ساكو: الصّلاة لا تنفصل عن الحبّ!
بهذه الكلمات قدّم بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو لموضوع السّبت "المسيحيّ يصلّي"، وتابع نقلاً عن موقع البطريركيّة:
"المؤمن يصلّي، لأنّ الصّلاة هي في جوهر إيمانه، ولأنّها الفعل الأكثر تلقائيّةً للتّعبيرعن حبّه وإعجابه، وشكرِه وسجوده، خصوصًا عندما يُدرك أنّه مثل طفل لا يقدر أن يعيش لوحدِه. ولكي تعكس صلاته وجه الله وتكون فعّالة، ينبغي أن يكون وجهُهُ حاملاً الله. الصّلاة تدفعنا إلى أبعد، إلى تجاوز ما يفصل المرئيّ عن اللّامرئيّ وتحقيق الوحدة– التّناغم بين الباطنيّ والخارجيّ. الصّلاة تساعدنا على الانفتاح والتّواضع وقبول الآخر. من يصلّي يحاور نفسه وينتقدها قبل أن يُحاور غيره. صلاتنا تعني أن يكون قلبُنا بسيطًا، منفتحًا، مستيقظًا، قادرًا أن يكشف عن ذاته بأنّه صغير وضعيف أمام الله، وأن يُدرك بأنّه غير قادر على النّهوض إلّا إذا ألقى بذاته بين يدي الله اللّتين وحدهما قادرتان على إنهاضه. هكذا تولد المعجزة.
ثمّةَ حاجة مطلقة إلى الصّلاة الشّخصيَّة اليوميّة فضلاً عن الصّلاة اللّيتورجيّة. فالصّلاة الشّخصيّة تنبع من حضور الله فينا. بالصّلاة نوحّد فكرَنا وقلبَنا بصمتٍ واندهاش، وشكر وتسبيح وسجود. لذلك نحتاج من حينٍ إلى آخر للخروج عن المعتاد، كما كان يفعل يسوع "قام قبل الفجر مبكرًا، فخرج وذهب إلى مكان قفر، وأخذ يصلّي هناك" (مرقس1: 35). الصّلاة صرخةُ رجاء تجاه الله القادر على خلاصنا. الصّلاة تمنحنا قوّةً للالتزام بإيماننا والأمانة له. يسوع يُعلّمنا كيف نصلّي: "متى ما صلّيتَ، ادخل حجرتك واغلق عليك بابها وصلّ الى أبيك في الخفية" (متّى 6: 6). والحجرة هنا ترمز إلى كياننا الدّاخليّ العميق. أن نتعلّم كيف نصلّي، يعني أن نتعلّم أن نضع أنفسنا في حضور الله، وأن نُسْكِتَ كلَّ العواصف فينا وحولنا، وأن نترك الرّوح القدس يصلّي فينا، ويُدخِل شيئًا من عالم الله إلى حياتنا.
الصّلاة تعبير قويّ عن فقر الإنسان ومعطوبيّته أمام الله وارتباطه به. بها يتوجَّه المُصلّي إلى الله بتواضع، مُسَلِّمًا نفسه بثقة بنويّة بين يديه، ومُقِرًّا بسموِّه وقدرتِه، وطالبًا غفرانَه، ومعرِبًا عن رجائه برحمته. الصّلاة اندماج بمن نتوجّه إليه. الصّلاة ليست فعلاً معزولاً عن الحياة، بل الحياة برمَّتها تغدو ينبوع صلاة، لذا يدعونا الرّسول بولس إلى أن نصلّي من دون انقطاع (1تسالونيقي 5: 17). الصّلاة لا تغيِّر الأحداث مباشرةً، بل تُغيِّر قلبَ مَن يعيش الأحداث وتُغيِّر نظرتَه. من يصلّي يتمتّع بكثير من السّلام والفرح، والتّواضع والطّيبة في التّعامل مع الآخرين.
الصّلاة مع الكتاب المقدّس. هناك أكثر من سبب يدفع المؤمن إلى قراءة الكتاب المقدّس، قراءة يوميّة، لأنّ فيه نضارة وعمق. منه يستمدّ خطوط القوّة الّتي تغذي حياته وعمله. لا ننسى أنّ الكتاب المقدّس هو كتاب صلاة أيضًا. علينا أن نصلّي مع الكلمة: الكلمة الموحاة، الكلمة المكتَشفة، الكلمة المقتَسمة، الكلمة الّتي نحتفل بها. من يصمت، شخصٌ يمارس الصّلاة العميقة، لا يتلو أو يرتّل مثل من يردّد من دون إدراك، لأنّ الله بالنّسبة له هو موضوع إعجاب، وانبهار، وحبّ، وسجود، وفرح، وتسبيح. من هنا تحتفظ الكلمة بديناميكيّتها عندما نجعلها حقيقة حيّة وليس مجرّد ممارسة عاديّة.
للصّلاة اللّيتورجيّة، أيّ صلاة الكنيسة الرّسميّة الملتئمة حول يسوع للاحتفال بحضوره أهمّيّة كبرى في حياة المسيحيّين. فمن خلال مشاركتهم الفعّالة في الصّلاة الطّقسيّة، يندمجون في الكنيسة على رجاء بلوغ ملء قامة المسيح. من لا يعيش مع الجماعة يفقر، ولا يختبر الحضور السّرّيّ للمسيح. على مثال توما الّذي لم يختبر قيامة المسيح إلّا بالانضمام إلى التّلاميذ المجتمعين في العلّيّة (يوحنّا 20: 19-30). الحضور هو في قلب الحياة الإلهيّة (الثّالوث). الحضور ينمّي العلاقة والشّركة والمسؤوليّة والالتزام. من المؤسف أنَّ معظم رعايانا فقدت اليوم ممارسة الصّلاة الطّقسيّة الاحتفاليّة بسبب اللّغة والطّول والتّكرار وغياب التّأوين.
"لا تعمَد الى الأكثارمن الأقوال في الصّلاة لئلّا يتشتت عقلك في البحث عن ألفاظ التّضرّع. فإنّ كلمة واحدة من العشّار (لوقا 18: 9- 14) استرضت الله، وصرخة إيمان واحدة من اللّصّ خلَّصته. فالثّرثرة في الصّلاة كثيرًا ما تجنح بالعقل إلى التّخيّلات وتشتّته، بينما الكلام المقتضب يجمعه" (يوحنّا السّلّميّ، السّلّم 28: 10).