أو انسان أو كتاب، بل منيّ أي من سكناي وإشراقي وفعلي فيكم..." (3:25).
ولما كانت قلايته قريبة من قلالي نساك آخرين شرع ينصرف، مراراً، إلى مغارة بعيدة، عند أسفل الجبل جاعلاً منها لنفسه غرفة انتظار إلى السماء من خلال تنهداته والدموع التي كانت تسيل من عينيه كنبع فياض، بلا جهد، تجلياً لجسده كرداء عرسي. وبفضل هذا الحزن المغبوط وهذه الدموع المتواترة كان كل يوم من أيامه عيداً وكان يحفظ الصلاة المستمرة في قلبه الذي أضحى شبيهاً بحصن تعجز هجمات الأفكار عن اختراقه. وكان يحدث له أحياناً أن يُخطف في الروح وسط الأجواق الملائكية دون أن يعرف ما إذا كان، ساعتذاك، في الجسد أو خارج الجسد. وبحرية بالغة كان يطلب من الله أن يلقنه أسرار اللاهوت. ولما كان يخرج من أتون الصلاة كان يشعر بالنقاوة، تارة، كما لو خرج لتوه من النار، وتارة أخرى يلتمع ضياء.
أما النوم فلم يكن قديسنا يعطي نفسه منه إلا مقدار ما يلزم لحفظ اليقظة في الصلاة. وقبل أن يخلد إلى النوم كان يصلي طويلاً أو يكتب على ألواح ثمرة تأملاته في الكتاب المقدس.
ورغم العناية الكبرى التي أحاط بها نفسه كل هذه السنوات حفظاً لفضائله مخبوءة عن عيون الناس إلى اليوم الذي يعينه الله لينقل إليهم النور الذي اقتناه لبنيان الكنيسة، فإن الرب الإله دفع إلى عبده براهب شاب اسمه موسى رضي يوحنا، بعد لأي، أن يتخذه تلميذاُ. هذا حدث يوماً أن خرج إلى بستان صغير اقتنياه على بعد. فإذ اتفق أن كان موسى مستريحاً تحت صخرة هائلة تلقى يوحنا، في قلايته، كشفاً أن تلميذه كان في خطر. للحال قبض على سلاح الصلاة. فلما عاد موسى، عند المساء، أخبر معلمه أنه أثناء قيلولته سمع فجأة معلمه يدعوه فانتصب واقفاً في اللحظة ذاتها خرجت الصخرة من موضعها واندفعت إلى حيث كان هو مستلقياً.
كذلك كانت لصلاة يوحنا قدرة على شفاء الجراح المنظورة وغير المنظورة. من ذلك أنه نّجى راهباً من شيطان الزنى الذي كاد يدفعه إلى اليأس. مرة أخرى جعل السماء تمطر. غير أن اكثر ما أظهر الرب الإله نعمته في يوحنا أنه منّ عليه بموهبة التعليم الروحي. فاستناداً إلى خبرته الشخصية علم بفيض كل الذين قصدوه عن الفخاخ المنصوبة للرهبان في صراعهم ضد الأهواء وضد أمير هذا العالم. غير أن هذا التعليم الروحي أثار حسد البعض فروجوا، بشأنه، إشاعات مغرضة واتهموا يوحنا بالثرثرة ومحبة المجد الباطل. ومع أن ضميره كان مرتاحاً، لم يسع إلى تبرير نفسه. ولكي لا يعطي أحداً حجة للطعن به، توقف سنة كاملة عن التعليم. كل مواطني الصحراء انتفعوا من صمته وتواضعه. وقد أبى أن يعود إلى الكلام إلا بعدما أصر عليه الذين أساؤوا إليه راجين تائبين أن يسمح باستقبال الزوار لديه من جديد.
وإذ أُفعم يوحنا من كل فضائل العمل والثيوريا وبلغ قمة السلم المقدسة بانتصاره على كل أهواء الانسان العتيق، تلألأ فوق شبه جزيرة سيناء ككوكب وبات موضغ إعجاب كل الرهبان. ولما كان يحسب نفسه مبتدئاً بعد ويتلهف لجمع الأمثلة الطيبة عن السلوك الإنجيلي، قام برحلة زار خلالها عدداً من الأديرة المصرية. زار، بصورة خاصة، ديراً شركوياً كبيراً، في نواحي الاسكندرية، فوجد فيه سماء أرضية حقيقية بعناية راع عجيب تمتع بقدرة هائلة على التمييز. تلك الشركة كانت متحدة، في الرب، بمحبة فائقة، حرة من كل دالة إلى حد أن الرهبان فيها قلما كانوا بحاجة لتحذير رئيسهم. كانوا من ذاتهم يحثون بعضهم البعض على البقظة. وبين الفضائل التي تمتعوا بها ثمة واحدة كانت، بحسب يوحنا، فائقة وهي أنهم كانوا يتمرسون على عدم جرح ضمير أحد من الإخوة. كذلك انتفع يوحنا جزيلاً لما زار أحد توابع هذا الدير أي المكان المسمى ب "السجن". هناك أقام في نسك فائق وتوبة فوق المعتاد رهبان ارتكبوا خطايا جسيمة وكانوا يجتهدون ليحظوا بعفو ربهم. حديثة عن " السجن" ولو بدا لقارئه معثراً يدل على أنه كان ليوحنا نموذجاً للحياة الرهبانية لأسباب جوهرية حددها هو بقوله: " إن نفساً أضاعت دالتها الأولى وفقدت رجاءها ببلوغ اللاهوى وهتكت عفتها وسلبت ثروة مواهبها وتغربت عن تعزية الله ونكثت عهدها مع الرب وأطفأت نار دموعها الصالحة ويقرعها ذكر هذا ويؤلمها، أن تلك النفس لا تتجشم، بنشاط كلي تلك الأتعاب وحسب بل تعمد، بخوف الله، إلى إفناء ذاتها بالنسك، اللهم إذا كانت لا تزال فيها بقية من شرارة حب الرب وخوفه تعالي كما كان لهولاء المغبوطين حقاً" (23:5(.
ولما أكمل قديسنا تلك السنوات الأربعين من إقامته في البرية كموسى آخر. اختير رئيساً للدير. دير سيناء حتى القرن الرابع عشر كان على اسم والدة الإله، ولم يُعرف باسم القديسة كاترينا إلا بعد ذلك الحين. وقد نقل رواة أن ستماية حاج كانوا موجودين يوم تنصيبه. فلما جلسوا إلى المائدة عوين موسى كليم الله نفسه، لابساً حلة بيضاء، يتحرك، جيئة وذهاباً، ويزود الطباخين والمدبرين وحافظي المخازن والخدام بالتوجيهات.
هذا وقد أكدت الأيام أن يوحنا كان لخراف دير سيناء راعياً ممتازاً وطبيباً حازقاً ومعلماً كفؤاً يحمل في نفسه الكتاب الذي وضعه الله فيه حتى لم يعد في حاجة إلى كتب أخرى يلقن رهبانه بواسطتها علم العلوم وفن الفنون. صيت دير سنياء ذاع لنمط حياة رهبانه فكتب يوحنا، رئيس دير رايثو، إلى قديسنا يطلب منه أن يكتب، بصورة واضحة منظمة ومقتضبة، ما هو ضروري لنوال مقتبلي الحياة الملائكية الخلاص. على هذا انبرى يوحنا يحرر ألواح الناموس الروحي فكان ثمرة جهده كتاب "السلم" الذي أضحى، في الأدب النسكي، مرجعاً كلاسيكياً أساسياً في أصول الحياة الروحية، على مدى الأجيال. في هذا الكتاب يفضي يوحنا بقواعد نسكية جديدة بل انطلاقاً من إرشادات عملانية وتفاصيل مدروسة وأقوال مأثورة وألغاز لا تخلو غالباً من روح الدعابة، يدرب النفس على الجهاد الروحي وتمييز الأفكار. كلامه مقتضب مكثف، جيد الحبك يخترق كالسيف عمق النفس قاطعاً دون مساومة كل مجاملة وملاحقاً النسك الكاذب والأنانية حتى إلى الجذور. كلامه إنجيل وضع قيد التنفيذ ويؤول بالذين يتشبعون منه، لا محالة، إلى باب السماء.
عندما بلغ يوحنا أيامه الأخيرة عين أخاه جاورجيوس الذي اقتبل الحياة الهدوئية رأساً للدير. وإذ كان على وشك المفارقة قال له جاورجيوس: ها إنك تتركني وتذهب وقد صليت إلى الرب الإله أن ترسلني إليه قبل رحيلك، فأنا من دونك لا طاقة لي على رعاية هذا القطيع. فأكد له يوحنا: لا تحزن ولا تقلق. إذا وجدت نعمة لدى الله فلن تمضي سنة عليك من بعدي. وبالفعل لم تمض على وفاة يوحنا ستة أشهر حتى انضم جاورجيوس إليه.

 

تذكار أبينا البار يوحنّا كاتب سلّم الفضائل (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك )

هو أحد الأنوار الرهبانية الساطعة في سماء الكنيسة المقدّسة، وزعيم بين المعلّمين الروحيين، ورئيس عظيم بين رؤساء الأديار الشرقيّة.

ولد يوحنّا في بلاد فلسطين. وامتاز منذ نعومة أظفاره بالعقل الثقاب والذكاء القوي الحاد. وأقبل منذ صغره على العلم، فنال منه حظّاً وافراً. وما كاد يبلغ السادسة عشرة من عمره حتى كان موضوع إكبار وإعجاب الجميع. فخاف أن يغويه المجد الباطل ويقوده الى الهاوية، فترك الدنيا ونعيمها الفاني وذهب الى جبل سينا، فتتلمذ هناك لراهب قدّيس جليل يدعى مرتيريوس، وسلّم إليه قيادة أمره وأضحى له أطوع من بنانه.

ولم تمضِ عليه أربع سنوات حتى كان قد بلغ الى درجةٍ ساميةٍ من الفضيلة، بما إتّصف به من الطاعة لمرشده في جميع أموره، والتواضع العميق، والصوم الشديد، فكان بذلك يتجرّد عن أثقال الحياة، ويتفرّغ بقواه الكاملة للصلاة ووطالعة الكتب المقدّسة.

وفي السن العشرين لبس الثوب الرهباني وأبرز نذوره، وأضحى مثال الجميع بحرارة عبادته وجميل فضائله. وكان دائم التنبّه الى نقائصه  وتجاربه وأميال قلبه، لكي يصلّح ما فسد منها ويحاربها ويميتها.

ومات مرشده مرتيريوس، فأسف يوحنّا لفراقه وبكاه بدموع  قلبه. ثم ترك الدير الذي نذر فيه  وانفرد في الجبل، ليعيش في الوحدة نظير الكثيرين من النسّاك.فكان يقضي الأسبوع في خلوته ناسكاً متعبّداً، يصوم ويصلّي ويشتغل بيديه، ويطالع الكتاب المقدّس ويتمتّع بمناجاة الخالق. وكان في أيام السبوت والآحاد يذهب الى الكنيسة بأجل تلاوة المزامير وحضور ذبيحة القدّاس وتناول جسد الربّ. ثم يعود من جديد الى خلوته. وبقي أربعين سنة مواظباً على تلك الحياة النسكية الشاقة.

أما الفضائل التي امتاز بها ذلك الناسك الكامل، فهي على الأخص التواضع ومحبّة القريب. فكانت رغبته الكبرى في أن يبقى في ذلك القفر نسياً منسيّاً، رغم سعة معارفه وغزارة العلوم الروحيّة التي اكتسبها في حياته الرهبانيّة. ولمّا كان الشيطان يهاجمه عن طريق نفع القريب وخدمته، لكي يحمله على إظهار نفسه ومعارفه للناس، كان يقول في نفسه: لو أرادني الله لأظهر للعالم لما كان دعاني الى هذا القفر.

إلاّ أن الله سمح بنشر تلك القداسة السامية. فأخذ النساك يأتونه طالبين نصائحه. فحرّك الحسد بعضهم، فأخذوا يشنّعون عليه، بحجّة أنّه مهذار ولا يعرف قيمة لفضيلة الصمت. ولمّا كانت قداسة يوحنّا مؤسسة على الصخر منعَ عنه زيارة النسّاك، ولزم الصمت سنةً كاملة، مضحّياً بمنفعة القريب في سبيل منع الشكوك عن إخوته. وهذا منتهى التواضع والمحبّة الأخوية معاً. فلمّا رأى حسّاده