دينيّة
29 حزيران 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 29 حزيران 2017

تذكار الرسولين المعظمين بطرس وبولس (بحسب الكنيسة المارونيّة) اما بطرس فهو سمعان بن يونا وهو اخو اندراوس. ولد في بيت صيدا في الجليل. وكانت مهنته صيد السمك. ولما جاء به اخوه اندراوس الى يسوع ابتدره الرب قائلاً:" انت تدعى، من الآن، كِيفَا اي الصخرة". ثم دعاه يسوع ثانية واخاه قائلاً: اتبعاني فأجعلكما صيادَي الناس. وللوقت تركا الشباك وتبعاه. وبعد هذه الدعوة الثانية لازم بطرس يسوع ولم يفارقه الى النهاية.

 

ولما أعلن السيد المسيح جسده مأكلاً حقيقياً، ودمه مشرباً حقيقياً، مشيراً بذلك الى سر القربان الاقدس، استصعب الرسل كلامه ورجعوا الى الوراء، فقال لهم: ألعلكم انتم ايضاً تريدون ان تمضوا؟ فأجاب سمعان بطرس: الى من نذهب يا رب وكلام الحياة الابدية عندك؟

سأل بطرس معلمه: كم مرة اغفر لأخي، يومياً، اذا خطئ اليّ، أإِلى سبع مرات؟ أجابه يسوع: لا أقول لك سبع مرات، بل سبعين مرة سبع مرات. وهذا تبيان للضعف البشري الصادر من الانسان، وواجب ان نغفر له دائماً ما زالت نيته سليمة صافية.

وكم كان متحمساً للدفاع عن معلمه عندما اعلن يسوع عن كيفية ميتته، فقال له سمعان بطرس: اني مستعد ان أمضي معك الى السجن وحتى الى الموت. فقال له يسوع: ان الروح مستعد وأما الجسد فضعيف. وستنكرني ليلة آلامي ثلاث مرات قبل صياح الديك مرتين. وهكذا كان. ولكن عاد بطرس فندم على خطيئته بذرف الدموع مدة حياته كلها.

ومَن يتصفح النصوص الواردة في العهد الجديد، يتضح له جلياً ان بطرس هو اول من تبع المسيح واعترف به. وكان اميناً لاسراره وقد رافقه في جميع مراحل حياته. وقد جعله الرب زعيماً للرسل ورئيساً على كنيسته. وكان يترأس اجتماعات الرسل قبل صعود الرب وبعده ويرشدهم بسلطته المطلقة دون منازع. وقد خطب في اليهود بعد حلول الروح القدس وصنع العجائب.

وبدأ غير هيّاب، بالتبشير في السامرة، وطاف مدن سواحل فلسطين ولبنان، وعمّد كرنيليوس القائد برؤيا عجيبة مؤثرة جداً. وهو مَن خرج مِن اورشليم، قبل الرسل.

وبعد صعود الرب، بشر بطرس في فلسطين وفينيقية وآسية خمس سنوات، ثم اقام كرسيه في انطاكية سبع سنين، وخلفه فيها اوديوس. وذهب الى روما حيث اقام كرسيه سنة 44 للميلاد. ثم عاد الى اورشليم في السنة نفسها، فألقاه هيرودس اغريبا في السجن وخلصه ملاك الرب. فاستأنف التبشير، وعقد المجمع الاول مع الرسل وكتب رسالته الاولى. ثم رجع الى روما حيث اسقط سيمون الساحر من الجو واخزاه هو وخداعه، وكان سيمون عزيزاً على نيرون الملك. غضب الملك على بطرس، فأخذ يترقبه وبوحي الهي عرف بدنو أجله، فكتب رسالته الثانية.

وما لبث ان قبض نيرون عليه وسجنه، ثم امر بصلبه، ولعمق تواضعه، ابى ان يُصلَب إِلا منكَّساً.

وقد اثبت القديسون: ديونيسيوس وايريناوس واوسابيوس وايرونيموس، كما تبين ايضاً من الآثار التاريخية المكتشفة حديثاً في رومة. ان بطرس ذهب الى روما بالاتفاق مع بولس. وبعد ان اسس كنيستها استشهد في عهد نيرون عام 67. صلاته معنا. آمين.

أما الرسول العظيم بولس الذي جُنَّ بمحبة المسيح، فبعد ان كان اشد مضطهد للكنيسة، قد حمل لواء الانجيل عالياً وطاف به العالم مقتحماً الاخطار، براً وبحراً، لا يهاب الموت في سبيل مَن بذل نفسه لاجله. فكان آية عصره وسيبقى على الاجيال، بأعماله الجبارة ورسائله الرائعة أسطع دليل على مفعول النعمة الالهية في ارض الارادة الجيدة.

ولد شاول في مدينة طرطوس، نحو السنة العاشرة للميلاد، من ابوين يهوديين اصلهما من الجليل. درس الفلسفة والفقه على العالم الشهير جملائيل في اورشليم. ودعي فيما بعد بولس.

كان يمقت ويضطهد كل من يخالف شريعة آبائه. لذلك ساهم في رجم اسطفانوس رفيقه اول الشهداء. وكان يلاحق المسيحيين ويسوقهم الى السجون.

وفيما هو ماضٍ الى دمشق في هذه المهمة، اذا نور من السماء قد سطع حوله فسقط على الارض وسمع هاتفاً يقول له:" شاول، شاول، لِمَ تضطهدني؟". فقال:

" من انت، يا سيدي؟". قال:" انا يسوع الذي انت تضطهده. فقم وادخل المدينة، فيقال لك ما يجب عليك ان تفعل". فنهض شاول عن الارض ولم يكن يبصر شيئاً، وعيناه مفتوحتان. فاقتادوه بيده وادخلوه دمشق. فلبث ثلاثة ايام، مكفوفَ البصر، لا يأكل ولا يشرب (اعمال 9: 1-10).

وارسل الرب اليه تلميذاً اسمه حننيا فوضع عليه يديه فأبصر واعتمد. وكان اهتداؤه العجيب سنة 35 للميلاد. وما لبث ان اخذ يكرز في المجامع بأن يسوع هو ابن الله. فتآمَر اليهود على قتله. ولكنه نجا بسعي المؤمنين. وعاد الى اورشليم واتصل بالرسل. وراح يبشر في الهيكل بجرأة. فصمم اليهود على قتله. ولكنه سافر الى طرطوس وطنه مارّاً بسوريا وكيليكيا بصحبة برنابا ويوحنا مرقس. وفي قبرص آمن على يده الوالي سرجيوس بولس واعتمد هو وأهل بيته.

واستأنف البشارة حيث أبرأ مقعداً من جوف أمه في لسترة. وعندها رفع الجمع الحاضر ايديهم هاتفين: ان الآلهة تشبهوا بالناس ونزلوا الينا! وارادوا ان يذبحوا لهما، فمنعهم بولس قائلاً:" نحن بشر مثلكم". غير ان اليهود تمكنوا من اثارة الجموع عليه، فرجموه خارج المدينة. وفي الغد، شفاه الله وأقامه فانطلق مع برنابا، يثبتان المؤمنين في المدن ويرسمان لهم كهنة لخدمتهم.

وعاد الى انطاكية حيث مكث أياماً وانطلق منها يصحبه سيلا ولوقا الى آسيا الصغرى وكيليكيا وليكاونية وغلاطية وتراوس وسائر بلاد اليونان. واستصحب تيموتاوس الذي اقامه فيما بعد أسقفاً على أفسس. وفي آثينا قام خطيباً امام فلاسقتها في الاريوباغوس، فرد كثيرين الى الايمان ومنهم ديونيسيوس الاريوباغي. ثم عاد الى اورشليم حيث مكث سنتين، ثم جال في مدن آسيا الصغرى وجاء الى كورنتس حيث تراءى له الرب وشجعه واجرى على يده آيات باهرة. وطاف في غلاطية وفريجية، يثبت التلاميذ في الايمان، حتى وصل الى افسس، حيث اقام ثلاث سنوات يبشر ويعمد باسم يسوع المسيح، عاملاً بيده لكسب معاشه.

وسار يبشر في جزر بحر الروم، حتى بلغ صور وعكا وقيصرية. وحاول الاخوة ان يمنعوه من الصعود الى اورشليم، ملحين عليه بالدموع، فقال لهم: ما بالكم تبكون وتكسرون قلبي: اني مستعد، لا للوثاق فقط بل للموت ايضاً في اورشليم لاجل اسم الرب يسوع (اعمال 21: 7-13).

هناك حاول اليهود قتله فمنعهم قائد الجند. وخاطب الشعب باللغة العبرانية مبيناً عن اهتدائه. فصرخوا قائلين: ارفعه، اصلبه. فإِرضاءً لهم اراد الوالي ان يجلده، فاعترض بولس بأنه ذو جنسية رومانية. وارسله قائد الالف الى الوالي في قيصرية، مركز الولاية الرومانية حيث مكث اسيراً سنتين. ولكان الملك اغريبا اطلق سراحه لو لم يكن رفع دعواه الى قيصر.

فأقلع بولس مع اسرى آخرين الى روما يصحبه لوقا رفيقه الامين واسترخوس المكدوني. وبعد النظر الى دعواه، لم يجد القضاة ما يوجب الحكم عليه، فأخلي سبيله. فأقام في روما سنتين يبشر بالانجيل. ثم عاد يبشر ايضاً في جزيرة كريت ويزور كنائس آسيا وتروادا وكورنتس. ويقال انه مضى الى اسبانيا مجتازاً فرنسا – ثم رجع الى روما فقبض عليه نيرون وألقاه في السجن، وحكم بقطع رأسه كما حكم على بطرس الرسول بالصلب. وكان ذلك سنة 67 للميلاد.

أما رسائله الرائعة وعددها اربع عشرة رسالة، فهي آية في البلاغة وتحفة الآثار الكتابية في الكنيسة. صلاته معنا.آمين.

 

تذكار الرسولين المعظّمين بطرس وبولس (بحسب الكنيسة السريانيّة الكاثوليكيّة)

تذكار الرسول بطرس المعظّم

هو سمعان بن يونا (أو يوحنّا) وهو أخو أندراوس. ولد في بيت صيدا في الجليل، وكانت مهنته صيد السمك. ولمّا جاء به أخوه أندراوس إلى يسوع، إبتدره الربّ قائلاً: "أنتَ تدعى من الآن كيفا، أي الصخرة". ثم دعاه يسوع ثانية وأخاه قائلاً :"إتبعاني، فأجعلكما صيّادي الناس" وللوقت تركا الشِباك وتبعاه. وبعد هذه الدعوة الثانية لازم بطرس يسوع ولم يفارقه إلى النهاية...

ومن يتصفّح النصوص الواردة في العهد الجديد يتّضح له أن بطرس هو أول من تبع المسيح واعترف به، ورافقه في جميع مراحل حياته. وقد جعله الربّ زعيماً للرسل ورئيساً على كنيسته، وكان يترأس إجتماعات الرسل قبل صعود الربّ وبعده ويرشدهم بسلطته المطلقة دون منازع. وقد خطب في اليهود يوم حلول الروح القدس وصنع الأعاجيب.

وبشّر في السامرة، وطاف مدن سواحل فلسطين ولبنان، وعمّد كرنيليوس القائد على أثر رؤيا عجيبة مؤثّرة جداً، وخرج من أورشليم قبل الرسل... وبعد صعود الربّ بشّر بطرس في فلسطين وفينيقية وآسية خمس سنوات، ثم أقام كرسيه في أنطاكية سبع سنين وخلفه فيها أوديوس. وذهب إلى روما حيث أقام كرسيه سنة 44 للميلاد، ثم عاد إلى أورشليم في السنة نفسها فألقاه هيرودس أغريبا في السجن وخلّصه ملاك الربّ. فاستأنف التبشير وعقد المجمع الأول مع الرسل وكتب رسالته الأولى، ثم رجع إلى روما حيث أسقط سيمون الساحر من الجو وأخزاه هو وخداعه. وكان سيمون عزيزاً على نيرون الملك، لذا فقد غضب الملك على بطرس. وبوحي إلهي عرف بطرس  بدنو أجله، فكتب رسالته الثانية. وما لبث أن قبضنيرون عليه وسجنه، ثم أمر بصلبه. كما تبيّن أيضاً من الآثار التاريخية المكتشفة حديثاً في روما، أن بطرس ذهب إلى روما بالإتّفاق مع بولس، وبعد أن أسّس كنيستها، إستشهد في عهد نيرون عام 67.

يقول القدّيس مكاريوس إنّ بطرس في روما بعد أن زارها لمدّة شهور لتفقّد المسيحيين هناك، وكان ذلك إبّان إضطهاد نيرون القاسي الشديد. وقيل إنّ زوجة بطرس إستشهدت قبله، وإنّه شجّعها على الموت من أجل المسيح.

عندما أرادوا أن يصلبوه قال: إنّه شرف لا أستحقه أن أموت مصلوباً مثل سيّدي، ولكنّي أرجو أن أصلب وقدماي إلى أعلى ورأسي إلى أسفل، لأنّي لا أستحق أن أعامل مثل سيّدي!!... ونظر ألى روما وهو يقول: "عمّا قريب تتحولين أيتها الهياكل الوثنيّة المتعالية إلى معابد للمسيح"، وقال للجماهيرالمحتشدة: " إنّ أولادكم سيكونون خدّماً للمسيح. ها نحن نموت يا روما من أجل أن تخلصي، ويسيطر عليك روح المسيح!! ولسوف يجيء قياصرة ويذهبون ولكن مملكة المسيح ستظل ثابتة صامدة على مدى الأجيال".

تذكار الرسول بولس المعظّم

أبصر النور في نحو السنة العاشرة للميلاد في طرسوس عاصمة مقاطعة كيليكية، ومن أبوين يهوديين أصلهما من الجليل. وكانت فيها مدرسة شهيرة في ذلك الحين، ومن الثابت أن بولس نشأ نشأة دينيّة متعمّقة، إذ كان أبوه من أشد الفريسيين تمسّكاً بتقاليد الآباء. وكانت عادة اليهود الملتزمين أن يبدأوا تعليم أولادهم في الرابعة من العمر في بيوتهم ثم يرسلونهم إلى المجمع حتى الثالثة عشرة، وهناك يتعلّمون تاريخ آبائهم والتقاليد اليهوديّة. ونحن لا نعلم شيئاً عن أبيه وأمّه، وربما ماتت أمّه وهو صغير، وكان له أخت متزوّجة في أورشليم، وأغلب الظن أنّه سكن عندها عندما ذهب إلى أورشليم ليتعلّم وليكون واحداً من الرابيين بعد أن جلس عند قدمي غملائيل الذي كان واحداً من المعلّمين الذين عرفهم التاريخ اليهودي. وكان يمقت ويضطهد كل من يخالف شريعة آبائه. لذلك ساهم في رجم إسطيفانوس رفيقه أول الشهداء، وكان يلاحق المسيحيين ويسوقهم إلى السجون.

وفيما هو ماضٍ إلى دمشق في هذه المهمّة، إذا نور من السماء قد سطع حوله فسقط على الأرض وسمع هاتفاً يقول له: "شاول، شاول، لِمَ تضطهدني؟" فقال: "من أنت، يا سيّدي؟. قال: "أنا يسوع الذي أنت تضطهده. فقم وادخل المدينة، فيقال لك ما يجب عليك أن تفعل". فنهض شاول عن الأرض ولم يكن يبصر شيئاً وعيناه مفتوحتان. فاقتادوه بيده وأدخلوه دمشق، فلبث ثلاثة أيام مكفوف البصر، لا يأكل ولا يشرب" وأرسل الربّ إليه تلميذاً إسمه حننيا فوضع عليه يديه فأبصر واعتمد. وكان إهتداؤه العجيب سنة 35 للميلاد. وما ليث أن أخذ يكرز في المجامع بأن يسوع هو إبن الله. فتآمر اليهود على قتله، ولكنّه نجا بسعي المؤمنين. وعاد إلى أورشليم واتّصل بالرسل، وراح يبشّر في الهيكل بجرأة، فصمّم اليهود على قتله. ولكنّه سافر إلى طرسوس وطنه ماراً بسوريا وكيليكيا بصحبة برنابا ويوحنّا مرقس. وفي قبرص آمن على يده الوالي سرجيوس بولس واعتمد هو وأهل بيته.

واستأنف البشارة حيث أبرأ مُقعداً في لسترة، وعندها رفع الجمع الحاضر أيديهم هاتفين: "إنّ الآلهة تشبّهوا بالناس ونزلوا إلينا!" وأرادوا أن يذبحوا لهما، فمنعهم  بولس قائلاً: "نحن بشر مثلكم"، غير إنّ اليهود تمكّنوا من إثارة الجموع عليه فرجموه خارج المدينة. وفي الغد شفاه الله وأقامه، فنطلق مع برنابا يثبّتان المؤمنين في المدن، ويرسمان لهم كهنة لخدمتهم.

وعاد إلى أنطاكية حيث مكث أياماً، واستصحب تيموثاوس الذي أقامه فيما بعد أسقفاً على أفسس. وفي أثينا قام خطّيباً أمام فلاسفتها في الأريوباغوس ، فردّ كثيرين إلى الإيمان ومنهم ديزنيسيوس الاريوباغي، ثم عاد إلى أورشليم حيث مكث سنتين. ثم جال في مدن آسيا الصغرى وجاء إلى كورنتس حيث تراءى له الربّ وشجّعه وأجرى على يده آيات باهرة. وطاف في غلاطية وفريجية، يثبّت التلاميذ في الإيمان حتى وصل إلى أفسس، حيث أقام ثلاث سنوات يبشّر ويعمّد بإسم يسوع المسيح، عاملاً بيده لكسب معاشه.

وسار يبشّر في جزر بحر الروم، حتى بلغ صور وعكا وقيصرية. وحاول الأخوة أن يمنعوه من الصعود إلى أورشليم ملحّين عليه بالدموع، فقال لهم: "ما بالكم تبكون وتكسرون قلبي، إنّي مستعد لا للوثاق فقط بل للموت أيضاً في أورشليم لأجل إسم يسوع"...هناك حاول اليهود قتله، فمنعهم قائد الجند، وأرسله قائد الألف إلى الوالي في قيصرية، مركز الولاية الرومانيّة حيث مكث أسيراً سنتين . ولكان الملك أغريبا أطلق سراحه، لو لم يكن رفع دعواه إلى قيصر.

فأقلع بولس مع أسرى آخرين إلى روما يصحبه لوقا رفيقه الأمين وأرسترخس المكدوني. وبعد النظر في دعواه، لم يجد القضاة ما يوجب الحكم عليه فأخلي سبيله. فأقام في روما سنتين يبشّر بالإنجيل، ثم عاد يبشّر أيضاً في جزيرة كريت ويزور كنائس آسيا ةتروادا وكورنتس. ويقال إنّ مضى إلى إسبانيا مجتازاً فرنسا، ثم رجع إلى روما فقبض عليه نيرون وألقاه في السجن، وحكم بقطع رأسه كما حكم على بطرس الرسول بالصلب. وكان ذلك في سنة 67 للميلاد.

 

القدّيسان هامتا الرسل بطرس وبولس  (بحسب الكنيسة الارثوذكسيّة)

القدّيس بطرس الرسول

اسمه في الأساس سمعان. بطرس هو الأسم الذي أطلقه عليه الربّ يسوع. ولد في بيت صيدا على الضفة الشمالية من بحيرة جنيسارت. احترف وأخوه اندراوس صيد السمك. وحدث يوما أن كان يوحنا المعمدان واقفا هو واثنان من تلاميذه، نظر إلى يسوع ماشيا فقال عنه "هوذا حمل الله" فسمعه التلميذان وكان احدهما أندراوس، وتبعا يسوع. وكان أن كلّم اندراوس أخاه سمعان وقال له "قد وجدنا مسيّا الذي تفسيره المسيح". وشهادة أخرى تفيد أن يسوع كان ماشيا عند بحر الجليل أبصر سمعان بطرس وأخاه أندراوس يلقيان شبكة في البحر فقال لهما "هلم ورائي فأجعلكما صيّادي الناس. للوقت تركا الشباك وتبعاه".

لبطرس بين تلاميذ الربّ يسوع الإثني عشر مكانة مميّزة، وقد اصطحبه الربّ يسوع في اكثر من مناسبة كالصعود إلى الجبل والتجلي، كما نلقاه فما لبقية التلاميذ. على هذا اقترنت الحظوة التي نعم بها بطرس لدى يسوع بكشف خوائه بغير نعمة الله في أكثر من مناسبة. وطالما ظلّت نعمة الله بطرس بدا مستعدا لأن يبذل نفسه. ولمّا حلت ساعة الظلمة، أنكر بطرس يسوع ثلاثا بلعن وحلف.

من أعمال الرسل بطرس هو من دعا إلى أختيار بديل عن يهوذا، فألقى التلاميذ القرعة واختاروا متيّاس، وبعد حلول الروح القدس، خاطب اليهود والساكنين في أورشليم وشفى عند باب الهيكل المدعو الجميل رجلا أعرج من بطن أمّه،. وبنتيجة ذلك ألقي التلميذان في الحبس فتسنّى لبطرس وقد امتلأ من الروح القدس، أن يبشّر بيسوع رؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل. وإذ هدّدوهما أن يتوقفا عن المناداة بيسوع أجاب بطرس ويوحنا: "إنّ حقا أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا، لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا". وفي لدّة شفى بطرس مفلوجا، اسمه إينياس. وفي يافا أقام تلميذة من الموت هي طابيثا. استدعى الربّ بطرس في رؤيا إلى قيصرية ليبشّر بيسوع رجلا تقيا اسمه كورنيليوس، قائد مئة. هذا كان لبطرس والكنيسة إيذانا بامتداد الكرازة إلى الأمم ايضا. 
دخول الأمم في كنيسة السيح كانت له تفاعلاته. في رسالة إلى أهل غلاطية ذكر لصدام حصل بين الرسولين بطرس وبولس. 
رقاده كان استشهادا في رومية في زمن نيرون قيصر بعدما سام اكليمنضوس على رومية خلفا للينوس. قضى مصلوبا ورأسه إلى أسفل حتى تكون عينه على السماء.

القدّيس بولس الرسول

عبراني من سبط بنيامين. ولد في طرسوس الكيليكية في إحدى الرعايا اليهودية في الشتات. وتمتع بامتياز المواطنية الرومية. غيرته على الناموس جعلته ينضم إلى شيعة الفريسيّين، اشترك في حقد آبائه على المسيحيّين الذين اعتبرهم متعدّين خطرين على الشريعة. وكان ينفث تهدّدا وقتلا على تلاميذ الربّ. ولما اقترب من دمشق حاملا رسائل من رئيس الكهنة اشتمله، فجأة نور من السماء، وإذ وقع على الأرض سمع صوتا يقول له: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟" فقال: " من انت يا سيّد؟" فقال الربّ: "أنا يسوع الذي تضطهده! ...قم وادخل المدينة".نهض شاول عن الأرض ولم يكن يبصر شيئا، فاقتادوه بيده وأدخلوه إلى دمشق. بقي ثلاثة ايام لا يأكل ولا يشرب إلى أن أتاه تلميذ اسمه حنانيا أنبأه ملاك بأمر شاول. هذا دخل البيت ووضع عليه يديه لكي يبصر ويمتلىء من الروح القدس، فأبصر في الحال وقام واعتمد. على الأثر شرع بولس يكرز بيسوع ابن الله في المجامع فأثارت مناداته استغرابا بين اليهود ومن ثم حنقا وحقدا للتخلص منه، لكن المسيحيّين تمكّنوا من إرساله، من هناك.

فأنطلق إلى العربية، هناك أمضى سنتين يعدّ نفسه للعمل االكبيرالذي شاءه الربّ الإله أن يقوم به. وأصبحت حياة بولس الرسول مكرّسة لخدمة الربّ يسوع. لقد مات للناموس ليحيا الله مذيعا: "لست بعد أنا أحيا بل المسيح يحيا فيّ!". أمّا السيّد فظهر له في عدد من الرؤى والإعلانات الإلهية لتحدوه على الأنتفاخ. الربّ الإله يعرف أن يحفظ خاصته. أعطاه شوكة في الجسد حتى يجعل ضعفه أمام عينيه كل حين ويفتخر بضعفه لكي تحلّ عليه قوّة المسيح كما قال.

إثر عودته من العربية إلى دمشق، اضطر للهرب إلى أورشليم، ومن ثم انتقل إلى انطاكية وبقي فيها سنة كاملة علّم خلالها مع برنابا، جمهورًا كبيرًا من الناس. هناك دعي التلاميذ أولا مسيحيّين. توجه برنابا وشاول إلى قبرص، وجعلا يذيعان بكلمة الله في المجامع. ومن بافوس أتيا إلى برجة في بمفيليا ثمّ إلى أنطاكية بيسيدية حيث هدى بولس عددًا من اليهود بعدما دعا إلى التوبة في المجمع. ولكن نجح اليهود في طرد الرسولين من المدينة فانتقلا إلى إيقونيا. في ليسترا أبرأ بولس رجلا مقعدًا منذ ولادته فأنزلت الجموع الرسولين منزلة الآلهة وأرادوا أن يضحّوا لهما. فجأة وصل يهود من أنطاكية وإيقونية وقلبّوا الناس عليهما. فكان أن رجم بولس وجرّر كميت إلى خارج المدينة. لكنه نهض وارتحل إلى دربا حيث تلمّذ العديدين، ثم عاد إلى ليسترا وإيقونية وأنطاكية ليشدّد المؤمنين قائلا لهم إنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل  ملكوت السموات. 
بعد مدّة من الزمان افترق بولس وبرنابا، فاخذ شاول معه سيلا وتوجّه وإياه شمالا سيرا على الأقدام، وقد اجتازا سورية وكيليكية وثبتّا التلاميذ ثم زارا دربا وليسترا وإيقونية. وإذ واجهت مهمّتهم عوائق في آسيا وبيثينيا تحوّلوا إلى تراوس حيث كان لبولس رؤيا أن يحمل الإنجيل إلى مقدونيا. 
في أثينا وقف بولس في وسط مكان امام آريوس وياغوس، وخاطب المجتمعين مشيرا إلى معبوداتهم وإيجاده بينها مذبحا مكتوبا عليه: "لإله مجهول"، فكلمهم عن الإله الواحد كلّمهم عن القيامة من الأموات. عند هذا الحدّ استهزأ بعضهم فيما أبدى اخرون رغبة في سماع المزيد. وآمن قوم، منهم ديونيسيوس الآريوباغي وامرأة اسمها دامرس وآخرون. من أثينا انتقل بولس إلى كورنثوس حيث اقام في بيت بريسكلا وأكيلا، وكان يحاج يوم السبت في المجمع، مقنعا اليهود واليونانيين شاهدا بالمسيح يسوع. غادر بولس كورنثوس إلى انطاكية.

اجتاز بولس في غلاطية وفيرجيا مثبتا الإخوة في الإيمان ثم توجه إلى أفسس ليتابع ما بدأه. وتكلّم فيها ثلاث سنوات على ملكوت السموات. ودعم بفضل رسائله، مسيحيّي كورنثوس وغلاطية، وقيل أيضًا فيليبي. وأصلح الإنحرافات في كورنثوس وحرّر رسالته إلى أهل رومية وفيها عقيدة الخلاص باعتباره نعمة مجانية يهبها الله للذين يؤمنون بالربّ يسوع المسيح. وتعرّض بولس لمحاكمة من قبل الرومان بسبب ايمانه، وبعد سنوات انتهت المحكمة باطلاق سراحه وذهب إلى أسبانيا كما كان يرغب. وأوقف مرّة جديدة في حدود العام 67م في ظروف غير معروفة فاقتيد إلى رومية مع لوقا وحوكم كمواطن روماني وجرى قطع رأسه على طريق أوستيا، خارج المدينة.   
بشار إلى أن هامتي الرسل بطرس وبولس محفوظتان في بازليك القدّيس يوحنّا لاتران.بعض جسده تحت مذبح بازيليك القدّيس بولس خارج الأسوار والقسم الباقي مع جسد القدّيس بطرس تحت مذبح بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان.

 

تذكار القدّيسين المجيدين هامتي الرسل بطرس وبولس (بحسب كنيسة الروم الملكيّين الكاثوليك)

القدّيس بطرس هامة الرسل

كان بطرس يدعى أولاً سمعان، وكان من بيت صيدا، وكان أخاً لإندراوس. إلاّ أنّه كان يسكن مع أخيه مدينة كفرناحوم، وهناك شفى له الربّ حماته. وكان إندراوس من تلاميذ يوحنا المعمدان، ملازماً له، فعرّفه يوحنا بيسوع المسيح بعد اعتماده وصومه في البريّة، كما ذكرنا في سيرة إندراوس. ولمّا عاد إندراوس من تلك الزيارة التي أخذت عليه لبّه، لم يعد له حديث سوى عن يسوع وعذوبة شخصه وسمّو حديثه. فالتقى أولاً بأخيه سمعان، فقال له بلهجة الفرح والظفر: "قد وجدنا المسيح، وجاء به إلى يسوع". فنظر إليه يسوع وأحبّه، ومنذ اللحظة الأولى جعله الصخرة القوية التي سوف يشيد عليها كنيسته.

إنّ المعلّم الإلهي أبدل لسمعان إسمه، فدعاه بطرس أي الصخرة. فإنّه بمنحه إيّاه إسماً جديداً أراد أن يبيّن ما سوف يدعوه إليه من العمل المجيد في رئاسة الكنيسة.

ومن بعد زيارة سمعان الأولى ليسوع عاد إلى بيته وإلى شغله، لأنّه كان صيّاد سمك. ولم يكن يسوع بعد قد دعا أحداً ليلازمه ويكون من تلاميذه. إلاّ أنّ المعلّم الإلهي، لمّا عزم على الظهور للعالم وعلى اتّخاذ تلاميذ ليكونوا عوناً له وشهوداً على تعليمه ولآياته، ترك اليهودية وذهب إلى الجليل، إلى بلاد الوداعة والبساطة والقناعة، وجعل يدعو تلاميذه واحداً فواحداً. "وفيما كان يسوع ماشياًعلى شاطىء بحر الجليل رأى أخوين، وهما سمعان المدعو بطرس وإندراوس أخوه، يلقيان شبكة في البحر لأنّهما كانا صيّادين. فقال لهما: إتبعاني فأجعلكما صيادي الناس.فللوقت تركا الشباك وتبعاه. إنّ الدعوة الإلهيّة إلى شرف الرسالة مجّانية، فإنّ الله يدعو من يشاء ويمنحه من المواهب والعطايا ما يشاء.

إنّ بطرس هو على الدوام الأولفي الكلام، والأول في الإيمان، والأول في الحبّ، والأول في العمل. وإن ما يقوله يقوله الجميع، ولا يجرؤ أحد أن يقاومه أو يعترض عليه، لأنّه الأول بين الرسل، ولأنّه الزعيم. ولقد جلب له أحياناً تسرّعه في الكلام ملامة الربّ بل توبيخه. ومثل ذلك ما اتّفق له لمّا كان يسوع ينبئ بقرب آلامه، فقام بطرس على الفور وأنكر عليه ذلك.

إلاّ أن الفادي الإلهي لم يترك فرصة ملائمة إلاّ أكّد فيها لبطرس أمام الجميع أنّه يقيمه رئيساً لكنيسته، وأساساً للإنجيل الذي جاء يبشّر به، بل نستطيع القول أن الرب كان يخلق المناسبات خلقاً ليعلن أمام الرسل وأمام خلفائهم من بعدهم وأمام الأجيال المقبلة أنّه يريد بطرس أساساً ثابتاً أبديّاً للكنيسة جمعاء.

يظهر الفادي الإلهي، بقدر ما شاء أن يرفع بطرس إلى ما أراده من الرتبة السامية، سمح بسقوطه وإذلاله، ليبني ذلك البناء الشامخ على أساس التواضع والإعتماد على الله وعلى رحمته ومعونته، خوفاً من أن يستسلم ذلك الرئيس العظيم إلى الكبرياء الهدّامة ويعتمد على ذاته وقوّته وفضيلته وسمو منزلته. وسوف نرى في حياة بطرس الرسولية إنّ الميزة الكبرى التي لمع بها كانت فضيلة التواضع، التي بها سما إلى أعلى درجة في القداسة، ثم حمل علَمها ونصبه على شرفات عاصمة الدنيا، حيث لا يزال خفّاقاً وحيث يبقى كذلك إلى أبد الدهر.

ما أوسع صدر  الفادي الإلهي، وما أثبته في حبّه وفي تدبيره! أنّه كان عارفاً أن بطرس سينكره، وسوف يهرب من نظرة جارية. ومع ذلك كان قد وعده أن يجعله في كنيسته الصخرة الكبرى التي يقوم عليها البنيان، فبقي على وعده وقال له بلطف وعطف : إنّي صلّيت لأجلك ولأجل توبتك، فتشدّد وثق وطِب نفساً، ومتى رجعت أنت أنظر في شأن الرسل أخوتك.

إنّ دعوة يسوع لبطرس جعلته ركناً للكنيسة وزعيماً للرسل. أمّا سقطة بطرس فقد جعلته أماماً للقديسين المتواضعين الودعاء، وزعيماً للخطأة التائبين. ومنذ تلك السقطة المريعة أضحى بطرس يخاف من نفسه ومن ضعفه، ولا يجسر أن يعتمد على عزيمته وقوّة إرادته. لذلك لم نعد نراه في ساعات الآلام، ولا نسمع به، بخلاف الرسول الحبيب الذي رافق المخلّص حت أقدام الصليب. أمّا بطرس، فإنّه ذهب وانزوى في مكان منفرد وأخذ يبكي زلّته وجبانته.

بطرس هو الأول في كل شيء، إنّ يوحنا يترك سائر التلاميذ ويلتفت إلى بطرس،لأنّه يعلم أن الربّ يريده قبل الكل. أمّا بطرس فبقي هو هو، الرجل المحبّ ليسوع المخلص في حبّه، ألمتحمّس في حبّه. لم يعد له صبر لكي يعود بالسفينة إلى الشاطىء حيث كان يسوع، بل طرح نفسه في البحر ليصل حالاً ويقبّل قدمي ذاك المعلّم العطوف، الذي ينسى الإساءة ويذكر العاطفة الحسنة. فسرَّ يسوع بحركة رسوله واندفاعه، وسوف نرى كيف أظهر له رضاء عنه وثقته به.

وهكذا تمّت الرئاسة العليا، الرئاسة العامة، الرئاسة الكاملة، لبطرس.هكذا أراد الربّ، وهكذا تكلّم، فمن يردّ كلامه، أو من يعترض على تدبيره؟

ثم أتمّ يسوع كلامه مع بطرس، وتنبّأ له أنّه سيموت كما مات معلّمه، ضحيّة على الصليب. فانفرد بطرس مع يسوع. وهما وحدهما يعلمان ماذا كانت مناجاتهما، وماذا قال السيّد في الخلوة للعبد الذي أقامه ليخلفه على الأرض، ويأخذ على عاتقه تشييد الكنيسة.

وأراد الروح القدس أن يحمل المؤمنين الأولين على الطاعة والإنقياد لبطرس الرسول الرئيس الأعلى، وعلى احترامه أيضاً وإجلال سلطته.

وكان الرسل مواظبين على الصلاة في الهيكل. ويبشّرون ويعمّدون ويعملون الآيات والعجائب، ويهدون الألوف إلى الربّ إلههم. وكان بطرس زعيم ذلك العمل العظيم المجيد. و انتشر خبر تلك الزعامة في كل مكان.

وسار بطرس في طريق الجهاد الرسولي بعزم ثابت وغيرة مضطرمة وجرأة نادرة، ولكن مع وداعة وتواضع لا مثيل لهما. كان الأول في الجهاد والكلام والإقدام والصبر والإحتمال ولكن كان آخر الكل في الظهور في سائر الأمور.

وأثار اليهود على الكنيسة، ورجموا إستفانس بالحجارة، فتبدّد التلاميذ وحملوا إلى السامرة وإلى الجهات المجاورة كلمة البشارة. ثم عاد بطرس ويوحنا ولبثا هناك. وبقي بطرس في المدينة المقدّسة زماناً طويلاً.

ونعمت الكنيسة وقتاً ما بالسلام، فقام بطرس الرئيس الأعلى، وذهب يتفقّد الكنائس ويشرف على نموّها وازدهارها. فزار مدن لدّة ويافا وقيصرية، وفي هذه المدينة بدأ رسالته بين الأمم بوحي من الربّ فوجد بطرس في لدّة رجلاً مخلّعاً منذ ثماني سنين إسمه إينياس فشفاه، فآمن بالمسيح شعب كثير ورجعوا إلى الرب.

وأقام بطرس في يافا أياماً كثيرة، يبشّر بالمسيح ويعتمد ويمنح الروح القدس للمؤمنين. ولبث ضيفاً عند رجل يدعى سمعان البّاغ، ليبيّن للتلاميذ أنّه ليس في ديانة المسيح صناعة نجسة أو دنسة.

وأقام بطرس أياماً في قيصرية، يبشّر ويعتمد، ثم صعد إلى أورشليم. فخاصمه التلاميذ الذين من الختان لكونه قبل الأمم أيضاً في الإيمان. فأخذ بطرس يشرح لهم بكل وداعة ولطف أن الله هو الذي أرسله إلى الأمم، وكيف فاض عليهم الروح القدس فأصبحوا يتكلّمون بالّلغات ويتنبّأون.

وانتشرت كلمة الرب في كل الأنحاء. وفي انطاكية آمن عدد كبير على أيدي المبشّرين، ولا سيّما على أيدي بولس وبرنابا.ولمّا كان التلاميذ في كل مكان متّحدين برباط الإيمان والمحبّة، وحصلت في تلك الأيام مجاعة شديدة على أيام الملك كلوديوس، أرسل أهل انطاكية إلى الأخوة في أورشلبم إسعافاً ماليّاً على أيدي برنابا وبولس.

أمّا في أورشليم فإنّ اليهود كانوا ناقمين على القديس يعقوب الكبير، لجرأته وحماسته في التبشير بإسم الرب يسوع. فأراد الملك هيرودس أن يرضيهم، وهو إبن ارستوبولس وبرينيكا، وأخو هيروديّا، وحفيد هيرودس الكبير، فمسكه وقطع رأسه. فكسب عطف اليهود وزعيمهم. فجعله في السجن "وأسلمه إلى أربعة أرابع من الجند". وكان ذلك في شهر نيسان، قبل عيد الفصح بقليل، نحو سنة 42 للمسيح.

فوقع ذلك الإضطهاد على الكنيسة وقع الصاعقة، وهالها الأمر كثيراً، وأخذت "تصلّي إلى الله من أجل بطرس بلا انقطاع".  فسمع الربّ صراخ المؤمنين، فأرسل ملاكه ليلة أزمع هيرودس أن يقدّم هامة الرسل للشعب.

وفي الغد، لمّا رأى هيرودس أن بطرس قد أفلت من يده، غضب على الجند وأسلمهم إلى العذاب، وسافر قاصداً قيصرية. وهكذا نجا رئيس الكنيسة من القتل بواسط الصلاة ولأنّ الكنيسة كانت لا تزال بحاجة إليه وإلى فضائله وإدارته.

وبعدما خرج بطرس من السجن لا نعلم أين ذهب، لأنّ كتاب الأعمال لا يذكر شيئاً من ذلك. إنّما الذي نعرفه من التقليد أنّه ذهب إلى انطاكية، وبقي هناك أياماً يرعى شؤون تلك الكنيسة الزاهرة، حيث دُعي التلاميذ مسيحيين أولاً. إلاّ أن الروح القدس كان ولا شك يوحي إليه بأن يذهب إلى رومة، حيث العمل أوسع، وحيث كان يريد المعلّم الإلهي أن يُنشىء الرئاسة العامة على الدوام للكنيسة. فذهب إلى رومة، وبدأ هناك عمله الرسولي العظيم. ويقول جمهور المؤرخين المسيحيين أنّه أقام في رومة خمساً وعشرين سنة. ولا بد لنا أن نقول كلمة في ذلك.

وقضى بطرس سنين طويلة يبشّر في رومة، وهدى إلى الإيمان بالمسيح ألوفاً عديدة، وجعل التقوى والفضيلة، ولا سيّما العفّة والبتولية، تزدهر في تلك العاصمة المنغمسة في الفساد والرذائل وجميع أسباب اللهو والفجور. فكان عمله شاقاً، لكنّه نجح بنعمة الروح القدس.

ولمّا استطاع أن يحمل الكثيرات من النساء الشريفات على التمسّك بأهداب العفّة، بل على نذر البتولية، قامت قيامة الحكّام عليه، وراحوا يتحيّنون الفرص للإيقاع به.وساعدهم القدر، فغضب أيضاً  نيرون الملك عليه. وذلك أن ساحراً يدعى سيمون كان يطغي الشعب بشعوذاته وسحره ويصدّ الكثيرين عن طريق الربّ، وكان ذا منزلةٍ عند القيصر. فصعد يوماً بنفسه إلى طبقات الجوّ كأنّه محمول على الغيوم، وكان الشعب المزدحم يصفّق ويهلّل. فجثا الرسولان بطرس وبولس وأخذا في الصلاة. وما هي دقائق معدودة حتى خانت سيمون طرق سحره، فهبط من علُ إلى الأرض وتحطّم. فسخط نيرون على الرسولين، ورأى المؤمنون الشرّ في عينيه.

فأخذ الأخوة، ضغارهم وكبارهم، يتضرّعون إلى بطرس ليتوارى عن العيان ويخرج من رومة ريثما تهدأ  الزوبعة.

وقبض نيرون على بطرس وحكم عليه بالصلب. فلمّا أُتي به ليُصلب طلب إلى الجند أن يجعلوا رأسه إلى تحت ورجليه إلى فوق، لأنّه قال: أنّه لا يستحق ذلك الشرف الأثيل بأن يعلّق على الصليب كما عُلّق الفادي الإلهي. فصلبوه كما اشتهى، هكذا مات شهيداً بتواضع عميق وذهب لينضم إلى معلّمه وفاديه المحبوب. ودفن على قمّة الفاتكان.

القدّيس بولس الرسول

ولد بولس في طرطوس، عاصمة ولاية كيليكية، من أبوين يهوديين من سبط بنيامين في أوائل سني المسيح. ودُعي بالعبرانية شاول، على إسم أول ملوك إسرائيل الذي كان أيضاً بنيامين. ودُعي أيضاً بإسم بولس، وهو إسم روماني، لأنّ أسرته كانت تتمتّع بالجنسية الرومانية.

ولمّا كان أبوه من جماعة الفريسيين، وهي جماعة كانت قد أفرطت في التمسّك بالشريعة وبمراسيم وتقاليد لا طائل تحتها، ربّاه على تلك الطريقة، وسهر على بثّ روحها في عقله وفي قلبه، ثم أرسله إلى أورشليم بغية أن ينال من مبادىء تلك الطريقة قسطاً وافراً على يد المعلّم الكبير جمليئيل. فنشأ بولس فريسيّاً متحمّساً للشريعة، ويهاجم بكل قواه من يجرأ على أن يمسّها بمخالفة أو ينالها بأذى.

ولمّا رأى مجلس الفريسيين ومحفلهم الأكبر يضطهدان الرسل والمسيحيين الأولين، أخذ هو يغالي في ملاحقتهم وتعنيفهم، حتى أصبح من كبار مضطهدي تلاميذ الرب يسوع.

وقد كان من المشّجعين على قتل إستفانس أول الشهداء، ليشفي غليله من أولئك الذين يجرأون على شريعة موسى والديانة اليهودية.

ومع هذه الثقافة الدينية العبرية، كان بولس يعرف الآداب اليونانية أيضاً، ولكن معرفة بسيطة، بحيث أن رسائله التي كتبها بهذه اللغة هي بسيطة التعبير ولا تخلو جملها من التعقيد. وإن ما نراه من الجمال والروعة في تلك الرسائل إنّما هو صادر عن سمو المعاني وشدّة العاطفة المتأجّجة في قلب ذلك الرسول العظيم.

وفوق تلك الثقافة الدينية التي كان بولس يرجو منها أن يكون يوماً معلّماً يهودياً ورئيساً روحيّاً.

ولم تذكر أعمال الرسل ولا الرسائل أن بولس رأى يسوع أو سمعه في أيام تبشيره.وليس ذلك بغريب ولا بكثير على طبيعته المتّقدة الفيّاضة، ورغبته المتحمّسة في الدفاع عن ديانة آبائه وأجداده. ولذلك كاد يضيّع رشده من الغيظ لمّا رأى الكثيرين من اليهود أنفسهم يهجرون شريعة موسى ويتبعون تعاليم المسيح. فعاد مسرعاً إلى أورشليم، وأخذ يضطهد المؤمنين ويلاحقهم حتى في بيوتهم، ويخرجهم مكبّلين بالسلاسل، رجالاً ونساءً، إلى رؤساء الكهنة، لكي ينالوا بالضرب والسجن جزاء إيمانهم بالمسيح.

لكن الله، الذي كان ينظر بمرارة إلى أعمال بولس وإلى غيرته الطائشة، وذكر الله أيضاً صلاة إستفانس أول الشهداء الذي رجمه اليهود بالحجارة، وكان بولس شريكاً لهم في جنايتهم.

وكان شاول- أي بولس- لا يزال يقذف تهديداً وقتلاً على تلاميذ الربّ. وكان بولس، كلّما اقترب من تلك المدينة العظيمة، يزداد غضبه إضطراماً، ويشتعل حماسة، وينظّم خططاً للتشفّي من أولئك اليهود الذين كفروا بإلههم وتبعوا "ذلك المضلّ" الذي يزعمون أنّه المسيح.

لكن كلمة الآب، الذي تخضع لإشارته العناصر يُخرج من الظلمة نوراً، كان ينتظره هناك في سهول دمشق.

إنّ الله تكلّم من وسط الصاعقة ودعا بولس إلى خدمته. لكنّه أرسله إلى تلاميذ دمشق ليرسموا له الخطط التي يريد منه أن يسير عليها.

فما كاد شاول أو بولس يعتمد ويمتلىء من الروح القدس حت تحوّل من مضطهد إلى مجاهد، ومن يهودي متعصّب إلى رسول يريد أن يخطف الدنيا بسيف الإيمان ليقدّمها إلى المسيح مخلّص الكل وملك الكل. ومن تلك الساعة أصبح بولس رسول المسيح إلى اليهود وإلى الأمم، بل أضحى بنعمة الروح القدس جيشاً من الرسل، ليصارع جيوش الوثنية ويبدّدها، ويأتي بالألوف من بني جنسه صاغرين إلى أقدام ذاك الذي علّقوه على خشبة، وهم لا يدرون أنّه المسيح إبن الله مخلّص العالم.

قضى بولس ثلاث سنوات يتردّد بين دمشق وبلاد العرب المجاورة لها، يصلّي ويملأ قلبه وعقله من تعاليم السيّد المسيح ومن إلهامات الروح القدس. وكان عند الإقتضاء يعلّم ويبشّر ويدحض اليهود ويبرهن أن يسوع هو المسيح. ثم ذهب إلى أورشليم " ليزور بطرس". فأقام  في ضيافته خمسة عشر يوماً. وجعل يأتي الهيكل كل يوم مع الرسل، ويدعو الناس بجرأة وقوّة غلى الإيمان بالمسيح. وكانت له  في أورشليم صداقة مع برنابا. وسوف يكون لتلك الصداقة شأن كبير في تاريخ الرسالة التي سيقوم بها بولس في البلاد اليونانية.

بيد أن اليهود في أورشليم واليونانيين، لمّا رأوا كيف اصبح بولس تلميذاً جريئاً قويّ البرهان صادق العزيمة، يهاجمجم بآيات الكتاب وأقوال الأنبياء ليبين للجموع أن يسوع هو المسيح، صمّموا على قتله. فخاف التلاميذ على حياة بولس، فأنزلوه إلى قيصرية وأرسلوه من هناك إلى وطنه طرسوس.أمّا هو فمرّ في أقاليم سورية وكيليكية يعظ ويبشّر.

إلاّ أن برنابا ما لبث أن جاءه إلى طرسوس، وباحثه في أمر تبشير اليونانيين وسائر الأمم في مدينة انطاكية العظمى. فقبل بولس وسار مع برنابا إلى انطاكية. فتعزّى قلب بولس تعزية كبيرة بين ذلك الشعب المسيحي الجديد المملوء غيرةً وفضيلة.

وحدث جوع شديد على أيام كلوديوس قيصر، وتألّم منه أهل أورشليم أكثر من سواهم. فرقّ بولس لحاهم، وقام يجمع لهم الحسنات من المؤمنين الأنطاكيين. وحمل ذلك المال مع رفيقه برنابا وذهب به إلى أورشليم، فدفعه إلى الكهنة والشيوخ فوزّعوه على المحتاجين.

وعاش بولس فقيراً نظير يسوع معلّمه، بل أحبّ الفقر ولم ينسَ الفقراء طول حياته.

وعاد بولس وبرنابا إلى انطاكية. وكان في تلك الكنيسة أنبياء يتكلّمون كلام بنيان وموعظة وتعزية، ومعلّمون يشرحون للتلاميذ حقائق الإيمان وتعاليم المخلّص. وهكذا أضحى بولس وبرنابا أسقفين بوضع الأيدي، وبدآ معاً حياة الرسالة الكبرى بين الأمم. ومن تلك الساعة بدأ بولس الشطر الجديد، الشطر العظيم من حياته الرسولية الكبرى. فأخذ يطوف الدنيا واعظاً مبشّراً، لا يعبأ بجوع ولا بتعب ولا بسهر، يحتمل الإضطهاد والضرب والسجون ، وقد تجرّد من شخصيته وجنسيته ومن طبيعته، وصار كلاًّ لكل ليربح الكل ليسوع المسيح.

للقديس بولس سفرات رئيسية ثلاث، قام بها يبشّر الأمم بكلمة الخلاص.

وأقام بولس في رومة سنتين يبشّر بالإنجيل كعادته. ولا يزيد سفر الأعمال على ما تقدّم شيئاً.

ويقول بعض المؤرّخين أنّه بشّر أيضاً في إسبانيا وعاد إلى رومة. ولكن ليس لدينا ما يثبت ذلك، ولا ماذا فعل في تلك الأيام.

وأمسكوه ثانية وقادوه إلى رومة، وهناك سجنوه. فتباعد عنه جمهور أصدقائه، ولم يبقَ موالياً سوى بعض الأخصّاء، ومنهم رفيقه الأمين.

وفي آخر الأمر حُكم عليه بالموت لكونه مسيحيّاً ومن القادة بين المسيحيين، كما أمسك القديس بطرس هامة الرسل وقضي أيضاً بإعدامه. أمّا بولس فقُطع رأسه بالسيف لكونه من الرعوية الرومانية.

وهكذا قضى بولس، ذاك الذي سمعت الأرض أقواله، وارتوت الدنيا من عرقه ومن دمه، ونبتت الكنائس في المدن الكبيرة والأرياف البعيدة على يده.

 

تكريس كنيسة قزمان ودميان واخوتهما (الكنيسة القبطيّة الارثوذكسيّة)

في هذا اليوم نعيد بتذكار تكريس كنيسة القديسين قزمان ودميان واخوتهما انتيموس ولاونديوس وأبرابيوس وأمهم ثاؤذوتي كانوا من إحدى بلاد العرب وكانت أمهم تخاف الله محبة للغرباء رحومة وقد ترملت عليهم صغارا فربتهم وعلمتهم مخافة الرب.

وتعلم قزمان ودميان مهنة الطب وكانا يعالجان المرضي بلا أجر أما اخوتهما فمضوا إلى البرية وترهبوا، ولما كفر دقلديانوس وأمر بعبادة الأوثان أعلموه عن قزمان ودميان أنهما يبشران في كل مدينة بالسيد المسيح ويحرضان علي عدم عبادة الأوثان فأمر بإحضارهما وتسليمهما لوالي المدينة الذي عذبهما بأنواع العذاب المختلفة ثم استعلم منهما عن مكان اخوتهما ولما عرفه استحضرهم وأمهم أيضا فأمر أن يعصر الخمسة في المعصرة ولما لم ينلهم آذى أخرجهم وألقاهم في أتون النار ثلاثة أيام وثلاث ليال ثم طرحهم في مستوقد حمام وأخيرا وضعهم علي أسرة من الحديد الساخن وفي هذه جميعها كان الرب يقويهم ويشفيهم ولما تعب الوالي من تعذيبهم أرسلهم إلى الملك فعذبهم هو أيضا وكانت أمهم تعزيهم وتصبرهم فانتهرها الملك فلعنته في وجهه ولعنت أوثانه النجسة فأمر بقطع رأسها ونالت إكليل الشهادة. وبقي جسدها مطروحا لم يجسر أحد أن يدفنه وكان القديس قزمان يصرخ في أثناء ذلك قائلا: "يا أهل هذه المدينة أليس بينكم أحد ذو رحمة فيستر جسد هذه الأرملة العجوز ويدفنها؟ " عند ذلك تقدم بقطر بن رومانوس وأخذ الجسد وكفنه ثم دفنه.

ولما علم الملك بما عمل بقطر أمر بنفيه إلى ديار مصر وهناك نال إكليل الشهادة وفي الغد أمر الملك بقطع رؤوس القديسين قزمان ودميان وأخوتهما. فنالوا إكليل الحياة في ملكوت السموات. وبعد انقضاء زمان الاضطهاد بنيت لهم كنائس عديدة أظهر الرب فيها آيات وعجائب كثيرة شفاعتهم تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.