دينيّة
05 نيسان 2020, 07:00

خاصّ– هل أستطيع في هذا "الزّمن الكورونيّ" أن أردّد: هوشعنا خلّصني يا ربّ؟

غلوريا بو خليل
يحلّ علينا عيد الشّعانين هذه السّنة في ظروف قاهرة حزينة، فللمرّة الأولى لن يلبس أطفالنا أجمل الأزياء، ولن يضيئوا شموع الشّعانين، ولن يحملوا أغصان الزّيتون لاستقبال ابن الله على ابن أتان. في هذه السّنة، سنشارك في هذا العيد للمرّة الأولى من منازلنا ومن على شاشات التّلفزة وسنصرخ بإيمان ورجاء هاتفين "هوشعنا مبارك الآتي باسم الرّبّ". لعيش إنجيل هذا الأحد المبارك للقدّيس يوحنّا (12/ 12 -22)، ولفهم أبعاده ومعانيه، كان لموقعنا حديث مع الخوري جوزف سويد.

إستهلّ الخوري سويد حديثه قائلًا: "أحد الشّعانين يذكّرنا بالحدث الذّروة في حياة يسوع العلنيّة. ويكمن معنى أحد الشّعانين في استقبال المسيح الآتي إلينا. لقد أقام يسوع لعازر من القبر وتبعه جمع كثير، لمعاينته تلك الآية العظيمة. فهتف به الشّعب ملكًا ومسيحًا. كانت الجموع قديمًا، تخرج إلى باب المدينة وتستقبل الملوك والقادة الفاتحين المنتصرين، حاملة بأيديها سعف النّخل علامةً لانتصارهم. (راجع 1 مك 13/51)."

وأضاف: "وكان الكهنة يهتفون، في وقت دخول رؤساء المواكب إلى هيكل أورشليم، بهتافات "هوشعنا باسم الرّبّ" وهو تذكير بالمزمور: "إمنح الخلاص يا ربّ إمنح، إمنح النّصر يا ربّ إمنح. تبارك الآتي باسم الرّبّ. (118/25-26)، وكلمة "هوشعنا" تعني "خلّصنا"، أو "إمنح الخلاص"."

وأردف الخوري سويد: "رضي يسوع، لأوّل مرّة، أن يظهر ملكًا، داخلًا عاصمة ملكه أورشليم، بحشد شعبيّ مهيب، على هتاف هوشعنا، ثمّ توجّه إلى هيكل اللّه لتحريره، فبيته بيت صلاةٍ للّه وحده. دخول يسوع إلى أورشليم، وتطهيره للهيكل حدثان نبويّان مسيحيّان، كانا مقرّرين في حياة يسوع، وسببًا مباشرًا للحكم عليه بالموت من قبل المحفل اليهوديّ."

وتابع الخوري سويد قائلًا: "عيد الشّعانين، هو عيد التّسبيح والشّكران. اليوم يدخل يسوع أورشليم دخول المتواضعين على ترنيم "الأطفال والرّضّع" كما قال أشعيا. طريق يسوع كانت معبّدة بعظمة التّواضع وإخلاء الذّات، ودربه كان طريق الجلجلة وقد اختار طوعًا سلوك ظلال الموت كي يواجه الموت ويزرع في أحشائه بذور القيامة. نعم في هذا اليوم، توّج يسوع ملكًا، ولم تكن مملكته من هذا العالم. إلّأ أنّه أراد أن يسحب بطاقة الحكم الحمراء في وجه من نصّب نفسه ملكًا أو سلطانًا على قلوب أتباعه. إلّا أنّ الرّبّ يسوع زلزل مملكته وأراد أن يسمع عدوّه ما قيل فيه وعنه: قولوا لابنة صهيون: "ها هو ملكك يأتيك وديعًا، راكبًا على أتانٍ، وعلى جحش ابن أتان."  (زكريّا 9:9)."

وأكمل: "كاتب سفر الرّؤيا يضع بين أيدينا صورة مماثلة للشّعانين بقوله: "رأيت بعد ذلك جمعًا كثيرًا لا يستطيع أحد أن يحصيه، من كلّ أمّة وقبيلة وشعب ولسان، وكانوا قائمين أمام العرض وأمام الحمل، لابسين حللا بيضاء، بأيديهم سعف النّخل، وهم يصيحون بأعلى أصواتهم فيقولون: "الخلاص (هوشعنا  لإلهنا الجالس على العرش وللحمل" (7 : 9-10). 

إنّ مملكة المسيح هي: سيادة الحقّ على الباطل، سيادة النّقاء على الفجور، سيادة الحبّ على الحقد والبغض، سيادة السّلام على منطق وثقافة الحروب، سيادة الصّفاء على الحروب الجرثوميّة والأوبئة، سيادة العطاء على ثقافة تجويع النّاس لإخضاعها، سيادة التّواضع على ثقافة الطّاووسيّة والعنجهيّة والتّمرّد والتّسلّط والكبرياء، سيادة "الملك" الّذي يبذل نفسه في سبيل الخراف على الرّعاة الأجراء لابسي الثّياب الفضفاضة الذّئبيّة، سيادة الملك على أشباه الملوك، سيادة المسيح على المسحاء الدّجّالين.

قيل لنا: إنّ المسيح هو ملك الملوك، سيّد السّادة، ربّ الأرباب، إله الآلهة. أمّا أنا فأقول: لا ملوك ولا سادة ولا آلهة ولا أرباب، يليق بها هذه الألقاب فإنّهم، وإن حاولوا، فسيبقون ما دون هذه الصّفات الإلهيّة."

وأضاف الخوري سويد شارحًا: "إبنةصهيون هي المدينة المقدّسة، أورشليم (مدينة السّلام) الّذي قطع معها الملك عهدًا أبديًّا. وقد كرّس هذا العهد بدمه. وبذلك يصبح دخول يسوع إلى أورشليم، بداية عهد جديد مع شعبه الذي كان يعيش تحت طغيان وعبوديّة "المعصية". سيبدّل المسيح الملك هذا النّظام، وهذا ما يدلّ عليه يوحنّا بالعبارة التّالية "لا تخافي يا ابنة صهيون". لم يعد للخوف مكان، بل لقد أعاد المسيح الفرح والسّرور إلى "عروسه"! وأمام هذا الحماس الشّعبيّ الّذي لقيه يسوع، وجد أعداؤه أنفسهم خاسرين في المعركة. وقد تحقّق قول الفرّيسيّين على الرّغم عنهم: "العالم كلّه قد تبعه". ويقبل المسيح هذه الهتافات الصّارخة "هوشعنا"، ويذكّر الفرّيسيّين بأنّه ولو سكت هؤلاء، فستصرخ الحجارة" ( لو 19/40). تثير هذه التّظاهرة الشّعبيّة العلنيّة الإيمانيّة حسد الرّؤساء الّذين يعملون بجهدٍ ليمنعوا الشّعب من إعلان المعلّم مسيحًا وملكًا. وإذا ظنّ التّلاميذ أنّ هذا هو يوم مجد سيّدهم فإنّ مجد الشّعانين إنّما كان مجد يومٍ واحدٍ، أمّا المجد النّهائي فسيأتي بعد أسبوع الآلام والموت."

وشدّد الخوري سويد على أنّه "علينا أن ندرك أنّ عيد الشّعانين هو أوّلًا عيد يسوع الملك وأنّ مجد هذا الملك سيمرّ بالصّليب. يسوع الملك هو ملك السّلام. ذلك الأمير الآتي على جحش الودعاء لا على حصان الغزاة، يدخل مدينته كي يعيد إليها معنى رسالتها واسمها، إنّها مدينة السّلام. السّلام أوّلًا مع اللّه، والسّلام كما يريده اللّه، والسّلام الّذي يتمجّد فيه اللّه. أمّا ثمن هذا السّلام الغالي فسيدفعه الملك الـ Ecce Homo - لا المملكة – وسيختمه بدمه.

الشّعانين هو أيضًا عيد الطّفولة، فإن غابّ هؤلاء، لفّت الكآبة كنائسنا وتداعت بيوتنا مهما تعالت حجارتها وغلا أثاثها. هل شكرنا اللّه على أطفالنا وصلّينا لمن يتضرّعون ليل نهار لينجبوا أطفالاً؟" 

وعن النّخل قال شارحًا: "عرفه الشّعب في العهد القديم من زمن بعيدٍ حتّى سمّيت أريحا مدينة النّخل. فقد استعملت هذا الشّجرة الصّلبة والمستقيمة في تزيين الهيكل، استعملت أوراقه كرمزٍ للظّفر، لفرش الطّريق أمام المنتصرين."

أمّا عن الزّيتون فقال: "وبحسب رواية الطّوفان أيّام نوح، ينبىء بفجر سلامٍ جديد."

وتوجّه الخوري سويد إلى كلّ مؤمن قائلًا: "إخوتي، ليس المسيح ملك الجماعات والتّظاهرات فقط، بل إنّه ملكٌ شخصيّ يأتي إلى كلّ واحدٍ من المؤمنين، ويريد أن يكون ملكًا خاصًا، ويريد من كلّ "فقير ومسكين"، أن يقبل مشيئته، ويختاره. يريد يسوع أن يحكم على قلوبنا فقط: "يا بنيّ، أعطني قلبك" (أمثال 23/26)."

وإختتم الخوري سويد حديثه متسائلًا: "هل أستطيع اليوم في هذا "الزّمن الكورونيّ" القاسي أن أهتف "هوشعنا" لهذا الملك البار والمخلّص؟ هل أستطيع اليوم في هذا "الزّمن الكورونيّ" أن أقبل الملك في قلبي وأردّد: هوشعنا خلّصني يا ربّ؟ هل أستطيع اليوم في هذا "الزّمن الكورونيّ" أن أستقبل المسيح مثل الأطفال، وهو الّذي قال "دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السّماوات"؟"