دينيّة
26 كانون الثاني 2025, 14:00

رؤية آباء الكنيسة الشّرقيّين في الفقر والفقراء – الجزء الرّابع

تيلي لوميار/ نورسات
منطلقًا من إحدى عظات القدّيس باسيليوس الكبير، تابع خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض حديثه عن رؤية آباء الكنيسة الشّرقيّين في الفقر والفقراء بجزئه الرّابع.

وفي هذا السّياق، كتب: "أمّا القدّيس باسيليوس فأتى بصرخة عالية ضدّ كلّ ما هو فاصل بين الغنيّ والفقير. فهو أظهر للغنيّ ما هي حالته، وأظهر للفقير ما هو وضعه إن كان في هذه الحياة أم في الحياة الآخرة. فهو عاش الفقر المادّيّ ليغتني روحيًّا خلال حياته الرّهبانيّة ليوضح لكلّ إنسان يسعى للوصول إلى الحياة الثّانية والجلوس في أحضان إبراهيم، كما كانت حال لعازر الفقير الوارد في إنجيل لوقا.

في احدى عظاته يقول: "لا تخف ولا تيأس، فأنت يا من يعيش وضيعًا مرذولًا. أنت فقير ابن فقراء دون بيت ولا عائلة، أنت ضعيف وتفتقر إلى خبزك اليوميّ. ترتجف أمام الأقوياء وتخاف الجميع بسبب ذُلِّكَ وتواضع حياتك. إنهض وارفع نظرك إلى الله واشكره على نِعَمِهِ لك. وتأمّل بالخيرات التي أعدّها الله لمحبّيه. ألست ابنًا لله؟ إذًا فهذا يكفيك. وبما أنّك على صورته يمكنك أن تبلغ كرامة الملائكة. أليست كلّ الحيوانات على هذه الأرض، الأليفة والبرّيّة، وكلّ ما يحوي البحر وما يطير في الهواء، تخضع لك؟ تأمّل وأدرك أنَّ هذه إنعامات خصَّ الله بها الطّبيعة الإنسانيّة. أضف إلى ذلك ما هو أسمى بكثير، الله ذاته بيننا، والرّوح القدس يوزّع مواهبه على كلّ أحد. فالموت أبيد، وانتعش أمل القيامة وفُتِحَت لك أبواب السّماء، فأصبح بإمكانك بلوغ المراتب الإلهيّة ودخول الملكوت. ها الأكاليل والجوائز السّماويّة معدَّة لمن يكتنز الفضيلة ويعمل بوصايا الله." من خلال هذه العظة للقدّيس باسيليوس، نرى أنّه يركّز على نقطة أساسيّة وهي أنّ الإنسان هو ملك، ملك على كلّ المخلوقات الأرضيّة، وهو ليس بفقير، أيّ أنّه لا يملك أيّ شيء. فهو، كما خلقه الله على صورته ومثاله، يملك ما لا يستطيع أن يملكه أيّ غنيّ بأمواله. فالأموال الّتي هي بيد الأغنياء لا تساوي أيّ شيء، مهما كثرت ومهما بلغ حدّها من الاتّساع. الإنسان الغنيّ يخدمه خدّامه الّذين هم معدودون، أمّا الإنسان، بشكل عامّ، وُضِعَت كلّ المخلوقات بخدمته، الأليفة والبرّيّة، وكل ما يحوي البحر وما يطير في الهواء. وأيضًا يظهر القدّيس باسيليوس في هذا المقتطف شيئًا هامًّا في حياة الإنسانيّة جمعاء، وهو أنّ الله ذاته بيننا والرّوح القدس يوزّع المواهب، وبالتّالي لا معنى للفقر ولا يساوي أيّ شيء. فالخوف من الفقر واليأس من هذه الحالة لا مكان له الآن بين البشريّة لأنّ الله اختارها وأحبّها وميّزها عن كلّ المخلوقات، وساوى فيما بينها، وجعلها ابنًا واحدًا له، لا فرق بين كبير وصغير، ولا بين غنيّ وفقير، فاتحًا لها أبواب الملكوت. فالقدّيس يعطي أكبر مثال في حياته، فهو باع كلّ ما يملك ووزّعه على الفقراء، وجعل حياته أكبر مثال في التّواضع وعدم الملكيّة."