لبنان
27 أيار 2019, 07:50

دير السيدة العجائبي في بلدة "بوسيط"المنسية تاريخ يشهد على إنتقال البلدة من علامة الهوان إلى علامة الإنتصار

من علامة الهوان إلى علامة الإنتصار... أبناء البلدة يشيدون كنيسة جديدة تأكيدا للثبات في أرض الٱباء والأجداد وتيلي لوميار أول وسيلة إعلامية ترصد وقائعها


لم يستطع الزمن إطفاء حب بلدة بوسيط الشمالية في قلوب أبنائها،  لم يستطع تغيير عنفوانهم ولا تفصيلا واحدا من إيمانهم وعاداتهم، ولم ينطفىء قنديل بوسيط رغم التهجير والحروب والغزوات التي مرت على البلدة ما بين الأعوام ( ١٩٧٥-١٩٨٣) لأن حجر الجلجثة قد دحرج عنها.
بلدة بوسيط القابعة على جبل تربل المشرفة على البحر حتى أعالي الضنية والتي تعلوها القرنة السوداء وتتعانق فيها الأقضية الخمسة والكبيرة بإيمانها الأرثوذكسي،  إنتقلت من علامة الهوان الى علامة الانتصار بفضل ايمان أبنائها الراسخ وديرها العجائبي الذي بات محجا روحيا لكل الطوائف والأديان وخرنوبته التي يستظل المرء تحت ظلها ويقطف منها أوراق الحياة ويتنشق من تراب جذورها رائحة الٱباء والأجداد والهوية الأرثوذكسية المغروسة في أبنائها. 
وأمام جمال البلدة الطبيعي الذي يسطر تاريخ هذا الشعب ونضاله ضد الحروب والتهجير والغزوات، يطالعك دير رقاد السيدة العجائبي الذي يجمع السكان من كل الطوائف والأديان تحت وشاح العذراء مريم، إنها والدة الإله وسورهم الذي لا يحارب حتى في أحلك الظروف التي عاشوها بحيث يشهد تاريخ الرابع عشر من شهر  ٱب على عنصرة جديدة.
هكذا يخبرون وهم يفتخرون بذلك بحيث خدم هذه البلدة عدة كهنة ٱخرهم الأب بولس الخوري الذي يرقد بجوار كنيسته وأهله ورعيته بعد ٢٠عاما من الخدمة والعطاء اللامتناهي.
ولأن الشعب الأرثوذكسي الأنطاكي يحب أرثوذكسيته التي هي هويته وإيمانه ومركز وجوده في هذا المشرق المتعدد الأديان والثقافات، رغم كل المعاناة التي عانى منها، فمنهم من هاجر الى مكان ٱخر طلبا لمقومات العيش وٱخرون حملوا نير الجوع ثباتا في أرض الٱباء والأجداد  ليبقى ظل بريق الكنيسة لامعا في وجدان كل من صبر وجاهد في سبيلها.
وفي هذا السياق، تحدث مختار البلدة نبيه الخوري عن هذا المعلم التاريخي العجائبي الذي يعنون تاريخ البلدة مستعرضا الصعوبات التي تمر بها "ومؤكدا أن بوسيط قد أنتجت ثمارا روحية وفكرية وطاقات شبابية رفعت اسم لبنان رغم الحرمان والنسيان.
هذا وقد ناشد المختار نبيه المسؤولين كي ينظروا إلى هذه البلدة ويشملونها على الخارطة الجغرافية لأنها في قلب لبنان ومن حق شعبها ان يستحصل على مقومات العيش إسوة بسائر البلدات والقرى العكارية."
ولأن الحياة الكنسية لا تقتصر فقط على إقامة الليتورجيا حصرا، لكنها تبدأ من هناك، من الهيكل والطقوس وتنحدر إلى الناس، إلى بيوتهم والأزقة الضيقة، إلى الاهالي والشباب الذين يزرعون الوعر لكي تنبت لهم الأرض سنبلا، ويكدون من أجل عائلاتهم لتأمين مقومات العيش التي تفتقدها البلدة رغم أهميتها الروحية والطبيعية ما يجعل الإنسان ينحني أمام عظمة أبناء البلدة ويكسر كبرياءه ويجلس على مقاعد البلدة المتواضعة ليسمع كلام منفعة نابعا من الإنجيل.
أما البعض الٱخر المقيم فيزرع القمح ويحصده، وينتج مؤونته لكي يعتاش منها.
وما بين المقلبين، أبى أبناء بوسيط ان يستكملوا مسيرتهم الروحية بغد غياب طويل عن الصلاة في بلدتهم وسارعوا إلى البدء ببناء كنيسة السيدة ومن فلس الأرملة وبهمة ومساندة أبناء البلدة وبدعم من بعض المتبرعين ليعود جرس الكنيسة يقرع في سمائها وينبىء بفجر القيامة الجديد.
وتعقيبا على ذلك، أوضح المهندس جورج خوري من مجلس رعية البلدة الذي يشرف على هندسة الكنيسة " أنه لم يكن لدى البلدة كنيسة والشعب المؤمن  كان يلجأ إلى طرابلس، كفرحبو، تربل وبعض القرى المجاورة طلبا للصلاة والمشاركة في القداسات، لكن سرعان ما بدأ الجميع يعمل على تشييد كنيسة على أرض مساحتها ٣٠٠ متر مربع وتم إعداد فكرة  تصميمها سنة ١٩٩٤ من قبل مهندسي مطرانية طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكس تأكيدا ان هذه الأرض هي أرضنا ولن نتخلى عنها حتى الرمق الأخير.
وأضاف، نعمل ليلا نهارا من أجل إنجاز هذا البيت الروحي وبوحدتنا سنصنع التغيير في بلدتنا التي بدأت تشهد على خارطة روحية جديدة بفضل محبة أبنائها وتكاتفهم وتعاضدهم يدا واحدة".
أما ٱميل الحاماتي فقد تحدث بإسم أهالي البلدة قائلا:
"حياتنا كانت صعبة بالضيعة وتعذبنا كثير وزرنا بيت وبيت وضيعة وضيعة مع ظروف الحرب القاسية، كنا منسيين ونصلي بكنائس البلدات المجاورة، لكن أبناء البلدة مع كاهنها بولس الخوري الذي رقد على رجاء القيامة قرروا الشروع  ببناء كنيسة تحتضن أبناء البلدة من جهة وتأكيدا  منهم التمسك بأرض الٱباء والأجداد من جهة ثانية. بالإضافة إلى بناء قاعات بحوار الكنيسة وستكون مخصصة لجميع المناسبات الروحية.
وأشار إلى ان البلدة تعاني من هجرة شبانها الخيرين بسبب صعوبات العيش وبالتالي أتت فكرة بناء الكنيسة لحث الشباب على التمسك بالأرض والقيم الأرثوذكسية التي تربينا عليها حتى لو كانت عملية البناء تستغرق وقتا طويلا لكن بفلس الأرملة استطعنا إنهاء المرحلة الأولى والاساسية وسنواظب على استكمالها كي تتعانق كنيسة الانسان مع جمال البلدة الروحي العابق في التاريخ".
وفي السياق نفسه،  إستعرض جميل ملحم من مجلس الرعية النشاطات التي تقيمها الرعية والتي يعود ريعها لبناء الكنيسة من سهرات روحية ومعارض ونشاطات بهدف الاستمرارية، كما بدأت الرعية تشهد على انجازات روحية جديدة بعدما تسلم رعايتها الأرشمندريت برثانيوس أبو حيدر من " إعداد دورات للتنشئة الروحية، دراسة اللاهوت بهدف التمسك بالإرث الأرثوذكسي الذي يعد من صلب هذه الأرض الطيبة وجذورها المشرقية وسط استقامة الفكر والرأي".
وأمام كل هذا يبدو  شرقنا اليوم بحاجة إلى نوره، ضد كل كسل وتهاون فينا لإيصال هذا النور إلى كل بقعة من بقاعنا.
وعلى الكنيسة الدور الأساس والتحدي الكبير لتفعيل الرعاية لكي يبرز فيها خدام للكلمة ولإعادة تثقيف الشعب ثقافة روحية كنسية وان ينفتح على عالم الكنيسة الروحي من خلال طقوسها والبنوة الروحية وكل الحياة التقديسية التي تعيشها الكنيسة خدمة لشعبها.