دينيّة
27 آذار 2022, 07:00

خاصّ- الخوري كرم: أكثر ما يخبرنا به الكتاب المقدّس عن الخطيئة ليس بأنّنا خطأة ولكن بأنّ لنا إله يغفر

نورسات
"في زمن الصّوم نتأمّل بيسوع في مسيرة صعود إلى أورشليم مدينة الذّبائح حيث يقدّم نفسه في عمل فداء، خاتمة الذّبائح الدّمويّة. أمّا في القراءات في أسابيع الآحاد، فنتأمّل بنصوص من الإنجيل: يسوع يجترح المعجزات في عمل إنحداريّ يغوص أكثر وأكثر في عمق الإنسان. الشّفاءات تتواصل من الظّاهر إلى الدّاخل العميق، بدءًا من الأبرص، المرأة النّازفة، الإبن الشّاطر، حتّى نصل إلى المخلّع. الرّبّ يجترح شفاءً داخليًّا عميقًا "مغفورةٌ لك خطاياك" حيث يجدّد الطّبيعة البشريّة بأكملها. في تأمّلنا بنصّ شفاء المخلّع، نكتشف الصّراع بين يسوع والكتبة والفرّيسيّين، وقد بلغ ذروته في (مرقس 2: 6- 10)." بهذه المقدّمة استهلّ كاهن رعيّة بشلّلي في أبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري روجيه كرم تأمّله لموقعنا عن إنجيل شفاء المخلّع للقدّيس مرقس (2: 1- 12).

وتابع: "يسوع في جولاته الرّوحيّة، يدخل أحد البيوت من أجل أن يتمّم الرّسالة. على الأرجح إنّه بيت سمعان أو إندراوس بحسب ما نقرأ في "ولمّا خرجوا من المجمع جاءوا للوقت إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنّا" (مرقس 1: 29). في تأمّلنا نتناول سبعة عناصر تساعدنا على التّعمّق في هذا النّصّ:

1- الإيمان: أهمّيّة هذه الفضيلة الّتي تحرّك قلب الرّبّ في منحه الشّفاء ويتمّم معجزة الحبّ. "فلمّا رأى يسوع إيمانهم" (مرقس 2: 5أ)

2-  تحدّيات الإيمان: موانع الجموع التي تقفل الباب ونقد الفرّيسيّين. على المؤمن أن يتخطّى الصّعوبات بمبادرات تثبت قوّة الإيمان "وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السّقف حيث كان. وبعد ما نقبوه دلّوا السّرير الّذي كان المفلوج مضطجعًا عليه." (مرقس 2: 4)

3- شفاعة الكنيسة: عمل منظّم في نقب السّقف وإنزال الفراش في المكان المناسب وبتناغم مع التّلاميذ الأربعة، هذا ما يدلّ على إظهار الإيمان بالأعمال. يسوع اجترح المعجزات بفضل إيمانهم "وجاءوا إليه مقدّمين مفلوجًا يحمله أربعةٌ. وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السّقف حيث كان. وبعد ما نقبوه دلّوا السّرير الّذي كان المفلوج مضطجعًا عليه." (مرقس 2: 3- 4)

4- يسوع غافر الخطايا: يعطي الأولويّة للنّفس، يكتشف عمق الإنسان ويعرف كلّ خفاياه، الرّاعي يعرف الخراف. "قال للمفلوج: "يا بنيّ، مغفورةٌ لك خطاياك"." (مرقس 2: 5ب)

5- يسوع هو إبن الله إنّه الإله "لماذا يتكلّم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلاّ الله وحده؟" (مرقس 2: 7) "ولكن لكي تعلموا أنّ لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا." (مرقس 2: 10). وقد أكّد غفران الخطايا بشفاء المخلّع في العاهة الجسديّة "فقام للوقت وحمل السّرير وخرج قدّام الكلّ، حتّى بهت الجميع ومجّدوا الله قائلين: "ما رأينا مثل هذا قطّ!". (مرقس 2: 12)

هذا ما سبّب له الحكم بالموت من قيافا عظيم الكهنة "فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال: "ما حاجتنا بعد إلى شهودٍ؟ قد سمعتم التّجاديف! ما رأيكم؟" فالجميع حكموا عليه أنّه مستوجب الموت."(مرقس 14: 63- 64)

6- يسوع يشفي بالكلمة: كلمة خلق وحياة، كلمة مستجابة، تحقّق رغبات الله. "لك أقول: قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك!" فقام للوقت وحمل السّرير وخرج قدّام الكلّ" (مرقس 2: 11- 12أ)

7- يسوع يجترح المعجزات تمجيداً للآب السّماويّ "حتّى بهت الجميع ومجّدوا الله قائلين: "ما رأينا مثل هذا قطّ!." (مرقس 2: 12ب)

وأضاف: "زمن الصّوم هو الإمساك عن الطّعام والتّمسّك بالكلمة، هل تؤمن أنّ الكلمة هي قوّة الله للخلاص؟ ما حدث في ذلك اليوم في بيت سمعان هو ما يواصل فعله اليوم يسوع في الكنيسة. نحن هذا المفلوج، في كلّ مرّة نقدّم أنفسنا عبيد الخطيئة، لننال مغفرة الله.

ستساعدنا هذه الصورة المأخوذة من الطّبيعة "صورة الصّواعد" في فهم لماذا وحده الله قادرٌ على مسامحة الخطايا. الصّواعد عبارة عن عمود من الحجر الجيريّ، يتكوّن في قاع بعض الكهوف الّتي يعود تاريخها إلى آلاف السّنين. يتكوّن هذا العمود بعد سقوط قطرات من مياه الحجر الجيريّ من سقف الكهف. العمود الّذي يتدلّى من سقف الكهف يسمّى "الهوابط"، والعمود الّذي يتشكّل من الأرض حيث تسقط عليها قطرة الماء "الصّواعد". يتكوّن معظمها من الماء ويتدفّق، ولكن في كلّ قطرة ماء توجد نسبة صغيرة من هذا الحجر تستقرّ وتتّحد مع الرّواسب السّابقة. هذه هي الطّريقة الّتي تتشكّل على مرّ السّنين أعمدة ذات إنعكاسات قزحيّة جميلة للرّؤيا. أمّا إذا راقبناها عن كثب فهي تشبه قضبان قفص أو أسنان مدبّبة لوحوش مفتوحٌ فمها على مصراعيه.

هذا بالضّبط ما يحدث في حياتنا، على مر السّنين غرقت خطايانا في أعماق قلوبنا مثل العديد من قطرات الماء العسر. لقد أودع كلٌّ منهما القليل من الحجر الجيريّ، أيّ العتامة والصّلابة ومقاومة الله، الّذي ذابت مع ما تركته الخطيئة السّابقة. كما في حالة الطّبيعة، فإنّ الأساس قد انزلق وذهب بفضل الاعتراف والقربان المقدّس والصّلاة. لكن في كلّ مرّة يبقى شيء غير محسوب، لأنّ توبتنا ونوايانا لم تكن كاملة. هكذا نمت صواعدنا الشّخصيّة مثل العمود الحجريّ الجيريّ، كتمثال نصفيّ مصلوب من الحبس الّذي يسجن إرادتنا. ثمّ نفهم على الفور ما هو "قلب الحجر" الشّهير الّذي يتحدّث عنه الكتاب المقدّس: إنّه القلب الّذي خلقناه لأنفسنا بسبب التّسوية والخطيئة.

ماذا تفعل في هذه الحالة؟

لا أستطيع إزالة هذا الحجر بإرادتي وحدي، لأنّ هذا الحجر هو بالضّبط إرادتي. من هنا نفهم الهبة الّتي يمثّلها الفداء الّذي حقّقه المسيح. يستمرّ المسيح في نواحٍ عديدة في مغفرة الخطايا، حتّى لو كانت هناك طريقة معيّنة يجب اللّجوء إليها عندما يتعلّق الأمر بالفتق الجاد مع الله: سرّ التّوبة."

وإختتم الخوري كرم تأمّله شارحًا: "أكثر ما يخبرنا به الكتاب المقدّس عن الخطيئة ليس بأنّنا خطأة ولكن بأنّ لنا إله يغفر الخطايا، والّذي بعد أن غفرها ونسيها ومحاها، جعل كلّ شيءٍ جديد. يجب أن نحوّل النّدم إلى تسبيح وشكر، كما فعل الرّجال الّذين شهدوا معجزة المفلوج في ذلك اليوم في كفرناحوم: "إندهشوا جميعًا وأعطوا المجد لله قائلين: لم نر شيئًا مثل هذا قطّ".