دينيّة
15 كانون الأول 2019, 08:00

خاصّ- يوسف البار بين الصّمت والطّاعة

غلوريا بو خليل
"يَضَعُنا الرّسول متّى في نصِّهِ الإنجيليّ أمَامَ حدثٍ شيِّق ممهِّدٍ لولادة يسوع المسيح. فبعدَ بشارةِ زكريّا وحَبَل أليصابات بيوحنّا المعمدان، وبعدَ بشارة مريم العذراء وحبلها بالطّفل الإلهيّ من الرّوح القدس، يأتي الملاك أيضًا عندَ يوسف "ليُبَشِّرهُ" مُزيلاً عنه كلّ شكٍّ. ومن خلال هذا الظّهور أو هذا البيان ليوسف، نتعلَّم مقوِّمات القداسة التي تحلّى بها يوسف خطّيب مريم العذراء، إذ تميَّز بفضيلتَي الصّمت والطّاعة." بهذه المقدّمة استهلّ خوري رعيّة مار أفرام - كفردبيان الخوري جورج نخّول حديثه لموقعنا عن أحد البيان ليوسف من زمن الميلاد المجيد، للقدّيس متّى (1/18 - 25).

 

وتابع الخوري نخّول واصفًا نصّ الإنجيل فقال: "بعدَ معرِفَة يوسف بحبَل مريم من دون زواجه منها، "لَم يُرِد أن يُشَهِّر بها، فقرَّرَ أَنْ يُطَلِّقها سرًّا" (متّى 1/19).لقد نَبَعَ هذا القرار بعدَ فترةٍ من الصّمت عاشها يوسف لأنّه كانَ "رجُلاً بارًّا" (متّى 1/19)، فالبرارة تقتضي الصّمت أوّلًا. ويوسف جَسَّدَ إيمانه في يوميّات حياته ومجرياتها، عائشًا فضيلة الصّمت التي تتضمّن التّفكير والعقلانيّة، والتّأمّل والصّلاة، والإصغاء لهمسات الرّوح والضّمير الإنسانيّ. وعندما همَّ بتَركِها تَراءَى لهُ ملاك الرّبّ في الحلم قائِلاً له: "يا يوسف بنَ داوُد، لا تَخَفْ أَنْ تأخُذَ مريمَ امرَأَتَكَ، فالمولودُ فيها إنّما هو من الرّوح القدس" (متّى 1/20). حينها أطاعَ يوسف لنداء الملاك، فقامَ من النّوم و"فَعَلَ كما أَمَرَهُ ملاكُ الرّبّ وأَخذَ امرأَتَهُ، ولم يعرِفها، فولدت ابنًا، وسَمّاه يسوع" (متّى 1/24 - 25)؛ فالبرارة تدعونا إلى العملِ بوصايا الله وأحكامه."

وبعدد من الأسئلة أكمل خوري رعيّة مار أفرام - كفردبيان مقاربته لنتحضّر روحيًّا وإيمانيًّا لميلاد الرّبّ يسوع فطرح: "ونحنُ اليوم في استعدادنا لمجيء السيِّد المسيح وولادتِهِ في قلوبِنا وبيوتِنا، كيفَ نَعيشُ هذا الحدث الكبير؟ هل تَكفي المغارة والشّجرة والزّينة والهديّة؟ أم علينا الاقتداء بشخصيّات المغارة وأحداث الميلاد المفرحة والعميقة؟ هل نعيش فضيلة الصّمت كما عاشها يوسف؟ أم نُفلِتُ العنان لألسنتنا مشهّرين ببعضنا البعض أزواجًا كنّا أو خطّابًا أو أصدقاء أو زملاء في العمل أو أقرباء؟ وهل نُصغي لصوت الله في داخلنا فنطيعه ونعمل به؟ أم نترك الضّعف البشريّ يفتُكُ بقرارتنا وبأعمالنا؟"

وأضاف: "لا شكّ بأنَّ للعيد بهجته الإنسانيّة والاجتماعيّة، لكنَّ التّبدُّل الذّاتيّ الكيانيّ مطلوبٌ، فنسلُكَ مثل القدّيس يوسف، طريق البرارة والقداسة، مزوَّدين بالصّمت والطّاعة، فتُمجِّد ألسنتنا الخالق، بدل أَن تُشَهِّر بمخلوقاتِهِ، وننطلق إلى العمل في كرم الرّبّ محقّقين إرادته القدّوسة. فيوسف ترك حلمه الشّخصيّ بأنْ يكون الزّوج والأب كما يطمح كلّ شابّ بتأسيس عائلةٍ مع فتاةٍ يحبّها، ودخل في مشروع الله الخلاصيّ مساهمًا في تبنّي الطّفل الإلهيّ "المخلِّص المنتظر" من دون تذمُّرٍ، مظهِرًا بذلك طواعيّة مطلقة لتحقيق مشيئة الله. ولم يكن هذا الأمر سهلاً بالنّسبة لمريم ويوسف، إذ قدّما التّضحيات وواجهتهما المصاعب والمتاعب، وساورتهما الشّكوك والمخاوف، لكن نعمة الله المحبِّة لم تتركهما لحظةً وقد قرّرا الدّخول في المشروع الخلاصيّ بثقةٍ وشجاعة."

وأضاء الخوري نخّول على حياتنا من خلال الإنجيل وتعاليمه فتساءل: "أمام هذا المشهد الإنجيليّ العميق، نسأل ذواتنا، أين تكمن العوائق والحواجز التي تمنعنا من تطبيق إرادة الله في حياتنا؟ الـ"أنا" الذّاتيّة أم متطلّبات المجتمع الذي نعيش فيه؟ فهل نُصغي لصوت الله ونعمل بمشيئته في يوميّاتنا وفي أعمالنا وفي علاقاتنا الإنسانيّة؟... في حياتنا الزّوجيّة، كيف نعيش؟ هل نعمل بإرادة الله لتحقيق مشروعه الخلاصيّ؟ أيّ هل نعيش الأمانة الزّوجيّة وما يرافقها من إصغاءٍ وحوارٍ والتزام وتضحية؟ وهل نسعى لبناء عائلاتٍ تشهدُ بنمطِ حياتها للمسيح نبع المحبّة والحنان؟"

وإختتم خوري رعيّة مار أفرام بعبرة فقال: "ألا كانَ الله معنا لنتشبّه بالقدّيس يوسف فنحيا فضيلة الصّمت القائمة على التّفكير العقلانيّ والصّلاة التّأمليّة والإصغاء لصوت الرّبّ الكامن في ضميرنا الإنسانيّ، فنُضحي حينها مطيعينَ للرّبّ وعاملينَ بهدي وصاياه ونور إنجيله، ونكون من السّالكينَ في طريق القداسة التي شقّها لنا يسوع المسيح يومَ زار أرضنا ومكث بيننا لابسًا طبيعتنا البشريّة ليُشركها بطبيعته الإلهيّة."