عوده دشّن المبنى الرّئيسيّ لجامعة القدّيس جاورجيوس- بيروت، وهذا ما قاله للمناسبة!
بعد إزاحة السّتارة والصّلاة وتقديس المياه ورشّ المبنى، كانت لرئيس الجامعة الدّكتور طارق متري كلمةً، تلتها كلمة لوزير التّربية القاضي عبّاس حلبي، وفي النّهاية كانت الكلمة التّالية للمتروبوليت الياس:
"يا أحبّة، نجتمع اليوم معًا، وما أجمل أن يجتمع الإخوة، من أجل مباركة عام جامعيّ مميّز لأنّه يعلن انطلاق العمل في المبنى الرّئيسيّ لجامعة القدّيس جاورجيوس المحروسة بالله.
لقد كان هذا المبنى التّاريخيّ انطلاقة مستشفى القدّيس جاورجيوس الجامعيّ، منذ ما يقارب القرن والنّصف، وكما وصل المستشفى إلى أسمى درجات العلم والخدمة، دعاؤنا أن تسمو جامعة القدّيس جاورجيوس، ليس بالمباني فقط، بل بخرّيجيها، الّذين سنعمل بجهد ليكونوا الأمل بمستقبل زاهر ينحتونه لهذا الوطن الحبيب. فالتّعليم هو جواز السّفر إلى المستقبل، ونحن في بلد يتهافت أبناؤه للحصول على جواز سفر هربًا من واقع دمّر مستقبلهم في أرضهم، وسعيًا إلى مستقبل يزهر، وطموحات تتحقّق في الغربة.
العلم يحرّر عقل الإنسان، وهو السّلاح الأمضى الّذي يمكن استخدامه لتغيير وجه العالم، لذلك نسعى، من خلال مدارسنا، ومن خلال هذه الجامعة، إلى زرع بذور العلم والإنسانيّة والفضائل في عقول أبنائنا، لتزهر ثقافةً وانفتاحًا وفنًّا وإبداعًا.
لقد شئنا هذه الجامعة، رغم قساوة الأيّام، وصعوبة البناء في زمن تحطيم كلّ القيم والإمكانات، لنكمل المسيرة الّتي بدأها أسلافنا في بناء الصّروح التّعليميّة والطّبّيّة والخدماتيّة. فمدارسنا، وأولاها مدرسة الثّلاثة الأقمار الّتي أنشئت سنة 1835، كانت منارات في خدمة أجيال بيروت، وقد رأينا أنّ الوقت قد حان لبناء صرح جامعيّ يتابعون فيه تحصيلهم العلميّ، والثّقافيّ، والأخلاقيّ، والوطنيّ.
الكنيسة تسعى جاهدةً من أجل بناء الإنسان روحيًّا وفكريًّا وجسديًّا، كي تكون منارةً في ظلمة العالم المادّيّ المتخبّط بالمشاكل والحروب، والسّاعي وراء الشّهوات والمادّيّات والمصالح. الكنيسة لا تخوض حربًا دمويّةً، بل حربًا لا منظورةً ضدّ الشّرّ، ضدّ الجهل، والظّلم، والتّخلّف، والتّعصّب، والاستعباد، والاستبداد، والظّلام الفكريّ. إلّا أنّ المشكلة الّتي تواجهنا في هذه الأيّام العصيبة هي في إقناع هذا الجيل بأنّ العلم، دون سواه، هو مفتاح النّجاح والمستقبل الزّاهر، فيما هم محاطون بحملة الشّهادات الّذين يعيشون البطالة والفقر، ويعانون كغيرهم من أبناء هذا البلد، من عقم تصرّفات بعض المسؤولين، وجهل البعض، وجشع الآخرين.
يقول الفيلسوف الإغريقيّ أرسطو: "التّعليم زينة في الرّخاء وملاذ في الشّدّة". هل من شدّة أعظم ممّا نحن فيه؟ مع ذلك لم نشهد حماسة المتعلّمين لإصلاح ما أفسده الفساد، وكفاءة حامليّ الشّهادات في تصويب الأمور، وفعاليّة ذوي الاختصاص في ابتكار الحلول، وتفانيهم من أجل إنقاذ البلد، ووقوفهم الحاسم في وجه ذوي الأطماع والحصص. هنا يأتي دور الجامعات في إعداد الطّلّاب إعدادًا يجعلهم مواطنين مؤمنين بربّهم، أمناء لوطنهم، ومفكّرين، ذوي فكر نقديّ ورؤية واضحة وعمل خلّاق، فيصبح ذوو الفكر والمنطق أكثر عددًا من المستغلّين والطّمّاعين، وأكثر شعورًا بالمسؤوليّة وعملاً فاعلاً، فينعم المجتمع بثمار الحكمة والعقل والعلم، ويزدان بالمعرفة والثّقافة ورجاحة الرّأي.
إنّ رأس المال الحقيقيّ ليس نفطًا لا يزال في البحر ولا نعلم متى يستخرج، إن استخرج وأحسن استثماره. رأس المال الحقيقيّ هو العلم، أمّا الجهل فهو العدوّ الأكبر.
الكنيسة الّتي تعمل بحسب قول ربّها: "من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السّموات" (متّى 5: 19) تعي تمام الوعي أنّ ترك النّفوس بلا علم ولا أدب وثقافة هو كترك مريض بلا طبّ أو علاج. وبما أنّ كلّ إنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، تدأب الكنيسة على الاهتمام بالبشر وإعلاء شأنهم عن طريق العلم، الّذي هو الوسيلة الوحيدة الّتي ترتفع بها مراتب الإنسان إلى الكرامة والشّرف، طبعًا بعد إتمام الوصايا الإلهيّة والسّير بهدي كلمة الله.
أحبّائي، الكنيسة تحاول أن تعمل على الأرض بحسب كلام الرّبّ القائل: "أعلّمك وأرشدك في الطّريق الّذي تسلكه، وعيني ترعاك" (مز 32: 8). عينها ساهرة دومًا على ما فيه خير أبناء سيّدها يسوع المسيح. لذا، نضع هذه الجامعة بين يديّ الرّبّ، بشفاعات العظيم في الشّهداء جاورجيوس، علّها تكون مصنعًا للرّجالات، والنّساء العظيمات، ورافدًا لبحر هذا البلد المتعطّش إلى الشّابّات والشّبّان الجدّيّين، الّذين يحلمون بلبنان الحرّيّة والعدالة والثّقافة والجمال والإبداع، لا بوطن يهلك الإنسان فيه فقرًا وظلمًا ومهانةً وذلّاً.
دعاؤنا أن يعي خرّيجو هذه الجامعة أنّ "رأس المعرفة مخافة الرّبّ، أمّا الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب" (أم 1: 7)، ومتى حفظوا هذا الكلام الإلهيّ، سيكونون في مأمن من هجمات شيطان الأنا والكبرياء والجهل والحقد والكراهيّة.
الشّكر الأوّل والأخير للرّبّ الّذي سمح بأن ترى هذه الجامعة النّور، وقد أصبحت في السّنة الثّانية من عمرها، وأن تنجز أعمال ترميم هذا البناء التّاريخيّ، على الرّغم ممّا تعرّض له من أذًى، بسبب التّفجير الآثم الّذي أصاب قلب عاصمتنا الحبيبة وأدماها، وأودى بخيرة شابّاتها وشبّانها. الشّكر أيضًا لجميع من رافق قيام الجامعة وأعمال التّرميم بصلواته أوّلًا، وبأيّ نوع من التّخطيط والجهد والتّعب والسّهر وبذل الذّات والمال والوقت، والشّكر المسبق لكلّ من سيمدّ يد العون لكي تنمو هذه الجامعة وتكبر وتضاعف أبنيتها ونشاطها في خدمة إنسان هذا الوطن الجريح والمرهق، علّ العلم يبلسم جراحه ويشفي آلام أبنائه. بارككم الرّبّ إلهنا، وحفظكم جميعًا."