دينيّة
19 تموز 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 19 تموز 2017

تذكار الشهيد مارغريتا (بحسب الكنيسة المارونية) كانت مرغريتا من انطاكية ابنة ايزيديوس كاهن الاوثان. ماتت امها اثر ولادتها فسلمها ابوها الى مرضع مسيحية فربتها على مبادئ الدين المسيحي. ولما عرف ابوها استاء جداً وشاء ان يردها الى الوثنية، فأخذ يعنفها لتكفر بالمسيح، فلم ينجح. لذلك طردها من البيت، فرفقت بها مرضعها واخذتها الى بيتها.

 

وبينما كانت يوماً ترعى غنم سيدتها، رآها الوالي اوليبريوس، فراقه جمالها ورغب في ان يتزوجها. فسألها من هي فأجابته:" اصلي معروف بالشرف في المدينة وانا امة لربي يسوع المسيح، احبه واعبده منذ صغري". فقال لها ما اسمك؟ قالت: يسميني الناس مارغريتا ولي اسم اشرف وهو "مسيحية". فأخذ يلاطفها لترضى بأن تكون زوجة له. فأبت. فحنق وتحول هيامه بها الى حقد وبغض شديد. ولما صدر الامر باضطهاد المسيحيين، نحو سنة 300 ارسل فألقى القبض عليها وطرحها في سجن مظلم ومنع عنها الطعام، فظهر لها ملاك الرب يشددها ويعزيها.

ثم استحضرها الوالي امام مجلس حافل وأمرها بأن تنثني عن غيها، فتكون براحة وهناء، والا فالعذاب والموت. فأجابته:" ان راحتي وحياتي في محبتي لربي يسوع المسيح. واعلم ان لا عذاب ولا موت ولا قدرة بشرية يمكنها ان تنزع من قلبي هذا الكنز الثمين". حينئذ امر الوالي بتعذيبها، فعلقوها بشعر رأسها وجلدوها جلداً عنيفاً، حتى تمزق جسدها وسالت دماؤها وهي صابرة، فآمن كثيرون من الحاضرين. فأعادها الوالي الى السجن، فأخذت تصلي الى الله ليقويها على تحمل العذاب ويؤهلها الى سفك دمها حباً له.

فأخرجها الوالي من السجن وأمر فَكَووها بصفائح حديد محمية، فاستمرت صابرة تشكر الله على نعمة الاستشهاد. ولما عجز الوالي عن اقناع فتاة ضعيفة أمر بضرب عنقها فنالت اكليل الشهادة نحو سنة 300.

ويسميها الروم مارينا الشهيدة العظيمة وهي غير مارينا شفيعة دير قنوبين التي مر تذكارها اول أمس. وغير مارينا السلوقية التي كانت سنة 1056. صلاتها معنا. آمين.

 

القدّيسة مكرينا البارة أخت باسيليوس الكبير (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

هي أخت القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس النيصصي، وهي البكر في عائلة قوامها عشرة أولاد جلّها قديسون. أبصرت النور سنة 327م. نشأت على الأخلاق الحميدة، وتربت بحسب ما أوصى به الكتاب المقدّس. كانت مزامير داود ترافقها في كل أنشطتها: في نهوضها، في انكبابها على العمل، في استكمالها له، قبل المائدة وبعدها، قبل رقاد النوم، وفي النهوض ليلاً للصلاة. سميت مكرينا على اسم جدَّتها مكرينا الكبرى.
بعد أن رقد والد مكرينا سنة 341م، تسلمت إدارة الملكية العائلية الواسعة في البنطس وبلاد الكبادوك وأرمينيا. وهكذا بمثالها الطيب، دعت أمها إميليا إلى التحول صوب الخيرات التي لا تفنى، أي التأمل في الله والفلسفة والحق. بنتيجة ذلك سلكتا معاً في الحياة النسكية وأقبلتا على القراءة والتأمل في الكتب المقدَّسة. وقد كانت مكرينا للجميع حامية ومربية ونموذج فضيلة في آنٍ معاً.
عاشت مكرينا ورفيقاتها في معتزلهن في سيرة على الحدود بين الطبيعة البشرية والطبيعة الملائكية. لم يكن يُرى لديهن لا غضب، ولا حسد، ولا حقد، ولا تعاظم ولا شيء مثل ذلك.
بلغت مكرينا حداً من اللاهوى، جعلها مثالاً في ضبط النفس والإيمان بالحياة الأبدية. خاصةً بعدما تعرضت للعديد من الحوادث التي أصابت عائلتها كوفاة أخيها نكراتيوس، وباسيليوس، ووفاة بعض شريكاتها في الأخوية.
مرضت قديسة الله وأضناها المرض إلى أن رقدت بسلام واضعةً روحها الطاهرة بين يديّ الرب الذي كانت تتعجل في الانضمام إليه. فبعد أن زارها أخوها القديس غريغوريوس النيصصي بعد تسع سنوات من الغياب، تحدّثا كثيراً عن طبيعة الإنسان ومعنى الخلق والنفس وقيامة الأجساد، رسمت إشارة الصليب على عينيها وفمها وقلبها بعد أن صلّت، ثم رقدت. وريت قديسة الله الثرى في إيبورا، في الضريح الذي ضمّ رفات ذويها، في كنيسة الأربعين شهيداً. وقد ترأس خدمة الراقدين أخوها القديس غريغوريوس النيصصي.

 

تذكار أمّنا البارة ماكرينا أخت القديس باسيليوس الكبير (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

ولدت ماكرينا في قيصرّية الكبّاذوك، في أوائل القرن الرابع، من أبوين تقيين فاضلين هما باسيليوس وأميليا. فدُعيت ماكرينا، على إسم جدّتها القديسة ماكرينا ذات الحسب والنسب والفضيلة الكبرى والأخلاق الجميلة، تلك التي تكلّم عليها حفيدها باسيليوس الكبير في كتاباته وأطرأ فضائلها.

ونالت ماكرينا الصغيرة في بيت أبيها من حسن التربية حظّاً وافراً، لأن باسيليوس الأب كان رجلاً راسخاً في الإيمان، أميناً في القيام بواجباته كزوج وكأب مسيحي، وكانت أميليا الأم إمرأة قديسة جعلت نعيمها على الأرض وإكليلها في السماء تربية بنيها العديدين على الفضائل المسيحيّة الحقّة. وكانت ماكرينا كبيرة أخوتها باسيليوس وغريغوريوس وبطرس ونوكراس، كما كانت بكر شقيقاتها أيضاً. وما كادت تبلغ أشدّها حتى كانت الساعد اليمين لأمّها في القيام بواجبات تلك الأسرة الكبيرة. فكانت في تلك الأسرة الكريمة أمّاً ثانية، بخدمتها ومحبّتها وتفانيها وصبرها وصدرها الواسع ونظرها الثاقب.

ومات أخوها الصغير نوكراس، فكانت لأمّها ملاكاً صالحاً قامت تعزّيها وتؤاسيها وتخفّف عنها وطأة الأحزان بمحبّتها وغيرتها ووداعتها. فكانت تستمدّ من قراءة الكتاب المقدّس قوت نفسها وغذاء حياتها. ومات أبوها، وخلّفَ أموالاً طائلة وعيلةً كبيرة، فقامت مع أمّها بذلك الحمل، وكانت رغم حداثة سنّها السيّدة المحترمة المطاعة. وخصّصت بتوليتها لله لتعيش عذراء وتخدم أخوتها، فكانت تلك الصبيّة الفنّانة التي أخرجت أناملها أجمل الشباب والفتيات وأكابر القديسين. وأخوتها الثلاثة باسيليوس وغريغوريوس وبطرس صاروا أساقفة وأحصوا بين القديسين. أمّا أخوتها فتزوّجن وحملن إلى أسرهِن الأخلاق المسيحيّة الجميلة التي اقتبستها على حضن أختهنّ البكر ماكرينا.

وأقبل الشاب عليها يطلبون يدها ويخطبون ودّها، فكانت ترفضهم بوداعة واحتشام، لأنّها كانت قد وهبت قلبها لعريس أسمى وأكرم، ولخدمته في شخص أخوتها.

ونال أخوتها كلّهم مع تهذيب القلب ثقافة العقل. وذهب باسيليوس إلى القسطنطينيّة ثم إلى أثينا، حيث برع في العلوم ونال قصب السبق في ميدان الفصاحة والبيان. وكان المستقبل الباهر ينتظره في الدنيا، وربما كان نجاحه عرّضه لأخطار الكبرياء. لكن ماكرينا كانت قد سهرت على حداثته، وصلّت مدّة سني غيابه لأجله، وقامت تباحثه وترشده عند عودته، فزهد في الدنيا وفي أمجادها وفي عظمتها وكبريائها، وذهب فسجن نفسه في القفر، وأضحى الناسك الكبير، ريثما يصير الأسقف العظيم على مدينة قيصريّة نفسها. وسار غريغوريوس على مثال أخيه، فأقيم أسقفاً على مدينة نيصص، وبطرس أضحى أسقف مدينة سبسطية في أرمينيا الصغرى.

فلمّا أتمّت ماكرينا سعيها واستوثقت من سير أخوتها في طريق البرارة والقداسة، أقبلت على أمّها العجوز، ترغّبها في إنشاء دير للراهبات تقضيان فيه معاً ما بقي لهما من العمر في أعمال النسك وتقديس النفس بالفضائل الرهبانيّة السامية. فراقت لأميليا الفكرة الصائبة، وتشيّد الدير وسجنت فيه أميليا شيخوختها، وماكرينا شبابها.

وما كادت تلك البتول القديسة تتحصّن وراء أسوار الدير حتى فاقت الجميع، بنشاطها في الصلاة، وحرارتها في العبادة وكثرة الإماتات وجمال الوداعة. فاختارتها الراهبات رئيسة لهنَّ، لترشدهنَّ في سبل الكمال المسيحي. فوضعت لهنَّ ماكرينا فرائض ملؤها الحكمة والفطنة. فجعلت في أساس الحياة الرهبانيّة فضائل الفقر والتواضع والطاعة، وعيّنت لهنَّ أوقاتاً للصلاة وغيرها للأشغال اليدويّة، وعوّدتهن أنواع الإماتات والصيامات وقهر النفس والتجرّد عن المحبّة الذاتيّة، فأشرق ذلك الدير بالفضائل الجميلة الرهبانيّة.

وأراد الرب أن يكمّل تنقية تلك النفس الطاهرة، فسمح بأن تُبتلى بمرض خبيث من نوع السرطان، كان يؤلمها جدّاً وكانت تتحمّل مضضه بصبرٍ جميل وتسليم تام لمشيئة الرب. ولمّا كاد ذلك الداء أن يوصلها إلى عتبة القبر هلع قلب أمّها العجوز القديسة عليها، فصلّت لأجلها وباركتها بإشارة الصليب فبرئت.

ولم تطل من بعد ذلك أيام تلك الأم، بل رقدت رقدت بسلام رقود القديسين، وطارت إلى الأخدار العلويّة، تحملها أعمالها الصالحة وصلوات بنيها الأساقفة الأبرار وإبنتها ماكرينا القديسة الكبيرة. ولمّا وارت ماكرينا جسد والدتها في اللحد، جمعت كل ما آل إليها بالإرث من والديها، فوزّعته كلّه على الفقراء  وقامت هي تشتغل بيديها مع بناتها الراهبات لتعيش. أن الكمال الإنجيلي هو حقّاً كمال السماء وكمال الأرض. 

إلاّ أن ماكرينا ما لبثت أن لحقت بوالدتها، لأن إكليلها كان قد كمل ورسالتها قد انتهت، فدعاها الله إليه ليجزل لها المكافأة السماويّة. وأبهج الرب أيامها الأخيرة بحضور أخيها غريغوريوس أسقف نيصص. فماتت بين يديه وهي تسبّح الرب وتقول: أشكرك يا إلهي، لانّك منحتني ما طلبته من جودك وأرسلت لي أخي لكي أراه قبل أن أموت. ثم أدارت وجهها إلى الشرق، ورسمت إشارة الصليب على جبهتها وعلى شفتيها وعلى صدرها، وغابت عن الحواس وهي تصلّي وتناجي عروسها الإلهي، وأسلمت الروح نحو سنة 379.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً: أحد آباء المجمع الخلقيدوني المسكوني الرابع.

في الأحد الذي يلي اليوم الثاني عشر من هذا الشهر تقيم عيد آباء المجمع المسكوني الرابع. راجع ما ذكرنا بشأنه في سيرة القديسة أوفميّا في اليوم الحادي عشر من هذا الشهر.

وفي مثل هذا اليوم أيضاً: القديس منصور دي بول مؤسس جمعيّة الآباء اللعازريين وراهبات المحبّة

ولد منصور في قرية رَنكين Ranquines القريبة من مدينة دَكس، في الجهات الجنوبيّة الغربيّة من فرنسا، على حدود التلال المطلّة على مدينة بوردو، في 24 نيسان (إبريل) سنة 1576. وكان أبواه، يوحنّا دي بول وبرترانده دي موراس، من عامة الناس الذين يأكلون خبزهم بعرق جبينهم. لكن مخافة الله وأعمال التقوى كانت ثروة كبرى لهم، وعنوان حسبهم ومجدهم. وبقي منصور حياته كلّها يذكر وضاعة نشأته، ويعيد على مسامع الناس، ولاسيّما في أيام مجده ورفعته، أنّه فلاّح إبن فلاّح، وأنّه كان يرعى الخنازير في حداثته.

وجُبل منصور من رقّةٍ وحنان وعاطفة سخيّة. ثم لمّا كبر حلّى هذه المزايا بتواضع عميق، وغيرةٍ نشيطة، فكوّن بهذه المواهب والفضائل شخصيّة عظيمة قويّة تركت في الدنيا أثراً لا يبلى ولا تمحو الأيام والأعوام.

واعتاد منذ نعومة أظفاره العطاء، فكان لا يمنع سائلاً بل يبذل كل ما لديه بكرم وسخاء.

وعني أبوه يوحنّا بتعليمه، فأرسله إلى مدرسة الآباء الكوردلييه Cordeliers في مدينة دَكس. فامتاز بتقواه ونباهته واجتهاده. ونجح في الدروس نجاحاً كبيراً، فكلّفه أحد المحامين أن يدرّس أولاده. فعاش في بيته، ولم يعد عبئاً على والديه. وبقي يعلّم أولئك الأولاد، ويتابع هو دروسه، حتى صار إبن عشرين سنة. فعزم على الدخول في سلك الكهنوت، والتفرّغ لخدمة الله والنفوس.

فدرس منصور الفلسفة واللاهوت مدّة سبع سنوات على أساتذة مدينة تولوزا في فرنسا ومدينة سرقسطة ((Saragosse في إسبانيا. وفي سنة 1600 رُقي إلى درجة الكهنوت المقدّسة. ولمّا كانت ثقافته عالية ومتينة عيّنه رؤساؤه أستاذاً في الكليّة اللاهوتيّة في تولوزا. وهكذا بدأ حياته الرسوليّة بالتعليم.

ولمّا كان الله قد أعدّه ليحمل رحمته إلى الشعوب، أراد أن يؤسّس فضيلة هذه النفس الكبيرة على صخرة الجلجلة، وأن يهيّىء الرسالة الكبرى التي سوف يدعوه إليها، بمحن البؤس والشقاء. لانّه منذ تمَّ سر الفداء بالصليب، رسم الرب أن لا يتمَّ فداء على الأرض إلاّ بالشدائد والآلام.

وذهب الأب منصور يوماً إلى مدينة مرسيليا، على شاطىء البحر الأبيض، ليتسلّم ميراثاً كان يعود إليه. وعند عودته سلك طريق البحر. وإذا بالقرصان ينقضّون على المركب الذي هو فيه ويسوقونه بماله ورجاله وركّابه إلى مدينة تونس في إفريقيا الشمالية. وهناك باعوه هو ورفاقه بيع العبيد الأرقاّء. فصبر هذا الكاهن الجليل على محنته هذه الشديدة الأليمة، وسلّم أمره إلى الله، وقام يخدم نظير سائر العبيد في بيوت ومزارع أسايده. وهكذا إضطُرَّ أن يترك قدّاسه ودروسه وتلامذته وصحبه وكل ما ألِفه من حياة الكهنوت الشريفة السامية، ويعيش عيشة الذل في تلك البلاد القاصية. إلاّ أنّه لم يتذمّر، ولم يترك شيئاً من عباداته وصلواته وتأملاته. بل كانت له تلك السنوات الأليمة صحراء رهبانيّة عوّد نفسه فيها أسمى الفضائل والكمالات المسيحيّة.

لكن الله الساهر على مقدرات بنيه لا يترك أصفياءه في محنهم إلى الأبد. فقرّر له أن اشتراه أحد قدماء المسيحيين، وكان من الذين جحدوا دينهم وانتحلوا الإسلام، والتحقوا بأمراء تلك البلاد. فأعاده منصور إلى إيمان آبائه وأجداده، وحمله على هجر البلاد التونسيّة والعودة إلى فرنسا مسقط رأسه. فعادا كلاهما معاً، وتهلّل بهما كل من رآهما وعرفهما. ودعاهما وكيل السفير البابوي في أفينيون إلى زيارة رومة بصحبته، ليفرح الأب الأقدس بما منَّ الله على كلٍ منهما من المواهب. فسافرا إلى رومة.

وهكذا أُتيح للأب منصور القديس أن يزور المدينة الأبديّة، ويعفّر جبهته بأعتاب كنائسها الفخمة، وأقام في رومة ردحاً من الزمان في ضيافة الوكيل البابوي.

ومن رومة أرسل إلى باريس، إلى الملك هنري الرابع، في مهمّة ذات شأن. فقام بها خير قيام. لكنّه أبى على نفسه أن يسعى لدى البلاط، ليصل بواسطة من تعرّف بهم من الخاصة، إلى مركز رفيع، ، أو إلى وظيفة تدرّ عليه الأموال، رغم أنّه كان فقيراً معدماً. بل اكتفى بإتمام عمله، والإنفراد في حجرة بسيطة في شارع سان جرمان، ريثما يعود إلى مكان شغله ووظيفته.

وقدّر الله له من جديد أن أحد جيرانه إتّهمه بسرقة مال له. فتألّم منصور كثيراً من هذه التهمة، وتواضع وصبر، وتضرّع بدموع إلى الله لكي يُظهر براءته صوناً لشرف الكهنوت. لكن الله سمح بأن منصور يتألّم في قلبه وفي أفكاره سنين طويلة ممّا نُسب إليه، ليطهّر بنار العذاب الأليم فضيلته. أخيراً ظهر اللص الحقيقي، فكتب صاحب المال إلى القديس يتضرّع إليه أن يصفح عنه، ويقول في كتابه له أنّه مستعد أن يأتي وينطرح على قدميه ويطلب منه الصفح عمّا أساءَ به إليه. أن شجرة القداسة لا تنمو إلاّ على جبل الجلجلة.

ثم عاف القديس منصور الحياة بين الناس، وطلب إلى الآباء الأوراتوريين أن يقبلوه في ديرهم بصفة ضيف عندهم، لكي يتفرّغ للعبادة والصلاة. فقبلوه على الرحب والسعة. وكان رئيسهم إذ ذاك الأب دي بيرول، الكاهن القديس والمعلّم الجليل في الروحيّات. فاتّخذه منصور مرشداً له. فما عتّم هذا الرئيس الجليل أن رأى في ضيفه الجديد نفساً قد ملأها الروح القدس من أنواره ومواهبه، فعلم أن الله يدعوه إلى رسالة كبرى في كنيسته.

وبعد مدّة دعاه الرؤساء إلى خدمة قرية حقيرة. فلبّى الدعوة، موقناً أنّه لا يستحق أكثر من ذلك، وأنّه إنّما خُلق للشغل العادي البسيط. فأخذ يتفانى في خدمة أولئك الفلاّحين، ويسعى لإنماء أزهار الفضائل في قلبه وفي قلوب رعيّته. وبقي كذلك إلى أن أوجد له المسيو دي بيرول وظيفةً ذات شأن لدى الجنرال فيليب عمانوئيل دي كوندي، كونت دي جوانيي، وكان هذا الجنرال مدير السجون البحريّة Les Galères. فأسكنه هذا في بيته، ووكّل إليه تهذيب وتثقيف أولاده. وكان للجنرال زوجة تقيّة فاضلة. فلمحت هذه السيّدة الشريفة ما كان عليه الأب منصور من ثقافة عالية، وتقوى راهنة، فاتّخذته مرشداً لها، وسلّمت إليه إدارة نفسها وأعمال رحمتها. فانفسح الأفق أمام القديس منصور، وبدأ منذ ذلك الحين حياته الرسوليّة الكبرى، حياة الرحمة التي دعاه الله إليها.

ولمّا رأى الجنرال دي كوندي ما كان عليه هذا الأب الغيّور من المزايا الرفيعة والصدر الرحب، عيّنه مرشداً روحيّاً أول للسجون البحريّة، ووكّل إلى غيرته الرسوليّة إسعاف السجناء المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة على المراكب البحريّة الشراعيّة، لأنّ حالة هؤلاء التعساء كانت تدعو إلى الشفقة والرحمة.

فبرز الأب منصور بين الصفوف، وصار عَلَمَ الرحمة الخفّاق في البلاد. فبدأ أولاً وملأ الأراضي الخاضعة لإمارة الجنرال وزوجته من أعمال البرّ والشفقة. وبنى للمرضى من سجناء المراكب الحكوميّة مستشفى في باريس وآخر في مرسيليا. وتبنّى هؤلاء التعساء، وأخذ على عاتقه تخفيف مصائبهم وأثقالهم.

ما كانت العناية الإلهيّة تفتح أمام هذا النسر الكبير أبواب رحمتها، حتى مدَّ جناحيه وأطلقهما للهواء، ضارباً في كل فضاء. وأن المشاريع الكبرى التي حقّقها إنشاء "جمعيّة كهنة الرسالة "Les prêtres de la mission ، وتأسيس "جمعيّة بنات المحبّة" Les Filles de la charité، وإنشاء "أخوية سيّدات المحبّة" Les Dame de la charité .

أن الأب منصور دي بول قضى حياته في خدمة القريب. وكانت أشغاله لكثرتها لا تترك له ساعةً يتفرّغ فيها لشؤونه وأموره. فكان كلّه للفقراء وللمشاريع العديدة العظيمة التي بدأ بها وقام يغذّيها بتعاليمه ومثله. لكن سرّ قواه ونشاطه وتفانيه الدائم كان في محبّته الفائقة لله، واتّحاده المتواصل به، وإماتته الكبرى لنفسه ولأمياله وإرادته.

وكان شديد التوكّل على الله وعلى تدبير عنايته، كثير التواضع، كثير الإحتقار والإذلال لذاته. ولقد طالما كانت هذه الفضائل الطابع الحقيقي الأكبر للقداسة. ولمّا كان قد اعتاد أن يدعوَ إلى ديره الإكليريكيين المزمعين أن يرتسموا بالدرجات الكهنوتيّة، ليقضوا بين كهنته بضعة أيام في الإختلاء الروحي، إستعداداً لقبول سرّ الكهنوت، كان قد رسم أن يُقبلوا مجّاناً في ذلك الدير. لكن نفقات تلك الرياضات كثرت، وأضحت عبئاً ثقيلاً على الدير وعلى الآباء اللعازريين. فشكا الرئيس إليه مرّةً أنّه لم يبقَ في الدير درهم واحد يُنفق في سبيل هؤلاء. فصاح الأب منصور في الحال وقال: "ليكن إسم الرب مباركاً. علينا أن نُظهر الآن ثقتنا بالله واتّكالنا على تدبير عنايته".

وامتاز القديس منصور دي بول بتواضعه العميق وتجرّده التام عن أمجاد هذه الدنيا وحطامها. كان الكرادلة والأساقفة والملوك والوزراء ، ورؤساء الرهبانيات، يأتونه طالبين إرشاده، وكان بوسعه أن يصل إلى ذروة الغنى والشرف والوظائف العالية. لكنّه كان دائماً يعدّ نفسه أحقر عبيد الله، ويسهر على ذاته ليُبعد نفسه عن الإستسلام لشهوات الحياة. وكان لذلك لا يرتدي من الملابس سوى أحقرها، ويجلد جسده بالسياط، ويلبس المسح، ويتمنطق على لحمه بمنطقة محدّدة مسنّنة ليقهر ذاته وينتصر على نزعات جسده.

أمّا محبّته للقريب فلم تكن تعرف حدّاً. ولم تقتصر على فئة من الناس. وكان كثير العطف مع الساقطين من الكهنة، فكان يدعوهم إليه، ويقبلهم في ديره ويبقيهم بضعة أيام لديه، ويساعدهم على عمل رياضة حسنة، ويمدّهم بالإحسان، ثم يطلب وينال لهم من أسقفهم الصفح عن ذنوبهم.

وامتاز القديس منصور دي بول أيضاً بعبادة بنويّة بليغة للبتول مريم. وكان يوصّي الجميع بإكرامها والتعبّد لها، لأنّها شفيعة المؤمنين، وسور خلاصهم الحصين. وكان يستعدّ دائماً لأعيادها بالصوم وبعض الإماتات الخاصة.

وعمّر القديس منصور دي بول كثيراً حتى صار إبن خمسٍ وثمانين سنة، وأضحى آية دهره، والمرجع الأكبر للكنيسة ورجالها وأعمالها الروحيّة والخيريّة في كل بلاد فرنسا وسواها.

ورغم كبر سنّه كان لا يفتر عن الشغل، وعن إدارة المشاريع العديدة العظيمة التي قد أنشأها، وكانت قد ملأت فرنسا والدنيا كلّها حتى في أيامه.

وسقط هذا الجندي الكبير في ساحة القتال وهو يجاهد جهاد الأبطال، في 27 أيلول سنة 1660 وكان قبل وفاته بسنين عديدة قد اعتاد أن يتلو كل يوم صلاة المنازعين، إستعداداً لهذا اليوم الرهيب.

وأعلنت الكنيسة قداسته في 16 حزيران سنة 1737 بحضور وفود الأرض كلّها. لأن رهبانه وراهباته كانوا قد انتشروا في أقطار المسكونة، وعطّروها بعرف فضائلهم وأعمالهم ومبرّاتهم.

 

استشهاد القديس اباهور السرياقوسى (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم استشهد القديس اباهور. وقد ولد بسرياقوس من أب كان يشتغل حدادا وقد فكر أن يصير شهيدا فمضي إلى الفرما، واعترف أمام الوالي بالسيد المسيح فعذبه كثيرا ولكن الرب كان يعزيه ويشفيه من جراحاته حتى اندهش الوالي من ذلك فآمن هو وامرأته وبنوه بالسيد المسيح، ولما عين والي آخر مكانه استشهدوا علي يديه. وهذا أخذ في تعذيب القديس أباهور. ولما تعب من ذلك أرسله إلى أنصنا حيث عذبوه هناك بالعصر بالمعصرة والصلب منكسا والحرق بالنار وغير ذلك وأخيرا قطعوا رأسه فنال إكليل الشهادة.

صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: التذكار الشهري لرئيس الملائكة الجليل ميخائيل

فى مثل هذا اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار رئيس جند السماء الملاك الجليل ميخائيل الشفيع في جنس البشر. شفاعته تكون معنا. آمين.