ساكو في رسالة القيامة: قيامة المسيح استشراق لمستقبل البشريّة إن هي سارت وفق تعليمه
"إحتفالنا اليوم يذكّرنا أكثر من أيّ يوم آخر، بمحبّة الله للبشر وبقربه منهم، وبرحمته الواسعة لهم من خلال قيامة المسيح الّتي تعدّ استشراقًا مؤكّدًا لمستقبل البشريّة وخلاصها إن هي سارت وفق تعليمه. قيامته تأتي "ليُنير الجالسين في الظّلمة وظلال الموت، لِيُسَدِّدَ خُطانا لِسَبيلِ السَّلام" (لوقا 1/ 79).
قيامة المسيح تعزية لنا ورجاء… قيامته هي أساس رجائنا الخاصّ وعربون قيامة كلّ المؤمنين. وإنجيله بالتّالي رسالة رجاء، يذكّرنا بأشياء مهمّة في حياتنا. آلامه مخاض ولادة جديدة، وقيامة مجيدة وتأسيس جماعة جديدة (الكنيسة).
قيامة المسيح دعوة للدّخول في زمن جديد، وعهد جديد، فيه نحبّ بعضنا البعض بصدق، ونتعاون بحماسة وتجرّد، لنكون دومًا حاضرين للوقوف إلى جانب بعضنا البعض، على مثال تلاميذه الّذين جمعتهم القيامة بالمحبّة، وجعلتهم يتقاسمون ما يملكونه بحرّيّة.
أتساءل أين صارت القيم الرّوحيّة المسيحيّة في معظم مجتمعاتنا. ماذا فعلنا بتعليم المسيح الّذي دعانا إلى محبّة الجميع حتّى أعدائنا؟ ماذا فعلنا بقيم الأخوّة والسّلام والأمان والاحترام والخير العامّ؟ فمن المُعيب أنّ روحانيّتنا غدت فقيرة! لماذا تنازلت عنها مجتمعاتنا، خصوصًا الغربيّة منها؟
على الكنيسة أن تعمل جاهدة لاستعادة هذه القيم لينعم عالمنا بالسّلام والأمان والعدالة وبروح المحبّة. على الكنيسة أن تعكس نور الإنجيل على الشّؤون الرّاهنة الّتي تشكّل حياة المجتمع، وألّا تبقى كنيسة خارج الزّمن وخاملة.
على المؤمنين من أيّ دين كانوا التّواصل مع كلّ إنسان مهمًّا كان دينه أو مذهبه أو قوميّته، وتحقيق التّفاهم والتّعاون الأخويّ كما دعانا المسيح "كلّكم أخوة" وكما تعكس الرّسالة العامّة للبابا فرنسيس "كلّنا أخوّة"، والّتي تشجّع على بناء عالم جديد وحضارة جديدة، وتدافع عن الأخوّة البشريّة وكرامة الإنسان والاحترام المتبادل.
على كلّ مؤمن بالله، والمسيحيّ بشكل خاصّ أن يرفض منطق الحرب- الموت لأنّها تتقاطع مع منطق المحبّة والسّلام والحياة. فالطّريق الوحيد للوصول إلى "القيامة" وعيشها هو باتّباع خطى المسيح الّذي أظهر نفسه لنا من خلال مار توما ولا يتعب من مناداتنا كما نادى مريم المجدليّة باسمها.
على رؤساء الدّول والمرجعيّات الدّينيّة والمجتمع نفسه العمل لإنهاء الحروب بين روسيا أوكرانيا وحلّ الأزمات بطرق دبلوماسيّة وليس الاقتتال. يكفي حروب وموتى وجرحى وآلام وخراب وهجرة وفقر وأمراض.. يجب الكفّ عن صنع الأسلحة الفتّاكة هنا وهناك، ألّا يحرّك كلّ هذا الشّرّ ضمير المسؤولين السّياسيّين في العالم؟ كلّ إنسان شريف عليه أن يرفض هذا الجحيم. نحن في لحظة خطيرة قد تجرّ إلى حرب عالميّة مدمّرة لا سمح الله لها تداعيات خطيرة على مجمل العمليّة السّياسيّة. أدعو جميع المؤمنين مسيحيّين ومسلمين (وهم يصومون شهر رمضان) ويهود أن ينظروا إلى معاناة أوكرانيا وبلدان الشّرق الأوسط وإذلالها وتفكيك فسيفسائها الجميل.
أخيرًا، كمواطن عراقيّ وكرجل دين مسيحيّ مسؤول، لا يمكنني تجاهل رؤية العراقيّين متعبين ومنهوكين بسبب الظّروف الصّعبة الّتي يمرّ بها بلدنا الحبيب العراق. لذلك أدعو القوى السّياسيّة إلى تحمُّل المسؤوليّة الوطنيّة واعتماد لغة الحوار والتّفاهم كونها السّبيل الوحيد للخروج من الانسداد السّياسيّ المقلق والإسراع في بناء حكومة وطنيّة قادرة على الإصلاح الحقيقيّ.
عسى أن ينير، ذلك النّور المنبعث من قبر المسيح، بصائرنا فنقوم معه، ونقف أمام إنسانيّتنا، وقفة تحرّر وتضامن وأخوّة.
قيامة مباركة للجميع والسّلام على الأرض."