خاصّ- لنَسَب يسوع حقيقة لا تأويل فيها، ما هي؟
"إنجيل أحد النّسبة هو الإنجيل الوحيد في زمن الميلاد الذي لا يُعتبر "حدثًا" ضمن الأحداث التّي جرت قبل ميلاد السّيّد المسيح. هو ليس بإنجيل "خبر" أو "إعلان" عن حدث يندرج في سياق الأحداث السّابقة للميلاد، كما رأينا في الأناجيل التّي عايشناها منذ بشارة زكريّا الكاهن. إنَّما تقرأه لنا الكنيسة منذ القديم، في الأحد الأخير من آحاد الميلاد الذي يسبق مباشرة يوم عيد الميلاد، لتؤكّد لنا من خلال شجرة العائلة هذه وغرابة بعض الأسماء، بأنّ الله تجسّد ودخل شجرة عائلاتنا البشريّة، كما هي، وقَبِل أن يكون واحدًا منّا ومثلنا. وتجدر الإشارة بأنّ أهميّته الجوهريّة، تكمن أيضًا في أنّه يكشف لنا، من النّاحيّة البشريّة التّاريخيّة، هويّة هذا الصّبيّ الذي سيولد، وإلى أيّ سلالة أجداد ينتمي. وهنا القصّة كلّها: النّسب التّاريخيّ إلى الملك داود المرتبط بالوعد الخلاصيّ من الله لشعبه".
وتابع الأب أبي عون مفسّرًا : "إنجيل النّسبة، هو الفصل الأوّل من إنجيل متّى الرّسول، يستهلّه بالآية الأولى "مفتاح" كلّ إنجيله الموجّه إلى شعبه اليهوديّ: "كتاب ميلاد يسوع المسيح، ابن داود، ابن إبراهيم... "، ثمّ يبدأ بتعداد الأسماء التّي ينتمي يسوع إليها تاريخيًّا حتّى والده مربّيه البشريّ يوسف رجل مريم. إسمان أساسيّان، بالنّسبة للشّعب اليهوديّ، يشكّلان الوعد الخلاصيّ التّاريخيّ من الله لشعبه: داود الملك الذي منه سيأتي المسيح الملك، وإبراهيم أب المؤمنين ومعه بدأ وعد الخلاص في التّاريخ البشريّ. أراد القدّيس متّى إفهام بيئته ومجتمعه اليهوديّ بأنّ هذا الـ"يسوع" إبن يوسف النّجّار رجل مريم من النّاصرة، هو المسيح ابن داود بذاته المنتظر منذ أجيال والمُتنبّأ عنه في كتب التّوراة والأنبياء والآتي ليحقّق وعد الخلاص الذي بدأ مع أبينا إبراهيم. لذلك استهلّ إنجيله بالآية الجوهريّة "كتاب ميلاد يسوع المسيح، ابن داود، ابن ابراهيم…"، أيّ أنّ المسيح الذي سيأتي، ومعروف بالتّمام لدى الشّعب اليهوديّ بأنّه من سلالة الملك داود ووريث عرشه وملكه لن يزول أبدًا، وهو ما طالما علّمه رؤساء الكهنة والكتبة والفرّيسيّون، لقد أتى: هو يسوع. والشّعب اليهوديّ يعرف أيضًا بأنّ المسيح الملك الآتي المنتظر يجب أن يكون من بيت لحم موطن سلالة الملك داود. فكانت شجرة النّسب هذه المبتدئة من إبراهيم، المرتكزة على داود، والمنتهية بيوسف زوج مريم الذي "كان من بيت داود وعشيرته" (لوقا: ٢/ ٤)."
وأكمل الأب أبي عون مُمْعِنًا بالشّرح قائلًا: "وما يُلفتُ في شجرة النّسب هذه، أربعة أسماء لنساء لسنَ يهوديّات، بل وثنيّات كنعانيّات، وهنّ بالتّسلسل التّاريخيّ: "تامار" وهي زوجة "يهوذا بن يعقوب" الذي من نسله سيأتي "داود الملك" وبالتّالي "المسيح الملك" "يسوع"؛ "راحاب" زوجة "سلمون" ومنهما "بوعز" وهو جدّ "يسّى" والد "الملك داود"؛ "راعوت" زوجة "بوعز" ومنهما "عوبيد" والد "يسّى" الذي ولد "داود الملك"؛ "إمرأة أوريّا" (لم يُذكر إسمها هنا في الإنجيل، واسمها بِتْشَبَعْ) التّي أخذها "داود" زوجة له ومنها ولد "سليمان الملك" باني هيكل أورشليم."
"هذا التّداخل بين النّسب اليهوديّ والنّسب الوثنيّ يريد منه الإنجيليّ متّى إظهار حقيقة لا تأويل فيها"، أضاف الأب المريميّ "بأنّ هذا المسيح الذي اسمه يسوع لم يأتِ فقط من أجل الشّعب اليهوديّ وحسب، بل لسائر شعوب العالم أجمعين. كما سيعلنه بولس رسول الأمم عاليًا وبكلمة تقطع مثل حدّ السّيف، بأن لم يعد هناك من يهوديّ أو يونانيّ وثنيّ، لا عبدٌ ولا حرٌّ، بل كلّنا واحد بالمسيح يسوع."
وإختتم الأب أبي عون مستخلصًا لنا أبعاد هذا الإنجيل فقال: "لا شكّ بأنّ قراءة هذا الإنجيل سنويًّا وسماعه ليس بالأمر السّهل لغرابة أسمائه وصعوبة لفظها وفهمها، فهم يبدون وكأنّهم من كوكب آخر خارج أرضنا، لكنّه في الوقت عينه يُظهر لنا بأنّ الله دخل في هذا النّسب العائليّ بدون أيّ تردّد وانتمى إليهم. البعض منهم قدّيسون والبعض الآخر خطأة. وما يؤكّد بأنّ مشوار الله مع الإنسان للوصول إلى يسوع المسيح، مشوار طويل مرّ باختبارات عديدة وأحداث متنوعة، الجميلة منها والأقلّ جمالًا. وكأنّ الرّبّ يريدنا بإنجيل النّسب هذا أن نتحلّى بروح الانفتاح والحوار وأن نتعلّم كيف نقبل بعضنا بعضًا ونغفر لبعضنا البعض ونمدّ أيدينا نحو بعضنا البعض."
وفي نهاية حديثه، رفع الأب المريميّ صلاة من وحي الإنجيل متضرّعًا: "أعطنا يا ربّ في هذا الأحد المبارك السّابق لميلادك في المذود، وأنت من حملت اسمًا بشريًّا وارتضيت أن تنتسب بكلّ حبّ واحترام إلى مختلف أسماء أجدادك وجدّاتك، أن نحبّ أسماءنا وننظر إلى بعضنا البعض، نحن الحاملين في جعبة تاريخنا من تنوّع في الضّعف والقوّة، نظرة فيها من الإكبار والإجلال والاكتساب. آمين."