دينيّة
21 أيار 2025, 07:00

عذراء بلاشرن ونجاة القسطنطينيّة: حكاية إيمان وأعجوبة

تيلي لوميار/ نورسات
ما قصّة سكّان مدينة القسطنطينيّة مع مريم العذراء؟ وما المعجزة الّتي تتحدّث عنها الرّوايات التّاريخيّة؟ خادم رعيّة البشارة – العبدة – عكّار الأب جوزيف الخوري يروي ما حصل في سطوره التّالية:

"في خضمِّ حصارٍ دمويٍّ شنَّه تحالفٌ شرسٌ من شعوبٍ مختلفةٍ على مدينة القسطنطينيَّة في العام ٦٢٦م، استنجد أهل المدينة بوالدة الإله العذراء مريم. كانت المدينة تواجه خطرًا داهمًا، فالإمبراطور هرقل كان غائبًا، والقوّات المدافعة تقف وحيدةً أمام جحافل العدوِّ.

في تلك اللّحظة الحرجة، خرج البطريرك سرجيوس حاملًا أيقونة عذراء بلاشرن المقدَّسة، وتبعه المؤمنون وهم يرتّلون التماسًا لشفاعتها. ساروا حول أسوار المدينة، ورفعوا صلواتهم إلى السّماء، مؤمنين بقدرة العذراء على حمايتهم.

تقول الرِّوايات التّاريخيَّة إنّ معجزةً حدثت، فانهزم العدوُّ على نحوٍ مفاجئ. ذكر بعض المؤرِّخين أنَّ المهاجمين شاهدوا امرأةً نورانيَّةً تحوم فوق المدينة، وأنّ رؤىً مخيفةً ظهرت لهم، ممّا دفعهم إلى التَّراجع. كما يُروى أنَّ البحر هاج فجأةً، وغرق كثيرٌ من سفنهم.

ونتيجةً لهذا النَّصر العظيم، نظَّم المؤمنون ترنيمةَ شكرٍ وعرفانٍ لوالدة الإله، جاء فيها:

"إنّي أنا مدينتك يا والدة الإله، أكتب لك رايات الغلبة يا قائدةً محاميةً، وأقدِّم لك الشُّكر كمنقذةٍ من الشَّدائد. لكن بما أنَّ لك العزَّة الّتي لا تُحارَب، أعتقيني من صنوف الشَّدائد، حتّى أصرخ إليكِ: افرحي يا عروسًا لا عروس لها."

هذه التَّرنيمة، الّتي عبَّرت عن إيمانٍ عميقٍ بقدرة العذراء على الحماية والشَّفاعة، أصبحت فيما بعد صلاةً يتلوها المؤمنون في أوقات الشِّدَّة. وقد تُرجمت عبارة "إنِّي أنا مدينتكِ" لاحقًا إلى "إنِّي أنا عبدكِ"، وذلك للتَّعبير عن الثِّقة التَّامَّةِ بمحبَّةِ العذراء وبشفاعتها.

وعند تفسير أبيات هذه التَّرنيمة، نرى في الجملة "إنِّي أنا مدينتك يا والدة الإله" نداءً مباشرًا للعذراء، يُعبِّر عن علاقةٍ حميمةٍ وثيقةٍ بين المؤمن ووالدة الإله. المدينة هنا رمزٌ للكنيسة وللمؤمنين، وهي تلجأ إلى العذراء طلبًا للحماية وللشَّفاعة.

أمّا عبارة "أكتب لك رايات الغلبة يا قائدةً محاميةً"، فتصوِّر العذراء كقائدةٍ لجيشٍ سماويٍّ يحارب الشَّيطان وقواه، وهي دعوةٌ لتمنح المؤمنين النَّصر في المعارك الرّوحيَّة.

"وأقدِّم لك الشُّكر كمنقذةٍ من الشَّدائد"،هنا يُعبِّر المؤمن عن شكره للعذراء على نجاته من الشَّدائد والمخاطر الّتي واجهها.

"لكن بما أنَّ لك العزَّة الّتي لا تُحارب، أعتقيني من صنوف الشَّدائد"،هذا، التماسٌ يُعبِّر عن ثقة المؤمن بقدرة العذراء على تحريره من كلِّ شرٍّ.

وكتعبيرٍ عن تقدير الكنيسة لدورها العظيم في خطَّة الخلاص، كونها الأمّ الّتي حملت الرّبَّ يسوع المسيح في أحشائها، يختم كاتب الصَّلاة بدعوةٍ للفرح:
"حتّى أصرخ إليك: افرحي يا عروسًا لا عروس لها."

وكما نرى، تكثر في هذه الصَّلاة الصَّغيرة المعاني الرَّمزيَّة؛ فالمدينة ترمز إلى الكنيسة والمؤمنين، وهي بحاجةٍ دائمةٍ إلى حماية الله ووالدته. و"القائدة" تشير إلى دور العذراء كقائدةٍ للجيش السَّماويِّ الّذي يُحارب الشَّرَّ. أمّا "الشِدَّةُ" فتمثِّل كلَّ التَّحدّيات الّتي قد يواجهها المؤمن في حياته. و"الفرح" يُعبِّر عن الابتهاج بانتصار المؤمن على الشَّرِّ بمساعدة العذراء.

أمّا عن الأبعاد اللّاهوتيَّة للتَّرنيمة، فنرى في طلب شفاعة العذراء تأكيدًا على دورها في التَّوسُّط للمؤمنين لدى الله لأجل نجاتهم. كما نلحظ العلاقة الأموميَّة الّتي تربط المؤمن بوالدة الإله، والّتي تشبه العلاقة بين الابن وأمِّه، إلى جانب إحساس النَّصر الرّوحيِّ في حياة المؤمن، والّذي لا يتحقَّق إلّا بمعونة الله ووالدته.

ترنيمة "إنِّي أنا مدينتك يا والدة الإله" هي أكثر من مجرَّد كلماتٍ، فهي تعبيرٌ عميقٌ عن إيمان المؤمنين بقداسة العذراء مريم وبشفاعتها. هذه التَّرنيمة تدعونا للتَّعلُّق بوالدة الإله، واللّجوء إليها في كلِّ أوقات الشِّدَّة، مؤمنين بأنَّها ستكون لنا سندًا وعونًا."