مصر
19 أيار 2025, 08:45

رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة اجتمعوا في مصر وأصدروا بيانًا مشتركًا، والتّفاصيل؟

تيلي لوميار/ نورسات
عقد رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة في الشّرق الأوسط: بطريرك السّريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثّاني، وبابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني، وبطريرك بيت كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل، في 17 و18 أيّار/ مايو، اجتماعهم الخامس عشر، في المقرّ البابويّ في دير الأنبا بيشوي في وادي النّطرون بمصر، بحثوا خلاله عددًا من المواضيع المشتركة الهامّة الّتي شملت الوجود المسيحيّ في الشّرق الأوسط، ووضع الكنائس، والاحتفالات بمناسبة اليوبيل المئويّ السّابع عشر لانعقاد مجمع نيقية.

وفي ختام الاجتماع، صدر بيان مشترك جاء في نصّه بحسب ما نشر إعلام بطريركيّة السّريان الأرثوذكس:

‎ ""باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، آمين."

"وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي." (يوحنّا ١٧: ٢٠–٢٣).

في بهجة احتفالنا بعيد القيامة، نوجّه لمؤمنينا ولكلّ المسيحيّين في العالم التّهنئة الفصحيّة التّقليديّة منذ فجر المسيحيّة: "المسيح قام.. حقًّا قام!" (لوقا ٢٤: ٣٤).

نحن، البابا تواضروس الثّاني، بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة، ومار إغناطيوس أفرام الثّاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرّئيس الأعلى للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم، والكاثوليكوس آرام الأوّل، كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا الكبير، نقدم الشّكر لربّنا يسوع المسيح لأنّه منحنا مرّة أخرى الفرصة للصّلاة والتّأمّل معًا بشأن القضايا والتّحدّيات المشتركة، وذلك في بطريركيّة الأقباط الأرثوذكس، بالقاهرة، مصر. هذه هي المرّة الخامسة عشرة الّتي نلتقي فيها كرؤساء كنائس مع اللّجنة الدّائمة، ضمن إطار التّعاون المشترك الّذي بدأ في عام ١٩٩٨م.

أوّلًا: الاحتفال باليوبيل المئويّ السّابع عشر للمجمع المسكونيّ الأوّل:

في هذا العام، لدينا فرصة مباركة وفريدة ليجتمع معنا المطارنة والأساقفة ممثّلو مجامعنا المقدّسة للاحتفال بالذّكرى ١٧٠٠ للمجمع المسكونيّ الأوّل الّذي انعقد في نيقية (٣٢٥م) من خلال اجتماع مشترك، وليتورجيا إلهيّة مشتركة، واحتفاليّة ألحان وترانيم روحيّة.

في هذه المناسبة، شاركنا تأمّلاتنا ودعونا إلى التّأكيد على الإيمان المسيحيّ والرّوحانيّة والمشاركة الرّعويّة.

في اجتماعنا، أكّدنا مجدّدًا وحدتنا الإيمانية الّتي كانت منذ بداية المسيحيّة أساسًا لموقفنا العقائديّ المشترك وإرثنا اللّاهوتيّ. متجذّرة بعمق في الكتاب المقدّس، والإيمان الرّسوليّ والتّقليد، والمجامع المسكونيّة الثّلاثة (نيقية ٣٢٥م، القسطنطينيّة ٣٨١م، أفسس ٤٣١م)، وتعاليم آباء الكنيسة، فقد حافظت وحدتنا على حياة وشهادة كنائس العائلة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة كمصدر حيّ لروحانيّة قويّة، والخدمة الدّياكونيّة، والشّهادة الإنجيليّة والبشارة المفرحة.

ثانيًا: الاجتماع مع اللّجنة الدّائمة:

في اجتماعنا، ناقشنا مواضيع ذات أهمّيّة مشتركة لكنائسنا الثّلاث، وكذلك مقترحات قدّمتها اللّجنة الدّائمة. إليكم أبرز محاور مناقشاتنا وقراراتنا:

١- الحضور المسيحيّ في الشّرق الأوسط:

يُعَدّ الحضور المسيحيّ في الشّرق الأوسط أولويّة قصوى بالنّسبة لنا، فنحن جزء أصيل من هذه المنطقة ومتجذّرون بعمق في تاريخها وحضارتها. حيث لعبت كنائسنا دورًا بالغ الأهمّيّة في كافّة المجالات والحياة الاجتماعيّة واليوم نؤكّد مجدّدًا التزامنا القويّ بالبقاء في هذه المنطقة رغم كلّ التّحدّيات الّتي تواجه الشّرق الأوسط الّتي تدفع الكثيرين للتّفكير بالهجرة.

ندعو كنائسنا للعمل بشكل متواصل من أجل السّلام والعدالة، والانخراط في الحوار مع إخوتنا في الإنسانيّة، وتعزيز القيم الرّوحيّة والأخلاقيّة، والفهم المتبادل والاحترام.

كما نتقدم بالشّكر للحكومات ولكلّ الأشخاص ذوي الإرادة الطّيّبة على دعمهم المستمرّ لتمكين كنائسنا من أداء رسالتها الرّعويّة والخدميّة.

نتابع بقلق عميق النّزاعات والتّوتّرات الّتي تحدث في مختلف أنحاء العالم، وخاصةً في منطقتنا. ونشكر الله على الاستقرار العامّ في مصر، ونأمل أن يكون انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة في لبنان بداية مرحلة مملوءة بالسّلام والرّخاء. كما نتطلّع باهتمام إلى نجاح جهود القيادة الجديدة في سوريا، الّتي تهدف إلى استعادة السّلام والأمن والوحدة، وضمان حقوق متساوية لجميع المواطنين.

ندين جميع أشكال العنف، ونحث المجتمع الدّوليّ على اتّخاذ إجراءات مناسبة لإنهاء العدوان في غزّة فورًا، وبدء مفاوضات جادة وذات مصداقيّة لحلّ دائم للصّراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ. بالحقيقة، حيث أنّ العدالة وحدها كفيلة بضمان استعادة السّلام الشّامل والمستدام في الشّرق الأوسط.

نصلّي من أجل مطرانَيّ حلب، مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم، وبولس يازجي، اللّّذَيْن اختُطِفا منذ اثني عشر عامًا ومن أجل كلّ من تأثّر بالحروب والنّزاعات، ونسأل الله أن يمنحنا الأمن والاستقرار لنواصل العيش معًا في وئام وتسامح مع جميع شعوب المنطقة.

٢ـ العلاقة مع العائلات الكنسيّة الأخرى:

تشارك عائلة الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة في عدد من الحوارات اللّاهوتيّة الثّنائيّة. نحن نؤمن أن هذه الحوارات ستساعدنا في تعزيز التّعاون مع الكنائس الأخرى وتعميق جهودنا نحو وحدة الكنيسة.

أ ـ الحوار مع العائلة الأرثوذكسيّة البيزنطيّة:

نؤمن بأنّ الحوار اللّاهوتيّ بين العائلتين الأرثوذكسيّة الشّرقيّة والأرثوذكسيّة البيزنطيّة ذو أهمّيّة حيويّة لاستعادة الوحدة الأرثوذكسيّة. هنالك رغبة قويّة في تحقيق قرارات الاجتماعات السّابقة. إنّ اللّجنة التّحضيريّة لممثّلي العائلتين الأرثوذكسيّة الشّرقيّة والأرثوذكسيّة البيزنطيّة تمّ عقدها في سبتمبر ٢٠٢٤ في مصر، كما تمّت محادثات غير رسميّة بين أعضاء اللّجنة. ندعم كلّ الجهود الهادفة إلى استمرار هذا الحوار.

ب ـ الحوار مع الكنيسة الكاثوليكيّة:

نثني على العمل الّذي قامت به اللّجنة الدّوليّة المشتركة للحوار اللّاهوتيّ بين الكنيسة الكاثوليكيّة وكنائس الأرثوذكس الشّرقيّين. عقدت اللّجنة التّنسيقيّة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة المكوّنة من سبعة أعضاء (واحد من كلّ بطريركيّة/ كاثوليكوسيّة) اجتماعات عبر الإنترنت لاستكشاف طرق جديدة لمواصلة الحوار، ودراسة أعمال اللّجنة حتّى الآن، ومتابعة التّطوّرات والتّوضيحات المتعلّقة بوثيقة "Fiducia Supplicans" الصّادرة في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣ عبر إدارة تعزيز الوحدة المسيحيّة. واللّجنة التّنسيقيّة في طريقها إلى إعداد تقرير لتقديمه إلى جميع رؤساء الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة.

جـ اللّجنة الدّوليّة الأنجليكانيّة- الأرثوذكسيّة الشّرقيّة:

نوصي باستمرار عمل هذه اللّجنة ونقترح أن تدرج أيضًا في جدول أعمالها القضايا الاجتماعيّة والأخلاقيّة الّتي أصبحت محلّ انقسام في العالم المسيحيّ.

٣- المجالس المسكونيّة:

نظلّ ملتزمين بالحركة المسكونيّة وأهدافها ورؤيتها. بصفتنا أعضاءً في مجلس الكنائس العالميّ ومجلس كنائس الشّرق الأوسط، ستواصل كنائسنا دورها النّشط في هذه المجالس المسكونيّة من خلال ممثّليها.

أـ مجلس الكنائس العالميّ:

حاليًّا، يتولّى الكاثوليكوس آرام الأوّل رئاسة مجلس الكنائس العالميّ ممثّلًا لعائلة الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة والشّرق الأوسط.

بمناسبة مرور ١٧٠٠ عام على المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية (٣٢٥م)، ستستضيف الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة في أكتوبر ٢٠٢٥ احتفاليّة مسكونيّة تنظّمها لجنة الإيمان والنّظام التّابعة لمجلس الكنائس العالميّ، في المركز البابويّ لوجوس بدير القدّيس الأنبا بيشوي في مصر.

ب ـ مجلس كنائس الشّرق الأوسط:

حاليًّا، نيافة الأنبا أنطونيوس مطران الكرسيّ الأورشليميّ بالقدس هو رئيس مجلس كنائس الشّرق الأوسط ممثّلًا للعائلة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة.

إنّ دور مجلس كنائس الشّرق الأوسط في المنطقة حيويّ. باعتبارنا من الكنائس المؤسّسة للمجلس، فإنّنا نشارك بمسؤوليّة كاملة في عمله من خلال ممثّلينا من الإكليروس والعلمانيّين.

نصلّي من أجل نجاح خدمة المجلس ورسالته في هذه الأوقات الحرجة الّتي تمرّ بها المنطقة، ونهنّئ المجلس بمناسبة اليوبيل الذّهبيّ لتأسيسه، كما أنّنا نتوقّع من الأمانة العامّة أن يكون تواصلها أكثر فاعليّة مع مع الكنائس الأعضاء.

٤ـ الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في الهند:

هنّأت الكنيستان القبطيّة والأرمنيّة كنيسة أنطاكية السّريانيّة الأرثوذكسيّة بمناسبة تكريس صاحب الغبطة مار باسيليوس جوزيف مفريانًا/ كاثوليكوسًا جديدًا للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في الهند، بيد البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثّاني، وكذلك لاجتماع المجمع المقدّس العامّ للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة بمشاركة المجمع المحلّيّ في الهند.

وأعرب البابا تواضروس الثّاني والكاثوليكوس آرام الأوّل عن تضامنهما ودعمهما لقرار المجمع المقدّس العامّ للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة بعدم المشاركة في أيّ احتفال ليتورجيّ أو حوارات لاهوتيّة رسميّة بحضور ممثّلي الفصيل المنشقّ عن الكنيسة في الهند.

وفي ذات الوقت، من أجل تقوية كرامة العائلة الأرثوذكسيّة الشّرقيّة ووحدتها الدّاخليّة، عرض كلّ من البابا تواضروس الثّاني والكاثوليكوس آرام الأوّل توجيه الدّعوة إلى الكاثوليكوسين في الكنيسة السّريانيّة الهنديّة مار باسيليوس جوزيف وباسيليوس مار توما ماتيوس الثّالث، إلى القاهرة، بحضور مار إغناطيوس أفرام الثّاني، للمناقشة والعمل من أجل استعادة السّلام ووحدة الإيمان، مع احترام الكرسيّ الرّسوليّ الأنطاكيّ والحفاظ على كرامته، وكذلك هويّة وكرامة الكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في الهند.

٥ـ التّعاون على مستوى الأبرشيّات:

استنادًا إلى قراراتنا وإعلاناتنا السّابقة، أوصينا بأن يقوم المطارنة والأساقفة والإكليروس بالإضافة إلى العلمانيّين في أبرشيّاتنا بتشكيل لجان وبرامج مشتركة وطرق أخرى للتّعاون، بحيث تعكس وحدة كنائسنا الشّقيقة بشكل ملموس.

نؤكّد توصيتنا في ظلّ الحاجة المتزايدة لتعميق وحدتنا على مستوى الأبرشيّات وأيضًا المستوى الوطنيّ. ولتسهيل مشاركة الأبرشيّات في أعمال اللّجنة الدّائمة، نوصي بمشاركة نتائجها وقراراتها، بما في ذلك الإعلانات المشتركة، مع الأبرشيّات.

٦ـ أخبار كنائسنا:

إنّ تبادل الأخبار حول الأنشطة الهامّة لكنائسنا يعدّ تجربة ثريّة ويسهم في بناء حياتنا المشتركة وخدمتنا. لقد تلقّينا بفرح روحيّ عظيم أخبار الخدمة المتفانية لكنائسنا لمؤمنيها في الشّرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم، من خلال الاحتفالات اللّيتورجيّة والخدمات الاجتماعيّة والرّعويّة والعديد من البرامج والأنشطة.

ومن أجل استمرار تعاوننا بطريقة أكثر تنظيمًا، أنشأنا لجنتين فرعيّتين حول المعاهد اللّاهوتيّة والشّباب، واللّتين ستعملان تحت إشراف اللّجنة الدّائمة.

ونهنّئ كنيسة إريتيريا الأرثوذكسيّة التّوحيديّة الشّقيقة بمناسبة تجليس قداسة البطريرك أبونا باسيليوس الأوّل.

ختامًا:

نناشد مؤمنينا في الشّرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم أن يظلّوا متمسّكين بوصايا الإنجيل المقدّس، وأن يشاركوا بنشاط في حياة الكنيسة وشهادتها، بمواجهة التّحدّيات المتلاحقة الأخلاقيّة والاجتماعيّة الّتي لا تتوافق مع تعاليم الكتاب المقدّس والكنيسة.

كما نوصي كلًّا من الإكليروس والعلمانيّين بالعمل معًا لتعميق وحدة كنائسنا وتجسيدها بشكل ملموس.

ونعبّر عن شكرنا للكنيسة الأرثوذكسيّة القبطيّة الشّقيقة لاستضافتها هذا الاجتماع والاحتفال بالذّكرى المئويّة السّابعة عشرة للمجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية (٣٢٥م).

نشكر ربّنا لأنّه أرشدنا في مناقشاتنا وقراراتنا، ونسأله أن يمنحنا القوّة والشّجاعة والحكمة لمواصلة رسالته وتجديد العهد والعمل على وحدة كنيسته.

"المجد للثّالوث القدّوس– الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد. آمين."