دينيّة
23 أيار 2021, 07:00

خاصّ– أبي عون: الله بذاته بروحه القدّوس يُرافق كلّ الأجيال

غلوريا بو خليل
مرّ خمسون يومًا وحلّ عيد مجيء الرّوح القدس وقد تمّ تتميم الوعد. إنّه عيد العنصرة، فيه نال الرّسل قوّة الرّوح وسلطان السّماء ومجد الملكوت، فأضحوا رسلًا لا يهابون الموت وغدوا شهودًا للحياة. هذا البارقليط، الرّوح القدس، الأقنوم الثّالث، هو المدافع والمساعد ومعطي المواهب السّبع: الحكمة، والفهم، والعلم، والمشورة، والقوّة، والمخافة، والتّقوى لمن أحبّ يسوع المسيح وسمع كلامه. نعم، هو لم يتركنا يتامى، فمهما حصل ومهما جارت علينا الحياة، معنا إله نستمدّ منه المواهب لنعيش أبناءً أحرارًا. نستهلّ اليوم زمنًا جديدًا، زمن العنصرة، لنسير بالرّوح إلى العمق إنطلاقًا من إنجيل القدّيس يوحنّا (14/ 15 – 20)، بتأمّل لموقعنا مع رئيس أنطش سيّدة التّلّة - دير القمر وخادمه، الأب جوزف أبي عون الرّاهب المارونيّ المريميّ، فأجاد قائلًا:

"أحد العنصرة، من الأعياد الكبيرة والقديمة في الكنيسة يأتي بعد خمسين يومًا من أحد القيامة بحلول الرّوح القدس على التّلاميذ في علّيّة أورشليم. قبل صعود الرّبّ في اليوم الأربعين إلى السّماء، ووعده لتلاميذه بحسبِ إنجيل اليوم بعدم تركهم يتامى، أوصاهمبالبقاء مجتمعين معًا في العلّيّة بانتظار حلول الرّوح."

وأكمل: "قول القدّيس لوقا، كاتب أعمال الرّسل، في رسالة اليوم "في تمام اليوم الخمسين، كان الرّسل في مكانٍ واحد"، هو المعنى الأساسيّ للكلمة "العنصرة" بهذين البعدين:

- الأوّل عندما كان اليهود يحتفلون بعد خمسين يومًا من عيد الفصح بذكرى تلقّي النّبيّ موسى الوصايا العشر على جبل سيناء. ويُسمّى أيضًا بعيد الأسابيع.

- الثّاني هو حالة الاجتماع بذاته والاحتفال والصّلاة.

تُرجمَ هذا التّعبير إلى اللّغات الأجنبيّة من اليونانيّ بـ "يوم الخمسين"، عيد يوم الخمسين الذي حلّ فيه الرّوح القدس على التّلاميذ. بينما قد ترجمها المسيحيّون في الشّرق إلى اللّغة العربيّة بتحوير الكلمة العبرانيّة "عصْرَتْ" أيّ الاجتماع إلى "العنصرة". عيد العنصرة إذًا بالمعنى العميق للكلمة في العهد القديم هو "الاجتماع في أورشليم في اليوم الخمسين" بعد الفصح لتذكّر رمزيّة تلقّي موسى الوصايا العشر وتجديد العهد مع الله."

وتابع شارحًا: "مع يسوع في العهد الجديد، العنصرة هو حلول الرّوح القدس على الرّسل في اليوم الخمسين بعد القيامة وهم مجتمعون يصلّون في مكانٍ واحدٍ وبقلبٍ واحدٍ. لم يعد ذكرى لرمزٍ، بل الله بذاته بروحه القدّوس يُرافق كلّ الأجيال. هنا تكمُن أهميّة هذا الحدث التّاريخيّ بأنّ العبادة لله لم تعدْ كلماتٍ محفورة على ألواحٍ من حجر، بل "بالرّوح والحقّ" مزروعة في قلوب من لحم ودم.

بعد الانتهاء من الاحتفال كان اليهود يعودون إلى بيوتهم وضِيعهم. مع عنصرة العهد الجديد، هبّ الرّسل وانطلقوا، تاركين بيوتهم وضِيعهم، من أورشليم واليهوديّة والسّامرة إلى كلّ العالم يشهدون ليسوع بروح العنصرة الجديدة ويؤسّسون كنيسة العنصرة المفتوحة أبوابها إلى كلّ الشّعوب على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأعراقهم، يجتمعون بقلب واحد ورأي واحد تحقيقًا لملكوت الله السّماويّ."

وبصلاة قلبية ملؤها الرّجاء اختتم الأب أبي عون تأمّله قائلًا: "جدّد يا ربّ فينا روح العنصرة الخلّاقة والمبدعة والمعزّية والمشدّدة، فنتجدّد بقلوبنا ووجوهنا وألسنتنا، ونجتمع بحبّ على اسمِكَ ونحملَكَ بفرحٍ إلى عالم لا يزال يئنّ تحت أثقال الأمراض والأوجاع والأزمات.

كلّ عنصرة ونحن جميعًا بخير وأبواب الجحيم لن تقوى عليها طالما روح العنصرة متغلغلة في أعضائها وشرايينها وحبّ أبنائها حبّات حنطة غائصة في الأرض لتُعطي ثمار قدّيسين وشهداء للحقّ والحياة."