رؤية آباء الكنيسة الشّرقيّين في الفقر والفقراء – الجزء الخامس
"القدّيس غريغوريوس النّزينزي يعطي صورة عن فقر القدّيس باسيليوس فيقول: "من ذا يمدح تجرُّده وحياته الخالية من المقتنى ومن فضلات المعيشة. لعمري ماذا كان يمتلك ما خلا جسده والأغطية الضّروريّة لستر جسمه. غناه كان الاستغناء عن كلّ شيء والصّليب وحده الذي رافقه وكان يحتسبه أثمن لديه من الأموال الوافرة. ليس بوسع إنسان، ولو شاء أن يجوز كلّ شيء ولكن بوسعه أن يتعلّم الازدراء بكلّ الخيرات فيظهر أعلى منها. ولمّا كان باسيليوس يعتقد ذلك ويجري عليه لم يكن إلى أن يصعد على قاعدة من المجد الفارغ، كان فقيرًا معوزًا وهو لا يرغب في الكرامة. ولما فضَّل طرح كلّ الأشياء التي في حوزته جاز بخفّة بحر هذه الحياة".
لذلك نرى القدّيس باسيليوس الكبير أنّه كان في حالة ثورة على ما هو ضدّ الفقر. فهو يوجّه أنظار الفقراء إلى شيء مهمّ، وهو أنّهم هم الذين يملكون العالم وليس الأغنياء، وهم الذين يسيطرون عليه بتواضعهم وطول آناتهم ورفقهم وحلمهم، فكان هو أكبر مثال على هذه الثّورة الهادفة إلى الوصول إلى حياة ليس لها وجود على هذه الأرض بل في الملكوت المعدّ للمختارين .
ومن خلال ما قدّمه لنا القدّيس باسيليوس عن مستوى الحياة التي يعيشها الفقير وما هو واجب عليه، نراه يتوجّه في أحاديثه وعظاته إلى جانب مقارنة مباشرة بين ما هو الفقير وما هو الغنيّ، ويضعهما في مكان الوكيل على ما أعطاهم الله من هبات. فالإنسان هو وكيل الله على الملك. ومساعدة المحتاجين ليست متروكة للحرّيّة، ولكنّها فرض كإعالة الأهل بالضّبط. فحيازة ما هو أكثر من الضّروريّ سرقة لأنّ للفقير حقًّا عليه. "إنّك عبد الله القدّوس، مدبّر رفقائك العبيد." عندما يشرح مثل الغنيّ الذي فاضت غلّته (لوقا 12: 16-21) وقال: ماذا أفعل، كان جواب باسيليوس، أنّ لسان حاله يجب أن يكون: "يا جميع الذين ينقصكم الخبز تعالوا إليَّ. النِّعَم التي أغدَقَها الله عليَّ هي لكلّ النّاس. تعالوا، انهلوا منها كمن سبيل عام ".
لذا القدّيس باسيليوس وجّه دعوته إلى كلّ النّاس ولم يخصّ أيّ واحد، لا فقير ولا غنيّ، ولكن في توجهه هذا كان يدعو إلى اتّجاه واحد وهو الزّهد وعدم القنية والاقتناع بما أنا أملك وعمّ النّظر إلى ثروات الغير والطّمع بها حتى لا تقود هذه الأفكار إلى أفعال شريرة كالسّرقة والقتل ونهب ما هو ملك للغير".