تعدّدت الطّوائف.. والله واحد
كم هو جميل هذا الله الذي يتقبّل أبناءه بكلّ اختلافاتهم، هو موجود بينهم، يستجيب لصلواتهم التي تختلف من ولد الى آخر.
هو حاضر بين أبناء الطّوائف كافة، في قلوبهم كما في بيوتهم، يفهم لغاتهم مهما اختلفت ويعطي كلّاً بحسب إيمانه.
فإذا كان "الأب" بهذا الحنان وهذه الطّيبة، ألا يُفترض على الأبناء التمثّل به؟
لطالما اشتهر لبنان بوحدة أبنائه تحت راية "العيش المشترك"، راية تغنّى بها هذا البلد وأصبحت صفة أساسية من صفاته تميّزه عن البلدان المحيطة به، فبات "بلد الرّسالة" بحسب البابا القديس مار يوحنا بولس الثّاني؛ ولكن المؤسف أن اللبنانيين ذاتهم الذين يفتخرون بتعدّد طوائفهم لا يفوّتون فرصة لإظهار بغضهم وكرههم لـ"الآخر". هم يتعالون على بعضهم البعض، مشوّهين تلك اللّوحة الفسيفسائيّة الّتي وإن عاينتها من الخارج ترى فرادتها، وإن تعمّقت وفنّدت داخلها تكتشف روعة تركيبتها؛ غير أنّ غناها هذا لم يعفها من المشاكل الّتي وحده اللّبنانيّ يختلقها ويعزّزها.
الإختلاف بدأ بالتسلل الى مناسبات اللبنانيين كافة، احتلّ ملاعب الرياضة فأفقدها روحها الرّياضية وسلب منها روح التنافس الشّريف. تغلغل في تلك الإجتماعية أيضاً، فسرق منها المحبّة والحبّ الصّادق وحكم على أفراد المجتمع بمعتقدات وأفكار توارثوها عن الأجداد، فبدل أن يحسّنوا ويبنوا مجتمعاً خالياً من العقد يتسارعون الى بناء حواجز في ما بينهم، حواجز دينيّة واجتماعيّة وسياسيّة، فحتّى الصّداقات باتت تتأثّر بالخلاف القائم حول طبيعة هذا الإله الّذي وُجد ليوحّد.
وصار صراع الأديان يفقد اللبنانيين شيئاً من إنسانيتهم، فأبناء الدّيانة الواحدة يتنافسون في ما بينهم لتأكيد أولوية طائفتهم وتعيير معتقدات الطّائفة الأخرى، متناسين أنهم جميعاً "أبناء إله واحد" يؤلمه تشرذم أبنائه، فمتى سندرك أن الاختلاف لا يعني الخلاف؟