بيتسابالا: العلاقة مع الآب هي علاقة أمن وإيمان
"إستمعنا في الآحاد الأولى للزّمن الفصحيّ إلى مقاطع إنجيليّة تروي ظهورات الرّبّ القائم من بين الأموات للتّلاميذ.
اليوم سنرى ماهيّة الحياة الجديدة للرّبّ القائم ودعوة المؤمنين الّذين يجعلهم يسوع مشاركين في حياته الجديدة.
نقرأ اليوم مقطعًا من الفصل العاشر من إنجيل القدّيس يوحنّا، يروي خطّاب يسوع عن الرّاعي الصّالح.
في القسم الأوّل (يوحنّا ١٠: ١– ١٨) يصف يسوع الملامح الخارجيّة للرّاعي الصّالح، ثمّ ينقطع الخطاب (يوحنّا ١٠: ١٩– ٢٤) بسبب ردّ فعل اليهود على هذا الوصف وسؤالهم عن هويّة يسوع: "حتام تُدخِلُ الحَيرةَ في نُفوسِنا؟ إن كُنتَ المَسيح، فقُله لنا صَراحَةً".
إنّ الآيات الّتي نقرأها اليوم هي جواب يسوع على سؤالهم.
قبل كلّ شيء يقول يسوع إنّه من أجل التّعرّف عليه ومعرفة إذا ما كان هو المسيح حقًّا، علينا أن نكون جزءًا من قطيعه (راجع كلمة "خرافي" في الآية ٢٧، وآية "إنّ أبي الّذي وَهَبها لي" الآية ٢٩).
لا يمكن أن تبقى معرفة يسوع في نطاق خارجيّ، مجرّد معرفة فكريّة من دون تأثير على الحياة ومن دون مجازفة. إنّ معرفة يسوع تمرّ عبر المحبّة والثّقة والاستسلام، وهي طاعة متواضعة على مثال علاقة يسوع بالآب (يوحنّا ١٠: ١٨).
يواصل يسوع وصفه التّمثيليّ للرّاعي والخراف، ويستعمل بعض الكلمات الرّئيسيّة. إثنتان تتحدّثان عن موقف التّلاميذ منه واثنتان عمّا يقوم به نحوهم.
يقوم موقف التّلاميذ بالأساس على أمرين هما الإصغاء والاتّباع ("إنّ خِرافي تُصغي إلى صَوتي، وأنا أعرِفُها وهي تَتبَعُني"، الآية ٢٧).
الإصغاء والاتّباع هما جوهر التّلمذة والحياة الجديدة إذ يتّصلان بعمق ببعضهما البعض. كلّما أصغى الإنسان، كلّما ازداد اتّباعه لله.
يقوم الرّاعي بأمرين أساسيّين آخرين. إنّه يعرف ويهب ("أنا أعرِفُها" الآية ٢٧، وأنا أهَبُ لَها الحياة الأبديّة" الآية ٢٨). إنّ علاقته بتلاميذه تتّسم بالحميميّة العميقة وهي علاقة شخصيّة مع كلّ تلميذ، تتحقّق بفضل هبة حياته هبة مجّانيّة.
ترصد لنا هذه الآيات التّحوّل الوجوديّ لهذه العلاقة.
إنّ الحياة الجديدة الّتي انبثقت من العلاقة مع الرّبّ تتّسم بصفات مميّزة تخصّ الجماعة المؤمنة. هي جماعة مصغية ("تُصغي إلى صوتي" الآية ٢٧). إنّ دعوة المسيح لتلاميذه وضعتهم في علاقة جديدة معه ("أنا أعرفهم"). إنّها دعوة تؤدّي بدورها إلى أسلوب حياة جديد ("هي تتبعني"). كما وهي جماعة محبوبة ومُنعم عليها ("أنا أهب لها الحياة الأبديّة"، الآية ٢٨)، ذلك أنّ حياة الملكوت الجديدة من نصيبهم. كما أنّها جماعة آمنة مطمئنة ("لا تهلك أبدًا"، الآية ٢٨).
لا يقتصر أمن هؤلاء المدعوّين والموعودين على صونهم من مكروه ما. هم في أمان لأنّهم يعرفون أنّ حياتهم كلّها محروسة تمامًا وتصونها أياد أمينة.
وعليه يقول يسوع إنّ هذه الحياة لن تهلك (يوحنّا ١٠: ٢٨).
كان يسوع أوّل من اختبر هذه العلاقة مع الآب، فقد سلّم حياته له وأصغى إليه، ولذا لم يهلك. لقد مرّ عبر الموت إلّا أنّ الآب لم يتركه في قبضته بل وهبه الحياة مرّة أخرى. لقد أيقن يسوع أنّ العلاقة مع الآب هي علاقة أمن وإيمان.
وهذه هي العلاقة الّتي يريد أن يهبها تلاميذه المدعوين إلى الإصغاء له واتّباعه في هذه الخبرة من تسليم الذّات كي يمرّوا عبر الموت، ويكتشفوا أنّ حياتهم لا تهلك بل تصبح حياة أبديّة.
في إنجيل اليوم ورد ذكر كلمة "يد" مرّتين: يد يسوع (يوحنّا ١٠: ٢٨) ويد الآب (يوحنّا ١٠: ٢٩). كما ترد هذه الكلمة أحيانًا في أناجيل الفصح.
الحديث هو عن يدين أعطيتا كلّ شيء واجتازتا الموت وتحملان علاماته العظيمة. ولهذا السّبب تحديدًا، يستطيع يسوع أن يحمي بيديه وأن يصون الأمانة من غير أن يخسر ما وضعه الآب في راحتيه."