دينيّة
13 آذار 2022, 08:00

خاصّ– الخوري شدياق: لماذا استوقفت لمسة النّازفة يسوع؟

نورسات
بلمسةٍ ملؤها الإيمان والرّجاء شفيت المرأة النّازفة وشهدت لمحبّة الرّبّ ورحمته. هذا ما يحدّثنا عنه إنجيل القدّيس لوقا 8/ 40 – 56 في الأحد الثّالث من زمن الصّوم. ولتبيان هذا الشّفاء وفهمه على ضوء حياتنا، كان لنا حديث ليتورجيّ مع الخوري المعاون في رعيّة السّيّدة - الفنار الأب شربل شدياق الّذي استهلّه بطرح تساؤل يخطر على بالنا جميعًا: "لماذا استوقفت لمسة النّازفة يسوع؟"

وأردف قائلًا: "للإجابة على هذا التّساؤل، لا بدّ من الإبحار في الكتاب المقدّس، والبحث عن تلك الكلمة: "لمسة " (في اليونانيّة ἥψατο )، والأطر التي استخدم فيها الكتّاب الملهمون ذلك التّعبير."

وأكمل شارحًا: "في العهد القديم، تمّ استخدام هذا التّعبير "لمسة" للإشارة إلى عمل اللهولمسته في التّاريخ: تحرّر الله من يعقوب بـ "لمسة" (تك 32: 25)؛  وبــ "لمسَةٍ" من عصا ملاك الرّبّ كانت علامة الرّبّ لجدعون "صعدت نارٌ من الصّخرة وأكلت اللّحم..." (قضاة 6: 21)؛ ورافقت شاول الملك "الجماعة التي مسَّ الله قلبها" (1صم 10: 26)، وأيقظ ملاك الرّبّ إيليّا النّبيّ بــ "لمسة" ليقوم ويأكل "لأنّ المسافة طويلة عليه" (1ملوك 19: 7)؛ والذي دفن في قبر أليشاع بـ "لمسه" عظام نبيّ إسرائيل "عاش وقام على رجليه" (2ملوك 13: 21)؛ وأُصيب عزريا الملك بـ "لمسة" من الرّبّ بالبرص بسبب عدم أمانته (2ملولك 15: 5)؛ وآشعيا بــ "لمسة" من جمرة المذبحانتزع إثمه وغُفرت خطيئته ( أش 6: 7)؛ وها الرّبّ مدّ يده و"لَمَسّ" فم إرميا، وجعل كلامه في فمه (إرميا 1: 9)؛ والرّبّ بــ "لمسة" فتح ... شفتي دانيال النّبيّ (د 10: 16) وبــ "لمسةٍ" قوّاه (د 10: 18)...

نستخلص من كلّ ما تقدّم، أنّ تعبير "لمَسَ" يُنسب إلى الله.  يَلمُس الله أعماق قلب الإنسان فيُقوّيه، ويُقدّس حياته، ويُحي جسده المائت."

وتابع: "في العهد الجديد، وفي الأناجيل الإزائيّة على وجه الخصوص، نُسِب فعل "اللّمس" إلى يسوع: إذ "لمس" أبرصًا فطَهُرَ (متى 8:3؛ مر 1: 41؛ لو 5: 13)؛ ولمس حماةَ بطرس فتركتها الحمّة (متّى 8: 15)؛ ولمس أعمى فأبصر (متى 9: 29؛ 20: 34)؛ ولمس أصمًّا أبكم"فانفتحت أذناه وانحلّت عقدة لسانه" (مر 7: 31)؛ و"لمس" يسوع النّعش "فَوَقَفَ الْحَامِلُونَ. فَقَالَ: «أَيُّهَا الشَّابُّ، لَكَ أَقُولُ: قُمْ!». (لو 7: 14)، و"لمس" أذن عبد رئيس الكهنة وأبرأها (لو 22: 51)...".

وإستخلص قائلًا: "من كلّ ما سبق نستنتج أنّ فِعلَ "اللّمس" الذي يُنسب في العهد القديم إلى الله، ينسبه الإنجيليّون إلى يسوع في العهد الجديد، إذًا في ذلك دلالة على ألوهيّته، وعلى وحدة تاريخ الخلاص، إذ الله الذي لمَسَ إيليّا النّبيّ، وأشعيا، وإرميا، ودانيال، حاضرٌ في وسط شعبه ويلمس الإنسانيّة السّقيمة، بإصبع إنسانيّة ابن الله الوحيد.

لكن في العهد الجديد، حدث يذكره الإنجيليّون الثّلاثة: متّى (9: 20) ومرقس (5: 27، 30، 31) ولوقا (8: 44 ،45، 46، 47)، ويشيرون فيه إلى امرأة مصابة بنزف دمٍ من اثنتي عشرة سنة، "لمسَت طرف رداء" يسوع، وفي الحال وقف نزف دمها (لو 8: 44). وولّد هذا الحدث لدى يسوع بشهادة الإنجيليّين تساؤلًا "من لمسني؟" (لو 8: 45). إذًا ما قامت به تلك المرأة كان "لمسةً" بالمعنى الكتابيّ للكلمة."

وإختتم الخوري شدياق حديثه: "فكما أنّ الله على ممرّ التّاريخ "لمَسَ" الإنسان في حياته، هذه المرأة النّازفة (الذي يتطابق عدد سنين نزفها، مع عدد أسباط إسرائيل) لمَسَت بإيمانها قلب الله. يفترض "اللّمس" غياب المسافة بين جسدين، وبالتّالي، سقطت المسافة بين الله والإنسان في شخص يسوع المسيح، وأصبح بإمكان الإنسان أنّ يلمس (بالإيمان) حقًّا الله، فيشفى، ويحيا جسده، كما أُحيي الجسد الذي "مسَّ" عظام أليشاع النّبيّ (2 مل 13: 21).أليس ذلك اختبارنا في الإفخارستيّا، عندما تمسّ شفاهنا تلك الجمرة التي تنتزع إثمنا وتغفر خطيئتنا (أش 6:7) وتُحيي بــ "لمسةٍ" أجسادنا (2 مل 13: 21)؟"