دينيّة
02 شباط 2020, 08:00

خاصّ- مناسبتان تلتقيان اليوم وتتكاملان، وهما؟

غلوريا بو خليل
بعد مضي أربعين يومًا على ولادة الطّفل الرّبّ، تحتفل الكنيسة اليوم بذكرى تقدمة يسوع إلى الهيكل ويكون بذلك قد أتمّ شريعة الله، ذكرى تتزامن هذا العام مع أحد الكهنة وهو أوّل أسبوع من أسابيع التّذكارات ما قبل الصّوم الكبير. وللوقوف على رمزيّة هاتين المناسبتين وأبعادهما، كان لموقعنا حديث مع منسّق لجنة التّواصل والإعلام في نيابة صربا البطريركيّة المارونيّة الخوري إيلي أبراهام.

إستهلّ الخوري أبراهام حديثه شارحًا: "نتأمّل في هذا الأحد المبارك بمناسبَتَين مهمتَين: أوّلاً عيد دخول السّيّد المسيح إلى الهيكل الذي يَرقى إلى القرن الرّابع من خلال ما وصل إلينا من عظات آباء الكنيسة كالقدّيس كيرلّس الأورشليميّ، ومار غريغوريوس اللّاهوتيّ، ومار يوحنّا فم الذّهب، الذين ألّفوا له الصّلوات والأناشيد التي ما زالت تُتلى في كنائسنا. في هذا العيد المبارك خضعت العائلة المقدّسة، الرّبّ يسوع وأمّنا مريم وأبانا القدّيس يوسف، لشريعة موسى لناحية تطهير المرأة 40 يومًا بعد الولادة (أح 12: 6-8). صعد الوالدان بالطّفل يسوع إلى الهيكل لٍيٌقَدِّماه ويُكَرِّساه للرّبّ. أهلُ خالق السّماء والأرض لم يكن معهما ثمن خروف، لذلك قدّما زوجي يمام. البار حمل حامل خطايا العالم على ذراعيه، ونحن المساكين كيف نحمله بكلّ ذبيحة إلهيّة؟"

وتابع منسّق لجنة التّواصل والإعلام قائلًا: "سمعان الشّيخ أنشد: "الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ بِسَلام، أَيُّهَا السَّيِّد، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتا خَلاصَكَ، أَلَّذِي أَعْدَدْتَهُ أَمَامَ الشُّعُوبِ كُلِّهَا، نُوْرًا يَنْجَلي لِلأُمَم." لهذا السّبب كان لهذا العيد تقليد رتبة تبريك الشّموع التي استُعمِلَت في الطّقوس المسيحيّة منذ القرن الأوّل أيّام الاضطهادات للإنارة في الدّياميس المظلمة تحت الأرض. وهي ترمز للمسيح الذي قال عن نفسه "أنا نور العالم". وأولى الإشارات للاستخدامٍ الطّقسيّ اللّيتورجيّ للشّمع كانت في مجمع اللّيبريس سنة 305. أمّا الرّمز الثّاني للاستعمال اللّيتورجيّ للشّمع فهو المادّة التي يُصنع منها وهي شهد العسل الذي تصنعه النّحلات البتولات في القفير. كذلك المسيح أخذ من مريم البتول الطّبيعة البشريّة و"أشرق منها كما الشّعاع مِن الغمامة الصّافية" (نافور مار يوحنّا فم الذّهب). القدّيس أفرام السّريانيّ تكلّم عن هذه الرّمزيّة التي لاقت رواجًا عظيمًا في ربوع المسكونة خاصَةً بعد مجمع أفسس (431) الذي أقرّ عقيدة مريم العذراء والدة الله."

وأضاف الخوري أبراهام: "نتذكّر بمناسبة هذا العيد المبارك تقديم أهلنا لنا لله في أوّل زيارة للكنيسة وأيضًا الشّموع بعد معموديّتنا التي نُجدّد مواعيدها، أيّ الكفر بالشّرير والعيش بالله الثّالوث. نتعمّد مرّة في الحياة، ولكن في كلّ مرّة ننال فيها حلّة الغفران بسّرّ التّوبة، نتعمّد من جديد، لا بالماء بل بدموع التّوبة. نصلّي لكي نعيش دائمًا بالثّالوث ويضئ نورنا للنّاس."

ومن ثم انتقل منسّق لجنة التّواصل والإعلام إلى القسم الثّاني من مناسبة هذا الأحد المبارك فقال: "قبل بدء الصّوم الكبير المبارك، نتأمّل مع الكنيسة بثلاثة تذكارات: اليوم نتذكّر المطارنة والكهنة المتوفّين، والأحد المُقبِل تذكار الأبرار والصّدّيقين. وفي الأحد الذي يليه، نتذكّر عموم موتانا المؤمنين."

وإستطرد شارحًا: "في إنجيل اليوم، يُعطي الرّبّ يسوع الطّوبى للعبد المطلوب منه صفتين: الأمانة والحكمة. نعمتان ننالهما بواسطة الرّوح القدس الذي حلّ علينا بالمعموديّة والتّثبيت. الأمانة لوديعة الإيمان وتعاليم الله وكنيسته. أمّا الحكمة، التي منحها الله للملك سليمان، فهي أكثر من العلم الضّروريّ لطلّاب الكهنوت والذي تساهم به الجماعة من خلال مصاريف الإكليريكيّة. الحكمة يصوّرها الكتاب المقدّس كشخص.  يسوع هو كلمة الله وحكمته. هي عميقة، روحيّة. وخير دليل على ذلك هو شفيع الكهنة القدّيس جان فيانيه خوري آرس الذي طُرد من الإكليريكيّة لأنّه كان ضعيفًا علميًّا ولكنّهُ أصرّ وواظب إذ كانت لديه الحكمة الرّوحيّة أيّ القداسة. القدّيس حكيم لو مهما قَلَّ علمه، بينما الشّرّ هو غباء لأنّ نهايته الفشل والخسارة."

وأردف الخوري أبراهام قائلًا: "لنتذكّر إخوتي القدّيسينَ أحبّاءِ الله، أنّ الخدم هم للسّيّد، وليس الكاهن إلّا عبد ووكيل مِن قبلِ الله. في نفس الوقت، ليس الكهنوت رتبةً اجتماعيّةً أو سلطةً مدنيّةً، بل قوّة سلطانه هي من موكّله، لذلك هي قوّة إلهيّة! القدّيس توما الأكوينيّ يقول: "إن عظمة وكرامة الكهنوت تفوق عظمة وكرامة الملائكة" لأنّه مسيح آخر، الكاهن الأوّل والأخير. الكاهن يقيمه سيّده لمهمّة معيّنة واضحة: إعطاء الحصّة الغذائيّة للخدم على الوقت أيّ بشكل دائم ومنتظم. الغذاء بالأسرار: ماء المعموديّة وحلّة الاعتراف، زيت التّثبيت ومشحة المرضى والكهنوت، خمر سرّ الزّواج، الغذاء بكلمة الله وطبعًا الأهم، الخبز السّماويّ، جسد الرّبّ."

وخلاصةً قال منسّق لجنة التّواصل والإعلام في نيابة صربا البطريركيّة المارونيّة: "معموديّتنا هي أوّل دعوة بها مُسحنا ملوك لأنّنا صرنا أبناء الملك، وأنبياء لأنّنا نحمل كلمة الله، وكهنة لأنّنا نقدّم الذّبيحة عن أنفسنا وعن غيرنا. المجمع الفاتيكانيّ الثّاني أعاد تسليط الضّوء على أهميّة دور العلمانيّين خاصّةً من ناحية الكهنوت العام لكلّ معمّد."

وإختتم الخوري أبراهام بالقول "كلّ إنسان هو وكيل: الأهل وكلاء من قبل الله لتأمين ضروريّات الحياة للأولاد، وأهمّها الخبز السّماويّ. عندما يكبر الأهل، الأولاد يُصبحون وكلاء من قبل الله لتأمين حاجات الأهل الإنسانيّة والأهم، من جديد، القربانة للّذين عجزوا عن المجيء إلى الكنيسة، والدّواء ومسحة المرضى. الوكلاء هم في الدّولة أيضًا، وفي أيّ حقل، لذلك نصلّي على نيّة كلّ إنسان وكيل بعمله اليوميّ وعلى نيّة الأساقفة والكهنة المتوفّين الذين زوّدونا بالأسرار المقدّسة ونطلب من ربّ الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده."