في كرسيّ الاعتراف...
هناك في هذا الكرسيّ، يجلس الكاهن المختار نائبًا عن يسوع المسيح. في الظّاهر، يبدو مكانًا مخيفًا يُحسب له ألف حساب. ولكن فور الدّخول إليه، وفي اللّحظة الّتي يجثو فيها التّائب أمام المعرِّف طالبًا النّعمة، تحصل الأعاجيب: يبوح بخطاياه، يسكب دموع التّوبة والنّدامة، فتخلُص النّفوس وتُختبر رحمة الله الواسعة"؛ ففي ضجيج الأهواء والمعاكسات، يسندنا رجاء رحمته اللّامتناهية. فلنسرعْ بثقة إلى منبر التّوبة حيث ينتظرنا كلّ لحظة بلهفة الأب، معترفين أمامه بعدم استحقاقنا، ولا نشُكّنَّ من الحصول على الغفران لكلّ أخطائنا. فلنضع عليها، كما فعل الرّبّ حجر القبر". (بادري بيو)
في تلك الزّاوية الأبعد في الكنيسة، يصبح المؤمن أقرب إلى الرّبّ، فهناك يتذوّق طعم الفرح المبعوث من ذاك المكان الّذي يصبح أكثر الأماكن الّتي تنثر الفرح والفخر وأكثرها إلهامًا، بعد أن يغسل قلبه ويشرّع أبوابه لمحبّة الآب القادرة على تغيير الحياة فيلمس عن قرب لمس اليد قوّة محبّة الله ويتذكّر طيبته، تلك المحبّة الّتي يترجمها الكاهن بكلماته المُستلهَمة من الرّوح القدس. فيلمس التّائب والكاهن في آن واحد قلب الله.
في كرسيّ الاعتراف، يلتقي المعترف بيسوع طبيب النّفس والجسد من خلال الكاهن المعرِّف. ويتعرّف الكاهن إلى إنسان قرّر عدم التّخلّي عن يسوع. فجُلّ ما يريده المرء أن يتحوّل إلى مشروع قدّيس ويتخلّص من قذارة الحياة. في تلك اللّحظة، تخسر الخطيئة سلطتها!
في نفس الكرسيّ، ليس المعترف وحده من يسمع صوت الله، وإنّما الكاهن يفعل كذلك. فيسمع الأخير صوت روحه فيرتعش فاحصًا ضميره ومراجعًا حساباته، فيجدّد الثّقة الّتي منحه إيّاها الله ليكون علامة حيّة لرحمته.
هنا إذًا، نعود أعضاء طاهرة في جسد الرّبّ. هنا، نتغلّب على ضعفنا، نستعيد إيماننا ونتعهّد بالتّكفير عن ذنوبنا بالصّلاة والإماتات والأفعال الصّالحة.
لنتقدّم من سرّ الاعتراف السّامي ونكتسب مفاعليه فنتصالح مع الله والكنيسة، ونستعيد حالة النّعمة والسّلام الدّاخليّ وطمأنينة الضّمير والتّعزية الرّوحيّة. ولا ننسى أبدًا أنّ الله يؤمن بنا، فهو كما يقول بادري بيو ملك كرسيّ الاعتراف "لا يترك أحدًا، فقد كلّفه أمر خلاصك الكثير فكيف يتركك؟".