العراق
23 كانون الأول 2019, 15:00

ساكو: عيد الميلاد مشروع نعيشه بالفكر والذّكر والفعل

تيلي لوميار/ نورسات
عن "عيد الميلاد" كتب بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو ضمن موضوع السّبت، فقال بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"درج المسيحيّون منذ القديم، على الاحتفال بعيد ميلاد المسيح. وإختلف تاريخ الإحتفال بين الغربيّين والشّرقيّين. فالغربيّون اتّبعوا التّقويم الغريغوريّومعهم الشّرقيّون الكاثوليك في احتفالهم في 25 كانون الأوّل، أمّا الشّرقيّون، وبخاصّة الأقباط والأرمن فاتّبعوا التّقويم اليوليانيّ بسبب وجود فرق 13 يومًا بين التّقويمين، فإنّهم يحتفلون بالميلاد في 6 أو 7 كانون الثّاني من كلّ عام. لا نجد في الكتاب المقدّس ذكرًا محقّقًا ليوم وشهر ميلاد المسيح، وليس بوسعنا تحديد تاريخ الولادة بدقّة، وإنّما ما نقوله عنه تقريبيٌ. لقد حدّد مجمع نيقية (عام 325)الاحتفال بعيد الميلاد بشكل ثابت في 25 كانون الأوّل، إذ فيه يتساوى اللّيل والنّهار. ومن الجدير بالذّكر أنّ الوثنيّين قبل المسيحيّة، كانوا يحتفلون بعيد الشّمس في يوم 25 كانون الأوّل. ورأى المسيحيّون أنّ المسيح هو النّور الّذي أشرق على العالم فتبنّوا هذا التّاريخ! يقول مار أفرام († 373)  "أشرق النّورُ على الأبرار، والفرحُ على مستقيمي القلوب، يسوع ربُّنا المسيح شرَقَ لنا من حَشا أبيه"، كذلكالمزمور 26: 9الّذي يرتّله السّريان في القدّاس "بنوره نرى النّور، يسوع ملءُ النّور". ولربّما هذا هو السّبب أنّنا نُشعل النّار خلال الاحتفال بقدّاس الميلاد، في كنائسنا الكلدانيّة والسّريانيّة في العراق.

يضمّ الاحتفال بعيد الميلاددينيًّاصلوات وقداديس خاصّة تحيي ذكرى ميلاد المسيح في منتصف ليل 24-25 أو في الفجر كما كان سابقًا في العراق، ومنذ القرن الثّالث عشر مع القدّيس فرنسيس الأسيزيّ سنة 1223، اعتاد المسيحيّون على نصب المغارة لإظهار تواضع المسيح، ثمّ أدخلت شجرة مزيّنة كرمزٍ للحياة والبقاء.ومدنيًّا:تُنصّببهذه المناسبة معالم الزّينة في البيوت والشّوارع والسّاحات العامّة. وفي العراق تعدُّ العائلات المسيحيّة أطعمة خاصّة مثل الباجة، واليخني، فضلاً عن "الكليجة"، ويتبادل المسيحيّون الزّيارات للتّهاني، والهدايا من خلال استقبال الشّخصيّة الرّمزيّة بابا نوئيل (Santa Claus)، وينظّمون احتفالات عائليّة في النّوادي.

إيمانيًّا يُظهر عيدُ الميلاد محبّة الله لنا. وكما أنّ الحبَّ عظيمٌ لا يُحَدّ، هكذا كيان الله. ويسوع يكشفُ ما كان مخفيًّا علينا. كشف لنا محبّته ورحمته. كلّمنا عن الله كأب لجميع البشر. أمّا الثّالوث فهو طريقة حضور الله محبّة كأب وكإبن وكروح. وبالرّغم من وجود تمايُز في  شكل طريقة هذا الحضور الثّلاثيّ وتعبيره اللّاهوتيّ، لكن الله يبقى واحدًا في الجوهر. الآب هو المصدر، وتظهر حركة محبّته في الإبن وبالرّوح القدس. يسوع هو حضورُ الله للكنيسة ولكلِّ مؤمنٍ شخصيًّا حتّى نختبر هذا الحضور الإلهيّ. فالميلاد مشروع حياة نعيشه بالفكرِ والذّكرِ والفعل ليتجلّى المسيح فينا. كلمة الله تجسّدت فيه، أيّ صارت إنسانًا، وبه نحيا من حياة الله، ومن لا يحبّ لا حياة له. طبيعيٌ أن يبقى جانب كبير من حياة الله وتصميمه سرًّا، والسّرُّ مهمّ في اللّاهوت، باعتباره ما لا يقدر الإنسان أن ينتهي من فهمه، بل يقف مندهشًا أمام عظمة الله. المسيح، هو كثيرون، هو الكنيسة، أيّ جماعة المؤمنين الملتئمين حوله والّذين يشحنهم بروحانيّة متجدّدة، فيولد في قلوبهم الحبّ الصّحيح لله وللآخرين. المسيح شخص فريد لا أحد يشبهه! بولادته انبعثت ولادةٌ جديدةٌ للبشريّة جمعاء، وأَسّسَت مفاهيمَ روحيّةً كونيّةً نسير عليها.
ميلاد المسيح قبل نحو ألفي عام  في ظروف الفقر، والعوَز والصّراعات الّتي لا تختلف  كثيرًا عن الأوضاع الّتي نعيشها اليوم في العراق ولبنان وسوريا. وبشرى الملائكة الّتي أعلنت المجد والسّلام في تلك الأوضاع، ها هيذي تعلنُها لنا اليوم وسط ظروفنا ومآسينا "المجد لله في العلى وعلى الأرض السّلام".  نأمل أن يحرّك هذا الميلاد الرّجاء في قلوب أصحاب الإرادة الطّيّبة، فيهتدوا إلى الحوار البنّاء من أجل الخير والسّلام والحوار ليشرق فجر جديد للعراق والمنطقة. ومتى ما نوفّر فسحة في قلوبنا ليأتي إلينا المسيح ونرتوي من المعاني الّتي حملها ستمتليء حياتُنا من الحبّ والسّلام والأخوّة والألفة. هذه العناوين الكبرى والقيم المُثلى إنْ عشناها بروح متجدّدة وبفرح، ستشرق حياتنا ناصعة سعيدة. فالميلاد ليس مغارة أو لعبة أطفال مع بابا نوئيل، بل إيمانٌ وحالة نضوج والتزام ومسؤوليّة.

كلّ عيد ميلاد وأنتم بخير!".