بيتسابالا: ليس ممكنًا معرفة الذّات حقًّا سوى من خلال معرفة المسيح
"نواصل مسيرة آحاد الزّمن العاديّ، برفقة إنجيل لوقا.
نحن في الفصل التّاسع. والآيات الّتي نقرأها اليوم (لوقا ٩، ١٨–٢٤) يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أجزاء: في الجزء الأوّل سؤال يسوع المتعلّق بهويّته، وفي الثّاني ردّ الرّسل، وبطرس بشكل خاصّ؛ وأخيرًا، يعلن يسوع لأوّل مرّة عن آلامه، عن شروط اتّباعه، وعن أسلوب العيش الّذي يجب أن يميّز كلّ من يقرّر السّير وراءه.
ويبدو أنّه يمكننا بالفعل أن نستنتج من هذا عنصرًا أوّليًّا مهمًّا، وهو أنّ هويّة المسيحيّ ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهويّة يسوع.
في النّصّ الانجيليّ يسأل يسوع التّلاميذ سؤالاً ذاتيًّا حول رؤية النّاس والتّلاميذ لشخصه وخدمته. وبعد ذلك مباشرة يتحدّث عنهم، من خلال إعادة قراءة حياتهم انطلاقًا من حياته، وكأنّهما صورتان متطابقتان.
لأنّه كما وحيث يكون الرّبّ، كذلك يجب أن يكون التّلاميذ.
في الحقيقة ليس ممكنًا معرفة الذّات حقًّا سوى من خلال معرفة المسيح؛ وكلّما زادت عمقًا معرفتنا له ولحياته ولتاريخه ولمعنى وجوده، كلّما زاد فهمنا لأنفسنا ولسرّ حياتنا، وكلّما حققنا أنفسنا.
وبالعكس من ذلك، ليس هناك معرفة حقيقيّة لسرّ الإنسان دون هذه "المرآة" الّتي بإمكانها الكشف لنا عن حقيقة ذاتنا.
وبالتّالي، سنكتشف ليس فقط أنّ المسيح هو إنسان لكونه شبيهًا بنا، بل أيضًا أنّنا بشر بمقدار تشبّهنا به.
وبعد سؤال التّلاميذ عن هويّته وعمّا فهموه عنه، يتعجّل بكشف ذاته لهم (لوقا 9،22)، وبإخبارهم عمّا ستكون خاتمة رحلته إلى أورشليم. إنّها تنتهي بالفصح.
وهذا يعني أنّ بشريّة يسوع تتحقّق تمامًا في موته وقيامته، ويعني أنّ الفصح يُعطي المعنى لكلّ شيء، والفصح هو الّذي ينير كلّ ما تبقّى.
لهذا السّبب يعرض لوقا حياة يسوع باعتبارها رحلة إلى أورشليم، رحلة نحو الفصح.
كلّ خطوة في حياتنا تكون ذات معنى إذا كانت باتّجاه الفصح، وإذا كانت تقرّبنا من هذا السّرّ.
إنّ أيّ حياة بدون الفصح لا تصل إلى اكتمالها.
ولهذا السّبب لا يتردّد يسوع، في الجزء الثّالث من مقطع اليوم، في القول إنّ الحياة بدون الفصح هي حياة ضائعة (لوقا ٩، ٢٤).
ومن المفارقات أنّ الإنسان يمكن أن يكون لديه كلّ ما يريد، حتّى امتلاك العالم بأسره (لوقا ٩، ٢٥)، ولكن إذا لم يجتز الفصح، فلا معنى لحياته.
لذلك ترتبط حياة المسيحيّ، على مثال حياة يسوع، ارتباطًا وثيقًا بالصّليب، ولا يتمّ فهم الصّليب بمعنى المعاناة والألم، بقدر ما هو بمعنى التّفضيل: فالصّليب هو طريقة عيش نُفضّل فيها محبّة الآخر، من خلال إنكار الذّات.
ولدينا هنا أمر مهمّ: ألا وهو التّمييز بين إنكار الذّات وخسران الذّات.
إنكار الذّات يعني هبة الذّات بحرّيّة؛ وبفعل ذلك، نرتقي إلى الحياة الجديدة للمُفتدين، لأنّ الصّليب مرتبط بشكل وثيق بالقيامة، بل هو بابها.
لكن إذا اختار الإنسان، بدلاً من ذلك، عدم إنكار ذاته وعدم بذلها، فإنّه لن يصل إلى الحياة الجديدة، بل يبقى في الخارج، منغلقًا داخل شرنقته الصّغيرة، بدون حبّ؛ وبالتّالي فإنّه يخسر نفسه."