ساكو يكتب عن "الشّمّاس الإنجيليّ في الكنيسة بلا هويّة!"
"1. الشّمّاس كلمة سريانيّة تعود إلى الشّمس –Shimsha شْمشَا shammasha شَمَّاشَا، mshamshana مشَمْشَانا، أعتقد أنّها تُشير إلى من يعكس النّور، وليس إلى خادم الإله الشّمس! وكنسيًّا الكلمة تعني الشّمّاس الإنجيليّ حصرًا، بينما مرادِفها باليونانيّة هو διάκονος / diakonos دياكونوس وتعني بالعربيّة الخادم، ويقصد بها خادم العبادة. فمن الطّبيعيّ أن تتطوّر الكلمة مع الاستعمال وتتبلور صياغتها اللّاهوتيّة والقانونيّة مع الزّمن. ولرسامته طابع الأسرار ويُعَدّ من رجال الإكليروس، بينما لاهرميّة كهنوتيّة للشّمّاس القارئ والرّسائليّ، رسامتهما مجرّد صلاة بركة، تخلو من صلاة حلول الرّوح القدس (وضع الأيدي– سياميذا) الّتي نجدها في رسامة الرّتب الكنسيّة الثّلاث: الشّمّاس الإنجيليّ والكاهن والأسقف.
2. الكنيسة جماعة فيها طاقات وخبرات متنوّعة، توظَّف لخدمة الكلّ وإغنائهم. وجاء في الرّسالة إلى رومية: "من له موهبة الخدمة فليخدم"(رومية 12: 5). وتأتي الشّمّاسيّة في هذا السّياق. والشّمّاس في التّقليد الكنسيّ العريق، شخص يساعد الأسقف أو الكاهن في كنيسة محلّيّة. ويتمّ اختياره على ضوء إيمانه وصفاته الأخلاقيّة، وثقافته المسيحيّة. وتُعهَد إليه بعض المهام، حدّدتها الكنيسة اللّاتينيّة: إعلان الكلمة، وخدمة اللّيتورجيا وخدمة المحبّة، أيّ مساعدة المحتاجين (قانون 29). والشّمّاس الإنجيليّ مثل الكاهن مرتبط بأبرشيّة معيّنة، ويتلقّى مهامَه مباشرة من أسقفه، وقد وعد له بالطّاعة أثناء رسامته، وإذا كان متفرّغًا، ومُنَسَّبًا لخدمةٍ محدّدةٍ ومنتظمةٍ، يُمنح راتبًا شهريًّا يضمن له معيشة كريمة.
3. الشّمّاسيَّة تأسيسٌ مسيحيّ أصيل، نجد جذوره في العهد الجديد: "فَدَعا الاِثْنا عَشَرَ جَماعَةَ التَّلاميذ وقالوا لَهم: لا يَحسُنُ بِنا أَن نَترُكَ كَلِمَةَ الله لِنَخدُمَ على الموائِد. فابحَثوا، أَيُّها الإِخوَة، عن سَبعَةِ رِجالٍ مِنكُم لَهم سُمعَةٌ طَيِّبَة، مُمتَلِئينَ مِنَ الرُّوحِ والحِكمَة، فنُقيمَهم على هذا العَمَل، ونُواظِبُ نَحنُ على الصَّلاةِ وخِدمَةِ كلِمَةِ الله. فاستَحسَنَتِ الجَماعةُ كُلُّها هذا الرَّأي، فاختاروا إِسطِفانُس، وهُو رَجُلٌ مُمتَلِئٌ مِنَ الإِيمانِ والرُّوحِ القُدُس، وفيلِيبُّس وبُروخورُس ونيقانور وطِيمون وبَرمَناس ونيقُلاوُس وهُو أَنطاكِيٌّ دَخيل. ثُمَّ أَحضَروهم أَمامَ الرُّسُل، فصَلَّوا ووَضَعوا الأَيدِيَ علَيهِم (أعمال 6 :2-6). وتذكر الرّسالة إلى رومية 18 رجلاً و5 سيّدات تعبن مع بولس في نشر الإنجيل، ومن بينهنّ "أختنا فوبية شمّاسة كنيسة قنخريّة"، ويطلب من المؤمنين مساعدتها (نجد إشارة إلى وجود شمّاسات في رسالة من بلايني حاكم بيثينيا وجّهها إلى الإمبراطور تراجانس سنة 112م. وقد أهملت خدمة الشّمّاسات لأسباب اجتماعيّة وثقافيّة!). أمّا الشّمامسة فيوجد اليوم بين متخصّصي الكتاب المقدّس من يقول إنّ هؤلاء الشّمامسة كانوا يرئسون الكنائس غير اليهوديّة. ولم تكن مهمّتهم خدمة المائدة فقط، بل نراهم يبشّرون ويعظون كإسطيفانوس وفيليبّس، بمعنى آخر كانوا خدّام "الكلمة" (1 تيموثاوس 4: 6).
4. كما نجد الشّمّاسيّة في كتابات آباء الكنيسة، عند أوريجانس وكتاب الدّيدسكاليه، ويفرز لها كتاب الرّسامات رتبةً خاصّة بهم. وفي كنيسة المشرق لنا مثال رائع للشّمّاس الدّائم هو مار أفرام (306-373) الّذي بقي شمّاسًا مدى حياته. هذه الخدمة مع الزّمن رُبطت في الكنيسة الكاثوليكيّة كخطوة انتقاليّة نحو الكهنوت على نهج التّكريس في العزوبيّة، إلى أن جاء المجمع الفاتيكانيّ الثّاني 1960-1965، فاستعادها كشمّاسيّة دائمة للمتزوّجين أو غير المتزوّجين، من دون ربطها بالكهنوت (وثائق المجمع، نور الأمم رقم 29)، لتُعدّ بمثابة دعم لرسالة العلمانيّين المؤمنين، وارتقاء المتزوّجين منهم إلى الدّرجة الكنسيّة ولبس القميص الكهنوتيّ والياخة البيضاء (القُلَّة). وكان هناك شمّاسات أيضًا، لكن دورهنّ ومكانتهنّ يختلفان عن دور الشّمّاس. كنَّ يعلّمن السّيّدات في البيوت، ويساعدن في تعميد الإناث، وفي أعمال المحبّة. من المؤكّد أنّ للشّمّاس الإنجيليّ طابعَ الرّسامة، بينما ليس ذلك للشّمّاسة، بالرّغم من وجود رتبة لرسامتهنّ في الطّقس الكلدانيّ. ومن المعلوم أنّ البابا فرنسيس قد شكّل لجنة لمتابعة إمكانيّة رسامة شمّاسات في الكنيسة الكاثوليكيّة. الشّمّاسيّة لكلي الجنسين، إذا حصلت الموافقة، ستصبح عندئذ قوّة روحيّة متميّزة وإسهامًا بارزًا ومتنوّعًا في مجال حياة الرّعيّة وتعزيز الوحدة والشّركة.
5. ونظرًا لنقص عدد الكهنة في كنيستنا، يمكن رسامة أشخاصٍ معهودٍ لهم بالعلم والفضيلة كشمامسة إنجيليّين دائمين، ويُعهَد إليهم "إمكانيّة" الوعظ، وترأُّس الجُنّاز، ومرافقة الموتى إلى المدافن، وترأّس صلاة الرّمش- المساء وبركة القربان، ومناولة القربان، وإدارة أمسيات إنجيليّة وأخويّات، وزيارة المرضى في الدّور أو المستشفيات، وزيارة السّجناء بانتظام، والاهتمام بالمحتاجين ومساعدتهم، ونشاطات أخرى. من المؤسف أن يقتصر دوره حاليًّا بخدمة القدّاس. كما يمكن إعدادهم في كلّيّات اللّاهوت المفتوحة للعلمانيّين والتّخصّص في العلوم الكنسيّة. وتوَضِّح قوانين الكنائس الشّرقيّة (القانون 759 و750) متطلّبات رسامة شمامسة إنجيليّين. ويدفع له راتبٌ معقولٌ إذا كان متفرّغًا.
تأسيسًا على ما سبق ذكره، لا بدّ من الإقرار، أنّه في كنائسنا المشرقيّة الكاثوليكيّة، كما في الكنيسة اللّاتينيّة، ثمّة حاجة لمصالحة الكاهن مع ذاته، وتعزيز الثّقة بالنّفس، وعدم اعتبار الشّمّاس الإنجيليّ منافسًا أو رديفًا له. ولرئاسة الأبرشيّة الدّور في وضع النّقاط على الحروف، وتحديد المهام، بمبدئيّة وموضوعيّة، تجاه من هم برتبتهم الكنسيّة، سليلو أوّل الشّهداء مار أسطيفانوس وقيثارة كنيسة المشرق الشّمّاس الإنجيليّ مار أفرام. وكنّا في سينودسنا المنعقد بروما من 25-29 تشرين الثّاني 2015 قد شكّلنا لجنة لدراسة الشّمّاسيّة الإنجيليّة في كنيستنا، لكنّها لم تفعل شيئًا!! أقترح تبَنّي النّظام المعتمد في الكنيسة اللّاتينيّة والمتعلّق بمهام الشّمّاس الإنجيليّ، من منطلق أنّنا كنيسة كاثوليكيّة".