طربيه من سيدني: عيد الفصح طريقنا الى الحريّة
"ان قيامة الرّب يسوع من بين الأموات حقيقة تاريخية "سلّمها إلينا أولئك الذين كانوا من البداية شهودا عيان، ثم صاروا خداما للكلمة" (لو1/2)، وهي حقيقة ايمانيّة أساسيّة يعلنها الرسل والتلاميذ والتلميذات مع الملائكة: "إنّه ليس هو ههنا لقد قام كما قال" (متى28/6). وعلى أساسها انطلقت بشارة الإنجيل لتؤكّد للعالم أجمع بأنّ الرب يسوع المسيح قد تألم وصلب ومات حقا، ولكنه في النهاية انتصر على الموت وقام، لقد قام، حقّاً قام من ظلمة القبر وصمته، وانطلق ليحرّر الانسان من الموت والخطيئة ويدعوه الى الحياة الجديدة.
إنّ حدث القيامة يتجلّى بكونه عبوراً من العبودية الى الحرية، من الظلمة الى النور، ومن الموت الى الحياة. إنّه قصة الحرية التي تضج بها أسفار العهد القديم من الكتاب المقدس، ومنها قصة عبور الشعب اليهودي من العبودية والذل في أرض مصر الى الحرية والكرامة في أرض الميعاد. وهنا يطرح السؤال: ما هو الانجاز الاهم عند الشعب اليهودي بعد تحرّرهم ووصولهم الى أرض الميعاد؟ لقد بنوا هيكلاً ليعبدوا لله فيه، واحتفلوا بانجازه لأنّهم كانوا يريدون قبل كل شيء حريتهم الدينية.
مع قيامة الرّب يسوع انفتح امام الانسان الطريق الصحيح الى الحرية الحقيقية، لأنّ الرب يسوع بموته على الصليب انتصر على الموت والألم والشر والشيطان. وبقيامته رمم صورة الله في الانسان التي شوّهتها الخطيئة الأصليّة، وحرّر البشرية من النظرة القديمة التي ترتكز على العدواة بين البشر، وأعطى الإنسان القدرة على اعتبار الآخر أخاً له في الانسانية ومساو له في الكرامة والحرية، وليس تهديدا لوجوده وطموحاته ومصالحه. "فالمحبة نحو إخوتنا، كما يقول لنا القديس يوحنا الحبيب، تبين لنا أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة" (1يو3/14)".
انّ المؤمنين في الأجيال المسيحية الأولى، لم يستطيعوا بسبب الاضطهاد والظلم، أن يحتفلوا علانية بعيد القيامة. وبالرغم من ذلك نمت الكنيسة وانتشرت بشكل كبير إذ "كان الرب، كل يوم، يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أعمال2/47). وأقبل الكثيرون على الايمان بالرّب يسوع وثبتوا على هذا الايمان حتى الموت والاستشهاد. وفي مطلع القرن الرابع كان الحدث المفصلي مع منشور ميلانو سنة 315 الذي أعطى الحرية الدينية للمسيحيين. وقد ترجم المسيحيون هذه الحرية ببناء الكنائس والاديار لعيش الايمان الحق وعبادة وتمجيد الرّب.
ما احتفالنا بعيد الفصح اليوم سوى احتفال بالحرية الحقّة، حريّة أبناء وبنات الله الذين يعتمدون روحانية الانجيل في حياتهم، فنسعى نحن على مثالهم الى مواصلة مسيرة آبائنا الذين ما لبثوا بعد وصولهم الى أرض هذا البلد العظيم أوستراليا، حتى باشروا ببناء الكنائس والأديار تعبيراً عن ايمانهم العميق بالله وعلامة للحرية الدينية التي هي في أساس مجتمعنا الاوسترالي. غير أنّنا نجد اليوم أنفسنا أمام طروحات وقوانين جديدة لا تقبل بالمفهوم العام للحريات الأساسيّة، وترفض بالتّالي حرية التعبير وحرية المعتقد الديني باسم حريات جديدة قد تدمر هوية الانسان ومفهوم العائلة وبنية المجتمع. ويحتار أبناؤنا وبناتنا في المدارس والجامعات واماكن عملهم ويتساءلون عن كيفية التعامل مع هذا الواقع المرير؟ الجواب موجود في سرّ القيامة الذي هو احتفال بالحرية كرسالة سماوية، وهو بالتّالي طريق الى معرفة الحق لأنّنا بمعرفة الحق نتحرّر (يو8/32). فكل طرح مبني على باطل لن يدوم، والحرية لا تفهم إلا لكونها عطية من عند الله. وهذا ما يدفعنا الى التّشبث يوماً بعد يوم بحريتنا وايماننا، والى الالتزام الدائم بالزواج والعائلة بحسب تقليد كنيستنا المارونية والتعليم المسيحي الكاثوليكي.
احتفالنا بعيد الفصح هذه السّنة، يقع بين حدثين مهمين في أبرشيّتنا المارونيّة: الأول هو وصول ذخائر أبينا القديس مارون وبدء مسيرة حج الى مختلف الكنائس في الأبرشية للافساح في المجال للجميع لنيل بركة الذخائر وطلب شفاعة القديس مارون، وذلك في سبيل تجديد واطلاق الروحانية المارونية في جاليتنا الأوسترالية. والحدث الثاني هو المجمع الأبرشي الماروني الأوسترالي الأول والذي سيعقد دورته الأساسية الاولى من 12 الى 14 نيسان، والذي يهدف الى وضع رؤية مستقبلية لكنيستنا المارونية في أوستراليا، ومن المهم جدّاً أن نصلّي معاً من أجل إنجاح أعمال هذا المجمع.
تبقى قيامة الرّب يسوع حجر الزواية في حياة الكنيسة وأبناء الايمان، لأنّه كما يقول القديس بولس:"لو لم يقم المسيح لكانت كرازتنا باطلة وايماننا باطل" (1كور15/14). ولأنّ القيامة هي طريقنا الى الحرية، علينا أن نعود إلى ذواتنا ونفكر في كل ما يجب أن نتحرّر منه. وأوّل ما يجب التّحرّر منه هو الخطيئة والشّر:"فتوبوا وارجعوا ليمحو الله خطاياكم" (أعمال3/19) كما يقول القديس بطرس. والخلاص الذي حقّقه لنا الرّب يسوع بموته وقيامته، لا يمنع عنا التجربة والخطيئة، إنّما ينجّينا من تداعيات الشّر والخطيئة علينا. وكما نقرأ في وصايا الكنيسة : اعترف بخطاياك أقلّه مرة في السّنة، في عيد الفصح. هكذا ننال مغفرة خطايانا بممارسة سرّ التوبة والاعتراف للكاهن، لنتتحرّر من عبوديّة الشّر والخطيئة وندخل الى الفرح والرّجاء والسّلام في عيد القيامة. وعلى مثال عبور الشعب اليهودي من العبودية الى الحرية، كذلك نحن بقيامة الرّب يسوع، نعبر من الانسان القديم المستعبد للخطيئة والموت، الى الانسان الجديد المتحرّر من العبوديات، انسان النعمة والحياة. عندها، نصبح جميعاً مدعوّوين لنكون أبناء لله بالرّوح والحق. ولنهتف معاً بصوت واحد قائلين: المسيح قام حقّاً قام.