سار معهما.. فكان القدّاس الأوّل بعد القيامة
لكنّ يسوع المسيح المنتصر على الموت لم يتركهما بل دنا منهما وسار معهما، وسألهما عمّا كانا يتحدّثان فبادره أحدهما: "أأنت وحدك نازل في أورشليم ولا تعلم الأمور التّي جرت فيها هذه الأيام؟" (لو 24: 18). ثمّ راحا يخبرانه بلوعة عن يسوع الناصريّ الّذي اعتبراه نبيًّا، لكنّه خيّب ظنّهما إذ مات معلّقًا على الصّليب، وبما قالته النسوة عن رؤيتهنّ ملاكًا عند القبر الفارغ بشرهنّ بأنّه قام وهو حيّ. مسيرة إقرار وتوبة يشوبها ضياع نقلاه إلى الرّبّ من دون أن يعرفاه، تمثّل مسيرتنا التي نعيشها في القسم الأوّل من القدّاس الإلهيّ حيث نضع أنفسنا بين يديّ الرّبّ.
وبدوره يسوع، أصغى إليهما بصمت عميق ثمّ أنّبهما بعتبٍ محبّب قائلًا "يا قليليّ الفهم وبطيئيّ القلب عن الإيمان بكلّ ما تكلّم به الأنبياء" (لو 24: 25)، مذكّرًا إيّاهما بما قاله موسى ممثّل الشّريعة والأنبياء جوهر الكتب المقدّسة. وانطلاقًا من حديث يسوع، اعتمدت الكنيسة قراءة الكتب المقدّسة والوعظ والتبشير لنتبصّر الحقائق الإلهيّة ونتمعّن بها.
ولحرصه الدّائم على احترام حرّية الآخر وإرادته، تظاهر يسوع بأنّه ذاهب إلى مكان أبعد تاركًا لهما حرّية دعوته، فتمسّكا به وألحّا عليه قائلين "أمكث معنا" (لو 24: 29). قبِل يسوع دعوتهما، وعند وقت العشاء "أخذ الخبز وبارك ثمّ كسره وناولهما فانفتحت أعينهما وعرفاه فغاب عنهما" (لو 24: 30 - 31)، وكان القدّاس الأوّل بعد القيامة الّذي حثّهما على العودة مسرعين إلى أورشليم للتّبشير بقيامة المسيح الرّبّ.
وها هي الكنيسة اليوم تجسّد لقاء تلميذيّ عمّاوس مع يسوع، من خلال تقسيمها القدّاس بحيث يجتمع المؤمنون حول الكلمة والإفخارستيا، يتغذّون من كلمة الرّب وجسده ودمه في آن، ليحملوا بعدها المسيح إلى الآخرين بمسؤوليّة وأمانة، فيتجلّى القدّاس بأبعاده الحياتيّة والخلاصيّة في حياتهم اليوميّة.