خاصّ– عزّام: مسيرة التّنشئة على الإيمان هي أساس الحياة المسيحيّة
وتابع: "يمكننا أن نلخّص هذه التّنشئة بثلاث نقاط كبرى:
1- "لا أحد يقدر أن يرى ملكوت الله ما لم يولد من جديد"، و"ما لم يولد من الماء والرّوح!". هنا يؤكّد يسوع بأنّ الولادة الجديدة، التي هي المعموديّة بالماء والرّوح، هي وحدها كفيلة بأن تقود الإنسان إلى الإيمان به. وما هو العماد؟ هو "الختم" الذي يتوّج مسيرة التّنشئة على الإيمان، من خلال الإصغاء إلى الخبر المفرح بموت الرّبّ يسوع وقيامته، ومن خلال الإيمان بتعاليمه والتّشبّه بحياته كإنسان، أيّ بالاتّحاد التّام مع أبيه والانفتاح على عمل روحه القدّوس، الذي حوّلنا من "مولود الجسد" الذي يتّكل على قواه الذّاتيّة، ويضع ثقته في عقله كأساس للقرارات التي يأخذها لحياته ولحياة من يرتبطون به، إلى "مولود الرّوح".
2- "مولود الجسد جسد، ومولود الرّوح روح"! فماذا يعني؟ من جهة، "مولود الجسد جسد" يعني ببساطة أنّ الإنسان يولد موصومًا بضعف الجسد الذي أخذه من أبيه وأمّه؛ وليس المقصود هنا الجسد الماديّ، بل الطّبيعة البشريّة التي جُرحت بالخطيئة الأصليّة (ساركس)، فصارت ضعيفة وميّالة إلى أمور الأرض، بدلاً من الميل الأصليّ الذي خلقه الله فيها لتبحث عنه، وتجد سعادتها الكاملة في الاتّحاد به. من جهة ثانية، "مولود الرّوح روح" يعني ببساطة أنّ الإنسان المعمّد، بعد أن اختبر الإيمان بالمسيح"، يصبح شبيهًا به، أيّ أنّه لا يعمل شيئًا إلّا بحسب مشيئة الآب، لأنّه يثق به وبحبّه، فيعيش حياته بهدي روحه القدّوس وقيادته. وسيعود بولس الرّسول كثيرًا إلى هذه المقارنة (أنظر روم 8: 1-17؛ 1كو 2: 15؛ 3: 4،3،1؛ 2: 14؛ 3: 11؛ 14: 37؛ 15: 46؛ غل 6: 1؛ أف 2: 3).
3- ما قلناه في النّقطة الأولى والثّانية له أساس، وهو ما يعلنه المسيح هنا لنيقوديموس: "هكذا أحبّ الله العالم، حتّى إنّه جاد بابنه الوحيد...". وهذا الإعلان هو الخبر المفرح الذي أعلنه الرّسل في كرازاتهم، بعد القيامة، وهو الذي يساعد من يقبلونه على بدء مسيرة التّنشئة الإيمانيّة نحو المعموديّة. إنّه إعلان ذو أساس تاريخيّ وواقعيّ، أيّ حبّ الله الذي تجلّى في المسيح "والمرفوع على الصّليب"، ليجذب إليه الكثيرين ويحرّرهم من "سموم حيّات" الخطايا التي أضعفت الطّبيعة البشريّة، ولكي يمنحهم الطّبيعة المطعّمة بالحياة الإلهيّة، على شبه اتّحاد طبيعته البشريّة بطبيعته الإلهيّة."
وإختتم الأب عزّام شرحه قائلًا: "مسيرة التّنشئة على الإيمان هي أساس الحياة المسيحيّة، وهي ضروريّة لكي يصبح عمادنا فاعلًا وخصبًا: هناك أناس يقومون بها تحضيرًا للمعموديّة، وآخرون يحتاجون لأن يقوموا بها بعد المعموديّة، (على قول القدّيس أغوسطينوس، والبابا بولس السّادس)، خصوصًا أولئك الذين لم يتسنّ لهم أن ينالوا التّنشئة الإيمانيّة الأساسيّة في عائلتهم. زمن الدّنح إذًا هو فرصة لكي نبحث عن كلّ وسيلة، خصوصًا في الجماعات المسيحيّة في الرّعيّة، لكي نعيد تنشئتنا المسيحيّة ونقوّيها، فتساعدنا على الانتقال من "مولود الجسد" إلى "مولود الرّوح"، ولنختبر خصب الحياة الإلهيّة فينا."