بطريركيّة المدينة المقدّسة أورشليم أحيت عيد النّبيّ إيليّا
وشارك في الخدمة رئيس أساقفة قسطنطينيّ السّكرتير العامّ للبطريركيّة أريسترخوس، ورئيس أساقفة جبل طابور ميثوذيوس، ومتروبوليت إلينوبوليس يواكيم، وعدد محدّد من الكهنة وآباء أخويّة القبر المقدّس، وبحضور فقط عشرين مصلّيًا وفقًا للتّعليمات المحلّيّة الصّحّيّة المتعلّقة بجائحة كورونا.
وللمناسبة، ألقى ثيوفيلوس عظة قال فيها نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:
"يصدح مرنّم الكنيسة قائلاً: لقد أصبح التّسبيُّ معاينًا لله. فأبصر مع موسى ما لم ترَهُ عينٌ ولم تسمع بهِ أذنٌ. ولا خطر على قلب أحدٍ من بني البشر الأرضيّين. فإنّه أبصر على جبل طابور الرّبّ الضّابط الكلّ المتجسّد.
أيّها الإخوة المحبوبون في المسيح،
أيّها المسيحيّون الأتقياء،
إنّ الذّكرى الإلهيّة الموقّرة للقدّيس المجيد النّبيّ إيليا التسبي قد جمعتنا اليوم في هذه الكنيسة المقدّسة الّتي تحمل اسم النّبيّ إيليّا، لكي نسبّح داؤوديًّا ونكرّمَ بشكرٍ تذكار عيده المقدّس.
إنّ وجود القدّيس النّبيّ إيليّا ورسالته النّبويّة الفاعلة كانت في حقبةٍ زمنيّةٍ حرجةٍ وصعبةٍ للغاية، فشعب الله الّذي استلم النّاموس الموسويّ على جبل سيناء، ابتعد عن الإيمان السّليم والصّحيح وابتعد عن عبادة وديانة التّوحيد الأخلاقيّ الُمعلَنِ عنها وسار في ضلالة الأوثان مع مجموعة من المعتقدات المختلفة.
ويصف بدقّة القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ الصّورة المظلمة القاحلة لتحول وانحراف شعب العهد القديم عن طريق المعرفة الإلهيّة الحقيقيّة وخروجهم عن العبادة الطّاهرة، إذ يقول: قد كان ليلٌ وظلمة في المسكونة كلّها وغيمة كثيفة غطّت جميع المسكونة، لأنّ الجميع قد سار في الشّرّ والمسكونةُ كلّها غارقة ولكن ليس في الماء بل في الخطيئة والشّهوة.
إنّ إيليّا المتألّه قد لُقِبَ بحقٍّ "الغيور" كما يشهد بالحقيقة القدّيس الذّهبيّ الفمّ عنه أنّه قد سَكِرَ فعلاً بالغيرة. فقد اكتسب النّبيّ إيليّا غيرته العظيمة لله لأنّه كان سامعًا من جهةٍ لوصيّة الله أنّ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. (تثنية 6: 5)، ومن جهةٍ أخرى لأنّهُ مصغيًا للأقوال الدّاؤوديّة يَا رَبُّ، مَنْ يَنْزِلُ فِي مَسْكَنِكَ؟ مَنْ يَسْكُنُ فِي جَبَلِ قُدْسِكَ؟ السَّالِكُ بِالْكَمَالِ، وَالْعَامِلُ الْحَقَّ، وَالْمُتَكَلِّمُ بِالصِّدْقِ فِي قَلْبِهِ. الَّذِي لاَ يَشِي بِلِسَانِهِ، وَلاَ يَصْنَعُ شَرًّا بِصَاحِبِهِ، وَلاَ يَحْمِلُ تَعْيِيرًا عَلَى قَرِيبِهِ. (مزمور 14: 1-3).
إنّ الطّاعة الذّاتيّة وغير المشروطة لإيليّا المتألّه اللّبّ لإرادة الله قد أوضحتهُ "رجل الله"، لهذا فقد خُصّصَ له رسالةً إلهيّة لإيقاظ النّاس وحثّهم على التّوبة وعودتهم لقادتهم الدّينيّة السّياسيّة.
إنّ هذه الرّسالة النّبويّة "رسالة التّوبة واليقظة" هي نشاط إيليّا النّبيّ الغيور والّتي كانت تهدف للحفاظ على قسم الله لإبراهيم وللموعد والعهد الّذي قسمه الله لآبائنا (أعمال 3: 25). وبمعنى آخر إنّ رسالة إيليّا التّسبي كانت تهدف إلى تذكير الِوَرَثَةِ بالْمَوْعِدِ وعَدَمَ تَغَيُّرِ قَضَاء "الله" (عب 6: 17). ومن الواجب أن يعرف أنّ ورثة الموعد هما كلا شعبي العهدين القديم والجديد بحسب القدّيس بولس الرّسول إذ يقول فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ (غلا 3: 29). وبحسب تفسير زيغافينوس لما سبق: أنّنا نحنُ نعتقد أنّ وارثي الموعد أو بالأحرى بحسب الظّاهر هو شعب العهد القديم ولكن عقليًّا وذهنيًّا هو الشّعب الجديد وذلك لأنّ زرع إبراهيم الطّبيعيّ الّذي من نسله هو شعب العهد القديم وأمّا النّسل الرّوحيّ الّذي بحسب الإيمان هو شعب العهد الجديد الّذي يشبهُ إبراهيم بإيمانهِ.
وقد أصبح من الواضح أنّ شخصيّة إيليّا البارزة والنّبويّة أيّ نشاطه وكرازته سببها العمل والثّاوريا أيّ العمل والفعل وما يشهد عليه في العهد القديم ولاسيّما العهد الجديد. وأمّا في العهد الجديد فإنّ إيليّا التّسبي يظهر مع النّبيّ موسى في حدث تجلّي مخلّصنا المسيح على جبل ثابور، إذ قد كان شاهدًا ومتحدّثًا مع المسيح وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. (متّى 17: 3) وغير ذلك فقد ذكر القدّيس يعقوب أخو الرّبّ مشيرًا عن قوّة صلاة الأبرار إلى الله والدّالّة الّتي لهم، فقال عن إيليّا النّبيّ كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. (يعقوب 5: 17).
وأمّا في العهد القديم فإنّ إيليّا النّبيّ يظهر إناءً مختارًا لله مساويًا لرسول الأمم بولس، إذ أنّ فعل وقوّة إيمانه وغيرته المتّقدة وأعماله العجائبيّة يصفها بدقّة في كاتب سفر سيراخ المقدّس وَقَامَ إِيلِيَّا النَّبِيُّ كَالنَّارِ، وَتَوَقَّدَ كَلاَمُهُ كَالْمِشْعَلِ. بَعَثَ عَلَيْهِمِ الْجُوعَ، وَبِغَيْرَتِهِ رَدَّهُمْ نَفَرًا قَلِيلًا. أَغْلَقَ السَّمَاءَ بِكَلاَمِ الرَّبِّ، وَأَنْزَلَ مِنْهَا نَارًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. مَا أَعْظَمَ مَجْدَكَ، يَا إِيلِيَّا، بِعَجَائِبِكَ، وَمَنْ لَهُ فَخْرٌ كَفَخْرِكَ؟ أَنْتَ الَّذِي أَقَمْتَ مَيْتًا مِنَ الْمَوْتِ وَمِنَ الْجَحِيمِ، بِكَلاَمِ الْعَلِيِّ. وَأَهْبَطْتَ الْمُلُوكَ إِلَى الْهَلاَكِ، وَالْمُفْتَخِرِينَ مِنْ أَسِرَّتِهِمْ. وَسَمِعْتَ فِي سِينَاءَ الْقَضَاءَ، وَفِي حُورِيبَ أَحْكَامَ الاِنْتِقَامِ. وَمَسَحْتَ مُلُوكًا لِلنِّقْمَةِ، وَأَنْبِياءَ خَلاَئِفَ لَكَ. وَخُطِفْتَ فِي عَاصِفَةٍ مِنَ النَّارِ، فِي مَرْكَبَةِ خَيْلٍ نَارِيَّةٍ. وَقَدِ اكْتَتَبَكَ الرَّبُّ لأَقْضِيَةٍ تُجْرَى فِي أَوْقَاتِهَا، وَلِتَسْكِينِ الْغَضَبِ قَبْلَ حِدَّتِهِ، وَرَدِّ قَلْبِ الأبِ إِلَى الاِبْنِ، وَإِصْلاَحِ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، طوبى للّذين عاينوك، وللّذين رقدوا في المحبّة، فإنّنا نحن أيضًا بالتّأكيد سنحيا. (حكمة سيراخ 48: 1-11).
وفي المديح اللّائق للقدّيس النّبيّ إيليّا التّسبي من سيراخ المتألّه اللّبّ يعلّق الأب يوئيل ياناكوبولوس على آخر فقرة من الدّعاء فإنّنا نحن أيضًا بالتّأكيد سنحيا فيقول علينا أن نُدرِكَ نحنُ أنّ الّذين سيرقدون رقاد الأبرار في آخر الأيّام، سيكونون متهيّئين ومتحضّرين بكرازة إيليّا، لهذا فهم سيرقدون بسلام وسيقومون مباشرة في ذلك الزّمن عند دينونة العالم وسيحيون إلى الأبد."
بعد القدّاس استضاف رئيس الدّير الأرشمندريت باييسوس الحضور في قاعة الدّير وكانت مأدبة طعام على شرف البطريرك والوفد المرافق.