دينيّة
01 حزيران 2024, 07:00

فلنتعلّم في مدرسة الرّوح!

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الخوري جان بول أبو غزاله

 

فلنتعلّم في مدرسة الروح! كما يسوع كان يعلّم وهو المعلّم (رابّوني)، كذلك الروح القدس هو أيضًا المعلّم في الكنيسة، "يعلّمنا كلّ شيء".  

  

هذا النصّ الإنجيليّ (يو 14: 21-27) (أمّا المعزّي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلّمكم كلّ شيء، ويذكّركم بكلّ ما قلته لكم) هو تكملة لإنجيل عيد العنصرة، وهو مقطع من خطبة الوداع الأولى التي يعرضها إنجيل يوحنّا على لسان يسوع. هذه الخطبة تبدأ بموضوع الإيمان وتنتهي به، لذلك هي تدعو التلاميذ إلى الثقة وعدم اليأس أمام حدث الصليب الآتي، وفيها يترك يسوع لهم ولنا وعده لزمن الغياب، أي: حضور الروح القدس "هو يكون معكم".  

"الروح يعلّم" هذا هو العنوان الُمعطى لهذا النص، وحده يوحنّا أعطى الروح القدس لقب "بارقليط"، هذا البارقليط لا يحمل إلينا إنجيلًا جديدًا، لأنّ في حياة يسوع وتعليمه يوجد كلّ ما تجب معرفته لتوطيد ملكوت الله. فالروح يعلّمنا ما كان يسوع يعلّم.

إنّ فعل "علّم" عند يوحنّا يعني فسّر بشكل صحيح، أو نقل حقيقة سماويّة.

في الأساس علّم الآبُ الابنَ ما عليه أن يعطيه للعالم، وهو لا يعلّم شيئًا لم يأخذه من الآب، كذلك الروح لن يعلّم شيئًا لم يأخذه من الابن. فالوحي مصدره الآب، وقد نقله إلينا الابن ليبلغ غايته عندما يتملّك أعماقنا بفعل الروح القدس.

لا يكتفي هذا الروح بأن يعيد إلى الذاكرة أمورًا منسيّة فقط بل يمنح القدرة على فهم الحدث وإدراك معناه. يعيد إلى فكرنا ما قاله يسوع، فلا يكون كلامًا ماضيًا بل حاضرًا وحيًّا.  

إذًا، مهمّة البارقليط هي التعليم، إلّا أنّ دوره لن يكون في إعطاء تعليم جديد مختلف عن تعليم يسوع، أو حقيقة يسوع، بل سيقود التلاميذ نحو الفهم الكامل لشخص يسوع وتعليمه وعمله. هذا الروح يحوّلنا إلى تلاميذ حقيقيّين ليسوع، وإلى شهود لحبّ الآب في قلب العالم، نعمل إرادة الله في حياتنا ليكون الله في قلبنا أيضًا ونحن نكون في قلبه.

إنّه زمن الروح الذي يفسِّر لنا كلّ شيء ويجعلنا نفهم كلام الربّ، ونتفاعل معه، وكأنّ يسوع هو الذي يقوله ويتلوه مباشرة على مسامعنا. يجعلنا نعيش الحالة ذاتها، ليس فقط مجرّد تذكّر أو تذكار لما قيلَ أو قد صار.  

الإصغاء للروح يعلّمنا الكثير لنتابع التبشير. فكما يعلّمنا أن نتكلّم، يعلّمنا كيف نسمع وكيف نقبل الكلمة، ويعلّمنا كيف نتصرّف، وكيف نصلّي، وكيف نحبّ، وكيف نتخطّى عاداتنا السيّئة... باختصار يعلّمنا كلّ شيء!

هذا ما قاله بكلمات أربع القدّيس أغوسطينوس عن الروح المعلّم: "الروح القدس هو الذي يعلّم ويذكّر ويبكّت ويقود كنيسة الربّ". باختصار هو يعمل كلّ شيء!

المعلّم المربّي عبدالله البستاني كان يقول "المحبّة وحدها بتعلّم"، عندما سألوه ما هو سرّ نجاحه بالتعليم؟ قال لهم: أكيد ليس ساعات التعليم في الصف، بل الربع ساعة التي أمشي فيها مع تلاميذي في أثناء الاستراحة، أي من دون محبّة: "بيقولوا عم بوجّهلي ملاحظة أمّا مع المحبّة فبقولوا: عم بيساعدني.  

هذا هو روح الله، روح المحبّة، الذي يعلّمنا كلّ شيء بمحبّة لا متناهية.