دينيّة
19 آذار 2022, 08:00

خاصّ- الخوري بو عسّاف: الإرادة البشرية اذا ما اقترنت بالإرادة الإلهيّة لصنعت العجائب وتخطّت المستحيلات

نورسات
"نلتقي ككلّ عام لنعيّد معًا عيد القدّيس يوسف البتول، ذاك الصّامت يتأمّل مسيرة الطّفل يسوع ينمو بالقامة والحكمة والنّعمة أمام الله والنّاس ويسير مع مريم العذراء في ظلّ العناية الإلهيّة متّكلًا على المواعيد الإلهيّة فاتحًا قلبه للمشروع الإلهيّ ليموت تلك الميتة الصّالحة بين يدي مريم ويسوع. وفي ظلّ تلك الأزمات التي نعيشها اليوم في عالمنا المعاصر حيث التّخبّط في صراعات دمويّة ومصالح ضيّقة نتوقّف أمام شخصيّة يوسف لنستنتج منها العبر ونتعلّم الأمثولات ونسير وفق قلب الرّبّ لنكون علامة رجاء وإيمان ومحبّة في ظلمة العالم." بهذه المقدّمة استهلّ خادم رعيّة مار يوسف- شحتول الخوري طوني بو عسّاف تأمّله لموقعنا عن حياة القدّيس يوسف صاحب القلب المفتوح لله والعين السّاهرة على الطّفل الرّبّ، المربّي الصّالح، والخطّيب والصّديق لمريم العذراء.

وتابع تأمّله مسلّطًا الضّوء على نقطتين، فقال: "في النّقطة الأولى نتأمّل بطاعة يوسف الذي سعى في كلّ حياته أن يسير وفق شريعة الرّبّ، منتهجًا خطّ الآباء والأجداد من ابراهيم واسحق ويعقوب وموسى وإيليّا وداوود وسائر الأنبياء ليظلّ أمينًا على وديعة الإيمان. حلم كسائر النّاس بأن يؤسّس لعائلة يعطيها من وقته ويكرّس لها كلّ المتطلّبات المادّيّة والمعنويّة. وأمام مشروع الله الخلاصيّ وعندما أتاه الملاك وأبان له السّرّ المكتوم منذ الأزل وليزيل من قلبه الخوف من حبل مريم بالطّفل الإلهيّ قبل أن يسكن ومريم تحت سقف واحد امتثل لمشيئة الآب وكما يقول النّصّ الإنجيليّ "قام من النّوم وفعل كما أمره ملاك الرّبّ". هذا الفعل يؤكّد طاعة يوسف لمشيئة الله بعيدًا عن مصلحته الشّخصيّة. وكانت طاعته بملء حرّيّته وإرادته من دون أن يتكبّر أو أن يتجبّر على مشروع الله في حياته وحياة مريم. طاعته لم تكن طاعة عمياء بل نابعة من فعل إيمان وثقة بأنّ الله الذي اختاره ليكون من سلالة النّبيّ داوود لن يتركه في تلك التّحوّلات والتّحدّيات. "لقد عرف يوسف في كلّ ظروف حياته كيف يقول "ليكن على غرار مريم يوم البشارة ويسوع في بستان الزّيتون في جتسيماني"، فطاعة يوسف تؤكّد أنّ الإرادة البشريّة إذا ما اقترنت بالإرادة الإلهيّة لصنعت العجائب وتخطّت المستحيلات. فالطّاعة تحوّل المستحيل إلى مستطاع."

أمّا في النّقطة الثّانية فنرى يوسف الشّجاع الذي تمتّع بتلك "الشّجاعة الخلّاقة" كما وصفها البابا فرنسيس. تلك الشّجاعة التي دفعته أن ينطلق في مشروع الله بدل الانسحاب والانكفاء. تلك الشّجاعة رافقته في كلّ مسيرته مع مريم ويسوع. إنّ المشروع الإلهيّ يتطلّب شجاعة خلّاقة تولّد الحياة لا العقم، تعطي القوّة لا الضّعف، تنير الطّريق وتكبح الظّلمات، لأنّ تلك الشّجاعة نابعة من دعوة إلهيّة وليست من صنع بشر ولا تعزّزها صواريخ وأسلحة دمار شامل. "تلك الشّجاعة الخلّاقة التي تظهر خاصّة عند مواجهة الصّعوبات. فيمكن للإنسان أمام صعوبة ما أن يتوقّف ويغادر الملعب أو أن يبذل جهده في المواجهة. فالصّعوبات تحديدًا هي التي تكشف فينا أحيانًا عن إمكانيّات لم نكن نعتقد حتّى أنّنا نمتلكها". فالقدّيس يوسف امتلك تلك الشّجاعة الخلّاقة لأنّه ترك الرّبّ يمسك يده ويسير معه في صعوبات الحياة وتحدّياتها بغية تحقيق الخلاص.

وإختتم الخوري بو عسّاف تأمّله مناجيًا: "من هنا انطلاقًا من طاعة يوسف وشجاعته الخلّاقة نسأل الله أن يعطينا في هذا الزّمن العصيب الطّاعة لمشيئة الآب، فنجدّد ثقتنا به ونوجّه أنظارنا وقلوبنا إلى مشروعه هو لا مشاريعنا البشريّة الآنيّة والزّائلة، والشّجاعة الخلّاقة لمواجهة كلّ ما يعيق مسيرتنا الرّوحيّة والإنسانيّة والوطنيّة فنضحي كما القدّيس يوسف "حرّاس الفادي" على حدّ قول القدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني، و"ظلّ الآب" في وسط عالم يحتاج إلى حضور الله".