دينيّة
14 تموز 2017, 05:30

قدّيسو اليوم: 14 تموز 2017

تذكار القديس بوناونتورا ملفان البيعة (بحسب الكنيسة المارونية) ولد سنة 1221 في توسكانا بايطاليا من اسرة شريفة غنية بالمال والفضيلة، وسمي اولاً يوحنا وكانت والدته ماريا ممتازة بالتقوى لسيدتنا مريم العذراء ربت ابنها على حب الفضيلة وعبادة مريم العذراء.وفي 1243، دخل رهبانية القديس فرنسيس وأرسله رؤساؤه الى جامعة باريس وامتاز في دروسه، معتمداً فيها ليس فقط على ذكائه، بل على نعمة الرب.

 

وفي السنة 1250 نال لقب ملفان في اللاهوت. وبعد ثلاث سنين توفي استاذه فقام مكانه يعلم الفلسفة واللاهوت. وكما لقب القديس توما الاكويني بالملائكي، لقد بوناونتورا بالساروفيمي. وفي سنة 1256 انتخبه رهبانه رئيساً عاماً ولم يكن عمره سوى خمس وثلاثين سنة وذلك نظراً الى فضائله وعلومه الغزيرة. فأخذ يسوس رهبانه ويرشدهم بعلمه وعمله، سائراً في مقدمتهم، بجميع الواجبات الرهبانية ولا سيما حفظ القوانين وخاصة التواضع.

ولما توفي اكليمنضوس الرابع سنة 1268 اخذ الكرادلة رأي بوناونتورا فعين لهم البابا غريغوريوس العاشر. فعينه البابا اسقفاً على البانو ثم كردينالاً.

وفي السنة 1274، ارسله قاصداً رسولياً الى مجمع ليون حيث اجلسه البابا عن يمينه. وكانت الغاية من ذلك المجمع: مساعدة الصليبيين بالجيوش لانقاذ الاراضي المقدسة واتحاد الكنائس الشرقية مع الكنيسة الرومانية واصلاح الكنيسة الداخلي، فلمع بوناونتورا في المجمع وكان في مقدمة الكرادلة وزعيم خطبائهم وامام اللاهوتيين بينهم. وتوفي قبل انتهاء المجمع بثلاثة ايام، فكان له مأتم عظيم ترأسه البابا نفسه وحضره الملوك الذين كانوا في المجمع.

 ثم اثبته البابا سيكستوس الرابع قديساً سنة 1482. وأحصاه بين ملافنة البيعة البابا سيكتوس الخامس سنة 1587. وقد كان شديد العبادة لسيدتنا مريم العذراء، كما كانت طبعَتها في قلبه والدتُه التقية. لذلك بذل جهده في نشر عبادتها، وقال فيها اناشيد بديعة. اما تآليفه الفلسفية واللاهوتية فهي نادرة المثال. وحياته كلها كانت وقفاً على خدمة الله وكنيسته المقدسة. صلاته معنا. آمين.

 

تذكار الشهيد بوستوس(بحسب الكنيسة السريانية الكاثوليكية)

ولد هذا الشهيد في مدينة كميلونا في إسبانيا، من أبوين مؤمنين تقيين. وكان حديث السن، يتردّد إلى المدرسة. ولمّا أمر الملك ديوكلتيانوس باضطهاد المسيحيين وقتلهم، أخذ الوثنيون ينادون في المدينة بأن كل من يعبد الأصنام يُقتل. فلمّا سمع هذا، ترك كتبه وأسرع إلى محل الإستشهاد، مجاهراً بعبادته ليسوع المسيح وحده، راغباً في الموت من أجله.

ورغم ملاطفة الملك له وتهديداته، ثبت على إيمانه. رغم حداثة سنّه، فأمر الملك بذبحه، وكان ذلك سنة 404.

 

القدّيس نيقوديموس (بحسب الكنيسة الارثوذكسية)

ولد سنة 1749م في جزيرة ناكسوس في أرخبيل السيكلاذيس. أعطاه أبواه، في المعمودية، اسم نيقولاوس وأحالوه على كاهن القرية ليتعلّم القراءة. كان ينصرف عن اللهو إلى القراءة. امتاز بذكاء حاد وذاكرة غير عادية سمحت له بتسجيل كلّ ما يقرأ للحال وترداده بلا خلل ساعة يشاء. أرسا إلى إزمير في عمر السادسة عشرة ليتتلمذ على المعلم إيروثاوس في المدرسة الكتابيّة. أحبّه الجميع لوداعته وأخلاقه الحميدة. بالإضافة إلى الاداب والعلوم المقدّسة تلقّن اللاتينيّة والفرنسيّة وأضحى خبيرًا في اليونانيذة القديمة، الأمر الذي سمح له بملء المهمة التي أعدّه الله لها وهي جعل الذخائر تراث الكنيسة في متناول الشعب اليونانيّ الأرثوذكسيّ المقموع. بعد أربع سنوات من الدراسة في إزمير، وبعدما ذبح الأتراك اليونانيين في تلك الأنحاء اضطر نيقولاوس للعودة إلى وطنه ناكسوس. هناك التقى الرهبان غريغوريوس ونيفون وأرسانيوس فتحرّك في نفسه محبّة الحياة الرهبانيّة ودفعه إلى تعاطي النسك والصلاة الداخليّة. وتعرّف إلى الناسك الشهير سيلفستروس القيصريّ الذي كان يعيش في قلاية منعزلة على مسافة قليلة من المدينة، فقرّر أن يبحر إلى جبل آثوس. دخل إلى دير ديونيسيوس واتخذ اسم نيقوديموس وصار نموذجًا لكلّ الأخوة في حميّة الصلاة والنسك والخدم التي كان يتمّمها من دون تذمّر. وبعد سنتين غادر إلى الجبل المقدّس واعتزل في كارياس وبعد أن تقدّم في الحياة الروحيّة عاد إلى دير ديونيسيو، لكن شوقه لحياة التأمل والصلاة أعاده إلى الجبل المقدّس وتنسّك في منسك على اسم القدّيس أثناسيوس وكان ينسخ فيه المخطوطات سدًّا لحاجاته المعيشيّة وأنجز كتابًا تحت عنوان "كتاب النصائح الطيّبة" في شأن حفظ الحواس والأفكار وعمل الذهن وكان قد بلغ الثانية والثلاثين، وكان عندها قد سكن في جزيرة قاحلة فواجه هجمات عنيفة للأبالسة. بعد سنة من الإقامة في جزيرة سكيروبولا عاد نيقوديموس إلى آثوس واقتبل الاسكيم الرهبانيّ الكبير وانكب على الكتابة وتعليم الأخوة. واهتّم بنشر ترجمة الأعمال الكاملة للقدّيس سمعان اللاهوتي الجديد. وفي حياته راجع شرحًا مسهبًا لرسائل بولس وللرسائل الجامعة. كما كان مهتمًّا بتربية شعب الله فوضع لأجل ذلك موجز حول الأخلاق المسيحيّة الحميدة. وساءت صحته كثيرًا نتيجة النسك المتشدّد الذي فرضه على ذاته وهو لم يكن قد تجاوز السابعة والخمسين وأصيب بعدّة أمراض ومنها النسيان لبعض الصلوات التي أصبح يردّدها بصوت عال. وفي تموز 1809 استودع السيد نفسه.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القدّيس يوسف
القدّيس يوسف هو الأخ الثاني للقدّيس ثيودوروس الستوديتي. ولد حوالي العام 761م. تلّقى تعليمًا ممتازًا. بتأثير خاله القدّيس أفلاطون ترهّبت أمّه وأخته في دير في القسطنطينية فيما انصرف هو ووالده وأخواه وآخرون من العائلة إلى ساكوذيون في جبل الأوليمبوس البيثيني، وهو ملكية عائليّة، فحولوه ديرًا.

ازدهرت الشركة بالنعمة الإلهيّة والعناية الحكيمة للقدّيس أفلاطون، وإذ كان يوسف غيورًا في الأتعاب النسكيّة استبان كثيودوروس ثان. غير أن سلام رجال الله اهتزّ عندما طلّق الأمبراطور امراءته الشرعية واقترن بنسيبة لثيوكتيستا والدة القدّيس يوسف في العام 795م. فاحتجّ الرهبان باسم تراث الكنيسة والقوانين المقدّسة وردوا كلّ محاولات الملك لمصالحتهم. وإذ امتنعوا عن تحية الأمبراطور، خلال زيارته لمنابع المياه المعدنيّة الحارة في بروسا، عمد الأمبراطور إلى محاصرة الدير بالعسكر وحجز العديد من الرهبان الذين كان بينهم أفلاطون وثيودوروس ويوسف، في حصن الكاتار. أمّا وثيودوروس ويوسف فجُلدا ورُحلا إلى تسالونيكي مع أبيهما وعشرة رهبان. وقد تمكّنت ثيوكتيستا من الوصول إلى السجن وضمدّت جراح والديها كما انضمّت إليهما في الطريق إلى المنفى وشجعتهما على مكابدة المحن من أجل الحقّ. وبعد رحلة شاقة دامت 36 يوم سيرًا على الأقدام وصل في عيد البشارة إلى تسالونيكي حيث استقبلهما الحاكم ورئيس الأساقفة توما بلياقة، ولكن لم يطل بهما المقام هناك حتّى وصل أمر ملكيّ بفصل المعتقَلين أحدهما عن الآخر. ورغم ذلك تمكّنا من التواصل بالرسائل. لم تدم فترة الأسر طويلاً، فإثر سقوط قسطنطين السادس واستلام أمّه زمام السلطة أُطلق سراح المنفيين وعادا إلى ساكوذيون، لم يجدا السلام في الدير لأنّ البلاد كانت عرضة لغزوات البربر، فتحوّلا إلى القسطنطينة واستقرّا في دير الستوديون المهجور، وعاش يوسف في طاعة أخيه منشغلاً في تأليف الأناشيد التي بقي الكثير منها في كتب الليتورجيا.

ثم إنّ ترقية القدّيس نيقيفوروس من الرتبة العامية إلى الكرامة البطريركيّة، بأمر الأمبراطور، عادت فأجّجت صراع الستوديّين مع السلطة من أجل الدفاع عن حقوق الكنيسة والشرع الكنسيّ. فقد عارض ثيودوروس وأفلاطون الانتخاب وسجنا بضعة أيام، إلى أن اعترفا بالبطريرك، وحدث بعد ذلك مشاكل بين الأمبراطور ورهبان دير الستوديتي فسجن مرّة أخرى أفلاطون وثيودوروس في دير القدّيس ماما ورُحّل يوسف إلى جزيرة لأنّه أقام قدّاسًا في دير ستوديون دون إذن البطريرك.

بعد وفاة الأمبراطور نيقيفوروس وصل الأمبراطور ميخائيل الأول إلى سدّة الحكم فسمح بمصالحة الستوديّين والبطريرك نيقيفوروس. وأصبح ثيودوروس مستشار الأمبراطور واستردّ يوسف كرسيّه الأسقفي على تسالونيكي. ومع عودة حرب الإيقونات إلى الواجهة بقيادة الملك لاون الأرمنيّ انتُزع الأسقف يوسف من رعيّته وتلقّى أمرًا بالإعتزال في ساكوذيون حيث أمكنه إقامة مراسلات مع أخيه الذي نُفي إلى ماتوبا. وفيما بعد رحّل إلى جزيرة في عمق الشتاء وكابد هناك مشاق النفي بفرح بسبب المراسلة مع أخيه، ولمّا نقل إلى حصن البيزون حيث بقي إلى رقاد الملك لاون الأرمنيّ. ولمّا تبوّأ الملك ميخائيل الثاني العرش أصدر عفوًا عن كلّ المعترفين فأمكن ثيودوروس ويوسف أن يعودا من المنفى تلك السنة. غير أنّ دخول ستوديون بقي محظّرًا عليهما. وإذ ألزمتهما غزوة عربيّة أن يغادرا محل إقامتهما، توجّها إلى جزيرة برانكيبو. لم يكن القدّيس يوسف موجودًا عندما رقد أخوه في العام 826م. وإذ عادت الهجمة على الإيقونات فاستعرت في عهد الأمبراطور ثيوفيلوس، نفي يوسف إلى بلدة بعيدة في تساليا وحُرم حتّى مما هو ضروري. هناك أسلم روحه لله في العام 832م. وقد قيل أن جسده تُرك دون دفن في مكان مشجّر رطب. ثمّ بعد ذلك بإثني عشر عامًا نجح القدّيس نوكراتيوس في إيجاد بعض بقاياه التي نُقلت باحتفال مهيب إلى القسطنطينية مع رفات القدّيس ثيودوروس. وقد وضعت رفات الأثنين في مدفن القدّيس أفلاطون في كنيسة ستوديون.   

وفي مثل هذا اليوم أيضاً : الرسول أكيلا

 

تذكار القديس الرسول أكيلا (بحسب كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك)

كان أكيلا رجلاً عبرانيّاً يخاف الله ويحفظ وصاياه، وكانت زوجته برسِكة على مثاله فاضلةً تقيّةً عفيفة، ولم يذكر التاريخ أنّه كان لها أولاد. وكانا يقطنان رومة المدينة العظمى عاصمة الدنيا نظير الكثيرين من اليهود أمثالها. وكانا يعيشان من صنعة شغل الخيام، قانعين بما قسم الله لهما من الرزق.

فلمّا جاء القديس بطرس رومة وأخذ يبشّر بالإنجيل، أصغى أكيلا وبرِسكة  إلى كلام الربّ وانتحلا الديانة المسيحيّة، وأضحيا من التلاميذ الأكثر غيرةً على نشر الإنجيل وعلى إذاعة تعاليمه الخلاصية السامية.

وأثار اليهود في رومة بلابل كثيرة على المسيحيين وناصبوهم العداء، ولم يتركوا وسيلةً إلاّ أفسدوا بها عليهم سُبلَهم. فحارت الحكومة الرومانية في أمرهم. وكانت تظن أن الفريقين حزبان يهوديان يتخاصمان على عقائد تافهة من خصوصياتهم، وعلى رجل يُدعى المسيح يقبله بعضهم وينكر البعض الآخر، فأمرت بطرد جميعهم من رومة لتريح الناس من شرورهم، وهكذا ذهب المسيحيون ضحية أولئك اليهود المبلبلين المشاغبين. وكان ذلك على عهد كلوديوس قيصر نحو سنة 51.

فاضطر أكيلا وبرسكة أن يتركا رومة وأن يجدا لهما مكاناً يعيشان فيه. فذهبا إلى مدينة كورنثس، وكانت العناية الإلهيّة هي التي قادتها إلى كورنثس، ليكونا عوناً للقديس بولس الرسول في بشارته في تلك المدينة. فما أن استوطنا وأخذا يمارسان صنعتهما حتى أقبل بولس إلى كورنثس في سفرته الرسولية الأولى، فنزل ضيفاً كريماً عليهما. وما لبث بولس أن أنسَ بهما وأنسا به، وأخذ يعمل في الخيام معهما، وأخذا يساعدانه في التبشير ونشر كلمة الرب في تلك المدينة الزاهرة. وأقام بولس في كورنثس سنة ونصف السنة، معلّماً ومبشّراً وصانع خيام. فتوثّقت بين بولس وهذين الزوجين عرى صداقة أكيدة صافيةٍ تأسست على المحبّة الأخويّة المسيحيّة المتبادلة، وعلى رغبتهم جميعاً في التبشير بإسم الرب يسوع.

ولمّا ترك بولس كورنثس وذهب إلى أفسس، كان أكيلا وزوجته يرافقانه. وهناك تركهما بولس يبشّران بالإنجيل، فكانا في أفسس رسولين كريمين. وحوّلا بيتهما هناك إلى كنيسة كانا يجمعان فيها المؤمنين ويقومان بتعليمهم قواعد الإيمان.

ولما سمحت الحكومة الرومانية لليهود بأن يعودا إلى رومة عاد أكيلا وزوجته إليها، إلاّ أنّهما عادا بالأكثر إلى التبشير وخدمة النفوس، لأنّهما كانا قد أخذا على أنفسهما أن يكونا في خدمة الرب أينما ذهبا وحيثما مكثا. فاشتهرا بالغيرة الرسوليّة حتى أن بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومة يمدحهما بكلامٍ سوف يبقى على ممر الدهور أجمل مكافأة لهما على أعمالهما.

ثم أن أكيلا وبرسكة تركا من جديد رومة وعادا إلى آسية وإلى أفسس ليتابعا هناك عمل الرب.

ولمّا كان أكيلا وزوجته قد خدما الإنجيل وخدماه هو أيضاً، فإنّ بولس لا ينساهما أبداً. بل كلّما سنحت له الفرص يذكرهما ويرسل إليهما تحيّته وشكره، حتى من غياهب سجون رومة حيث كان مقيّداً مغلولاً.

ولم يحفظ لنا التاريخ ذكر أيام هذين الزوجين الأخيرة. ولا بد أن يكون الربّ قد كافأ أتعابهما بإكليل الإستشهاد، كما فعل مع سائر الرسل. والذهبي فمه يختم كلامه عن هذين الزوجين بقوله: "إن أكيلا وبرسكة سيبقيان المثل الأعلى للكمال في الزواج المسيحي".

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: القديس بونفنتورا، الكردينال- الأسقف ومعلّم الكنيسة

ولد بونفنتورا في مدينة بانياريا الصغيرة، في مقاطعة توسكانا من أعمال إيطاليا، سنة 1221، ودُعي يوحنّا. وكان أبواه من أشراف البلاد. وكانا غنيّين بالأموال وبالفضائل والأفضال. وكانت والدته ماريّا على الأخص تمتاز بتقواها وعبادتها للبتول مريم. فربّت إبنها على الصلاح، وطبعت في قلبه العبادة لهذه الأم الحنون.

ولمّا بلغ الولد الرابعة من عمره مرض مرضاً ثقيلاً. وكان القديس فرنسيس الأسيزي آنئذٍ لا يزال حيّاً، وكان صيت قداسته يملأ الدنيا. فطلبت ماريّا إلى الله شفاء ولدها بشفاعة هذا القديس العظيم. فمنَّ الرب عليه بالشفاء. فعاهدت الله أن تبثّ في قلب إبنها الميل إلى هذه الرهبانيّة الفرنسيسيّة، إذا كان الله يريد أن يدعوه إلى الحياة الرهبانيّة. وبرّت ماريّا بوعدها، وأخذت تطبع في قلب إبنها روح التقوى والزهد في الدنيا.

ومرّ القديس فرنسيس بمدينة بانياريا، فركضت إليه ماريّا، وروت له كيف شفى الله بشفاعته إبنها، ودعته إلى زيارتها في بيتها. فجاء القديس، وبارك ولدها، وعرف بروح النبوءة ما سوف يكون من شأن هذا الولد في كنيسة الرب. فدعوا يوحنّا بإسم بونفنتورا.

وشبّ الولد على التقوى والرصانة وممارسة الفضيلة. وكان يجد نعيمه في قراءة الكتب الروحيّة، وسيرَ القديسين. فولّدت فيه تلك المطالعات روح التأمّل، والزهد في الدنيا. وصار ينقّي من الرفاق كل ما اتّصف بالرصانة وحسن التقوى. فلمّا بلغ الحادية والعشرين من عمره، وكان عقله قد تزيّن بالعلوم، وقلبه قد نضج  تحت أنوار شمس الحقائق الأبديّة، هجر الدنيا وغناها ومجدها، وانتحل الحياة الرهبانيّة على طريقة القديس فرنسيس الأسيزي. فكان فرح والدته لا يوصف، لمّا رأت أن الله يدعو إبنها إلى خدمته، وعلى الأخص في تلك الرهبانيّة المباركة التي كان القديس فرنسيس شفيعها ومؤسسها، والتي كانت غايتها الأولى محبّة الله وخدمة القريب.

ومنذ أن دخل بونفنتورا دير الإبتداء أراد أن يحقّق في حياته ما قاله السيّد المسيح: أن من وضع يده على المحراث لا يلتفت إلى الوراء. فجعل قوانين الرهبانيّة وفرائضها قبلته، وراح يسير على ضوئها في حياته.

وامتاز فوق ذلك بالوداعة والتواضع, فكان يهرب من أنظار وعطف رؤسائه عليه، لكي لا يفتخر بذلك في نفسه. وكان يسعى وراء الوظائف المحقرة والشاقة، فيأخذها لذاته.

ولمّى أنهى الأخ بونفنتورا سنة الإمتحان الرهباني، ووجده رؤساؤه أهلاً للعلوم العالية، رسموه كاهناً، وأرسلوه إلى جامعة باريس الشهيرة، حيث كان اسكندر دي هالس الراهب الفرنسيسي يعلّم اللاهوت ببراعة نادرة.

فأكبّ بونفنتورا على العلم بتلك العبادة التي كان يمارس بها أعمال التقوى. فلمع بين أقرانه، وأظهر نبوغاً فائقاً. فاتّجهت نحوه الأنظار. وكان يجول في أعلى قمم المواضيع الفلسفيّة واللاهوتيّة كأنّه في محيطه، بلا عناء ولا نصب. وكان له سرّ في ذلك. فإنّه كان يعتمد ليس على ذكائه وهمّته، بل على نعمة الرب التي تنير عقله وتنشّط قواه. لذلك بقيَ يمارس الصلاة  العقليّة صبحاً ومساءً، حتى في ساعات الليل. فكان يدرس اللاهوت بمعانيه العميقة الحقيقيّة أمام الصليب. وفي أوقات الفراغ كان يزور المرضى ويخدمهم، ويغسّل بيديه قروح المصابين بالبرص. فكان أساتذته يعجبون منه، ويتساءلون أين كان يجد الوقت الكافي للمطالعة وللتفوّق والنبوغ في دروسه.

وما هي سنون قليلة حتى أصبح أستاذاً، فأُسند إليه التعليم اللاهوتي في تلك العاصمة الكبرى والجامعة الباريسيّة الشهيرة. فقضى عشر سنوات (1248-1257) يعلّم اللاهوت ويشرح الكتاب المقدّس، وكتب الحكمة. وتفرّغ مع التعليم للكتابة. فوضع معظم كتاباته السامية الملائكيّة في مدّة هذه السنين.

وكان له من العمر ست وثلاثون لمّا دُعي إلى إدارة الرهبانيّة الفرنسيسيّة العظيمة التي كانت قد انتشرت في بلاد الغرب والشرق.

فدبّر الرهبانيّة بحكمةً، ولاسيّما أيام كانت البلابل قد قسمت الرهبان إلى معسكرين كبيرين، وجعلت كل فريق يدافع عن طريقته وعن وجهة نظره. فمنهم من كان يريد أن يحيي القانون الأساسي الذي وضعه القديس فرنسيس في بادىء أمره Regula .prima وكان الآخرون يريدون أن يتبعوا القانون الثاني المخفّف، والأقرب إلى حاجة تلك الأيام وكان القديس فرنسيس قد قبلَ به، ووافق الكرسي الرسولي عليه Regula bullata.

فتوصّل الأخ بونفنتورا بحكمته وصلواته ونفوذه إلى تأليف القلوب، وحملها على قبول القانون الثاني. ووضع لذلك سيرة القديس فرنسيس نفسه، وأظهر فضائله، ووصف روحه، ورسم صورته رسماً صادقاً رائعاً بريشته الملائكيّة البديعة.

وترأّس مجامع عامة كثيرة للرهبانيّة، عمل فيها على تأليف القلوب، وعلى تثبيت القوانين وعلى طبع الرهبانيّة بطابع الغيرة والتفاني والقداسة التي أرادها القديس فرنسيس منشئها.

واشتهر بالخطابة والوعظ حتى كان من أقدر رجال زمانه فصاحةً وبياناً.

وفي سنة 1273 كان في باريس، فخلب ألباب أساتذة الجامعة وطلاّبها بمحاضراته على كتاب التكوين. لكن الحبر الأعظم غريغوريوس العاشر لم يدعه يتم عمله. لأنّه سمّاه كردينالاً أسقفاً بالرغم منه، وبموجب أمر مبرم لا مناص له منه. فانقاد بونفنتورا لإرادة البابا، وشرع يتفرّغ لخدمة الكنيسة على حسب مقتضيات وظيفته الجديدة.

وكان قد سبق له أن رفض الأسقفيّة ليبقى الراهب الناسك المتفرّغ لعمل رئاسته ومطالعاته وكتاباته. إلاّ أن الحبر الأعظم كان قد بدأ يجمع حوله، منذ ارتقائه إلى السدّة البطرسيّة سنة 1271، كبار علماء اللاهوت ليكونوا سواعده في مجمع ليون المسكوني المقبل، بعد أن دعا إليه مع أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة بطاركة وأساقفة الكنائس الشرقيّة المنفصلة. فكانت مصلحة الكنيسة لدى بونفنتورا فوق كل مصلحة. فترك رئاسة الرهبانيّة التي كان خدمها مدّة ثماني عشرة سنة، وتفرّغ بكل قواه وعواطفه بعمله الجديد، سنة 1273.

كان الحبر الأعظم غريغوريوس العاشر قد أوعز إلى الأخ بونفنتورا، إذ كان رئيساً على رهبانيته، سنة 1272، أن يعيّن له من رهبانه من يرسله في سفارة إلى القسطنطينيّة لأجل دعوة الروم الأرثذكس إلى المجمع المسكوني المزمع عقده في مدسنة ليون، سنة 1274، لأجل البحث في النقاط الثلاث الآتية: أولاً مساعدة فلسطين بالجيوش، ثانياً إتّحاد الكنائس الشرقيّة بالكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة، وثالثاً إصلاح الكنيسة الداخلي.

فوضع بونفنتورا بين أيدي الحبر الأعظم أربعة من رهبانه، بينهم الأخ إيرونمس الذي صار فيما بعد البابا نقولا الرابع. وهكذا بدأ منذ سنة 1272 يشاطر الحبر الأعظم مهامه في تهيئة المجمع المسكوني الخطير.

وفي السابع من أيار سنة 1274 إفتتح الحبر الأعظم بنفسه مجمع ليون، وترأّسه بحضور 500 أسقف، و70 رئيس دير، ونحو 1000 إكليريكي. وفي 24 من حزيران وصل ممثّلو القسطنطينيّة. وصار لهم إستقبال فخم حافل، وتبادلوا قبلة السلام هم والحبر الأعظم والكرادلة. وكان الكردينال بونفنتورا معهم، بل كان المقدّم فيهم، وزعيم خطبائهم، وأمام اللاهوتيين بينهم. أمّا صديقه وزميله القديس توما الأكويني فإنّه كان قد مات على الطريق وهو ذاهب إلى المجمع.

وكان الكاردينال بونفنتورا روح المجمع، وقبلة أنظار الروم واللاتين، بعلمه وفصاحته وتواضعه ووداعته. إلاّ أن الله لم يمهله ليرى نتيجة عمله، بل دعاه إليه ليتوّج هامته بالتاج الإلهي الذي لا يزول ولا يبلى.

ولمّا شعر الكردينال بونتفنتورا بقرب أجله، سلّم أمره إلى الله بكل رضى وسرور، غير آسف على حياة، ولا على وظيفة، ولا على رئاسة، ولا على كتابة، لأنّ حياته كلّها كانت الله، من غير أن يكون له فيها مأرب أو غاية. فطارت نفسه إلى الأعالي لتنعم مع رئيس الأحبار إلى الأبد. فبكاه آباء المجمع كلّهم. وكان يحق لهذا الناسك المتواضع أن يتمجّد في السماء وعلى الأرض. وبعد ثماني سنين لوفاته أعلنت الكنيسة قداسته، أي في سنة 1782.

 

نياحة القديس شنودة رئيس المتوحدين (بحسب الكنيسة القبطية الارثوذكسية)

في مثل هذا اليوم تنيح الأب القديس الناسك الأنبا شنوده رئيس المتوحدين. وقد ولد هذا القديس ببلدة شندويل من أعمال أخميم. وكان أبوه مزارعا يملك أغناما كثيرة.

ولما نشأ شنوده سلمه أبوه رعاية الغنم. فكان يرعاها ويعطي غذاءه للرعاة، ويظل هو صائما طول يومه وأخذه أبوه ومضي به إلى خاله الأنبا بجال ليباركه، فوضع الأنبا بجال يد الصبي علي رأسه وقال: "بارك علي أنت لأنك ستصير أبا لجماعة كثيرة " وتركه أبوه عنده ومضي. وفي ذات يوم سمع صوت من السماء قائلا: "قد صار شنوده رئيسا للمتوحدين " ومن ذلك الحين صار يجهد نفسه بالنسك الزائد والعبادة الكثيرة ولما تنيح الأنبا بجال حل شنوده محله فاتبع نظام الشركة الرهبانية الذي وضعه القديس باخوميوس وأضاف عليه تعهدا يوقعه الراهب قبل دخوله الدير

وبلغ عدد الرهبان في أيامه 1800 راهب ولا يزال هذا الدير قائم حتى الآن غرب سوهاج يضم كنيسة ويعرف بدير الأنبا بيشوي.

وبني الأنبا شنوده ديرا آخر بلغ عدد رهبانه 2200 راهب وما زال حتى الآن يضم كنيسة ويعرف بدير الأنبا شنوده وحدث أن قائدا في الجيش استأذنه ليعطيه منطقته ليلبسها أثناء الحرب لكي ينصره الله فأعطاها له وانتصر فعلا علي أعدائه.

وصار الأنبا شنوده ضياء لكل المسكونة بعظاته ومقالاته والقوانين التي وضعها لمنفعة الرهبان والرؤساء والعلمانيين رجالا ونساء وقد حضر مجمع المائتين بأفسس مع الأب القديس البابا كيرلس الرابع والعشرين وبكت نسطور المجدف وعند نياحته طلب من تلاميذه أن يسندوه حتى يسجد لخالقه. فسجد ثم أوصاهم أن يترسموا خطاه وقال لهم: "أستودعكم الله " وتنيح بسلام. صلاته تكون معنا. آمين.

وفي مثل هذا اليوم أيضًا: استشهاد القديس اغناطيوس اسقف انطاكية

وفي مثل هذا اليوم استشهد القديس أغناطيوس (ذكرت سيرته في اليوم الرابع والعشرين من شهر كيهك)في رومية سنة 107 م. هذا الذي انتخبوه أسقفا علي إنطاكية بعد القديس بطرس الرسول في سنة 69 م. وذلك في عهد الملك تراجان الذي لما علم بأن هذا القديس قد اجتذب بتعاليمه كثيرين إلى الإيمان بالسيد المسيح استحضره وسأله: "هل أنت أغناطيوس الثيئوفورس؟ " فأجابه معناه: "حامل الله " فقال له: "أتظن أننا لا نحمل آلهتنا لتنصرنا في الحروب؟ " فأجابه " كيف تكون التماثيل آلهة؟ اعلم أنه لا اله إلا الله وحده الذي خلق السماء والأرض وابنه يسوع المسيح الذي تجسد ليخلص البشر فلو كنت تؤمن به لكنت في هذا الملك سعيدا".

فحاول الإمبراطور إغراءه لترك المسيحية فرفض فاستشاط غضبا وأمر أن يقيد بالسلاسل ويؤخذ إلى روما ليلقي للوحوش فبادر أغناطيوس بتقبيل السلاسل التي ستكون وسيلة إلى نواله إكليل الشهادة وقد سعي المؤمنون أن يخلصوه بدفع أموال للجند فرفض لأنه كان متعطشا للاستشهاد.

وذهب في طريقه إلى أزمير وكتب منها رسالة للمسيحيين بروما من فقراتها " أخشى أن تكون محبتكم ضررا فإذا أردتم أن تمنعوا الموت عني فلا يعسر عليكم ذلك. ولكن ائذنوا لي أن أذبح حيث أعد المذبح.. أنني حنطة ينبغي أن أطحن لأكون خبزا يقدم ليسوع المسيح، فحيثما لا تعود تشاهدني أعين البشر، أشاهد أنا ربنا يسوع المسيح".

ولما وصل إلى روما طرحوه للوحوش فهجم أسد وأمسكه من عنقه فأسلم القديس الروح بيد الرب ثم تركه الأسد وعاد إلى مكانه فحمل بعض المؤمنين جسده بإكرام عظيم إلى مكان أعدوه له في إنطاكية , صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما. آمين.